زيارة غروسي لإيران بين أهداف الوكالة وغايات النظام

زيارة غروسي لإيران بين أهداف الوكالة وغايات النظام

جاءت زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية(رافائيل غروسي) إلى العاصمة الإيرانية طهران يوم الجمعة الثالث من آذار 2023 في ظل ظروف وأحداث ألقت بظلالها بعد تقرير الوكالة حول قيام إيران بعملية تخصيب لليورانيوم بنسبة 84% وهي تعني الوصول إلى درجة النقاء المطلوبة لصنع أسلحة نووية في منشأة فوردو ، وبعد قرار اتخذ من قبل مجلس محافظي الوكالة الدولية الذي يضم 35 دولة في شهر تشرين الثاني 2022 يأمر النظام الإيراني بالتعاون على نحو عاجل مع التحقيق حول ثلاث مواقع غير معلن عنها تقع في أطراف مدينة طهران يرى مفتشي الوكالة انها تحتوي على عمليات لتخصيب اليورانيوم .
اتسمت الزيارة بلقاء موسع مع مدير الوكالة الوطنية الإيرانية محمد سلامي ثم الرئيس ابراهيم رئيسي ليتمكن رئيس الوكالة غروسي من الحصول على قرارات سيادية يسمح لمفتشي الوكالة بالعودة لممارسة دورهم في الرقابة والرصد والتقصي لنشاط البرنامج النووي الإيراني بعد فترة طويلة من التعنت وإظهار القوة والامتناع عن السماح للوكالة بالقيام بواجباتها ورفع كاميرات المراقبة عن العديد من المواقع النووية ، ولكي تحظى الزيارة بقبول دولي فإنها تضمنت مناقشة الضمانات المتبقية ودراسة الخلافات الفنية والقانونية القائمة بين إيران والوكالة ومعالجتها بشكل هادئ بما يحقق الأبعاد المناسبة الحصول على ضمانات بالعودة للحوار والتفاوض حول خطة العمل الشاملة المشتركة التي اقرت في اب عام 2015 .
حاول الإيرانيون العمل على استباق أي قرار ممكن أن يصدر عن مجلس محافظة الوكالة في اجتماعهم الذي سيناقش مدى استجابة إيران لشروط الوكالة الدولية والقرارات التي تم اتخاذها بشأن البرنامج النووي ومدى تعاون الوكالة الوطنية الإيرانية مع زيارة رئيس الوكالة رافائيل غروسي لإيران، ولكي يساعد في إقرار توصيات تساهم في جزء من المرونة لمعالجة الأوضاع الداخلية والأزمات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية التي يعاني منها النظام الإيراني نتيجة العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وإبعاد الأنظار والانتقادات التي وجهت إليه من قبل واشنطن وحلفائه الاوربين لمساندته مساندته لموسكو في حربها مع أوكرانيا وتزويدها بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة مما زاد في عملية العزل الدولي وفرض العديد من العقوبات على الكيانات والشخصيات التنفيذية في الهيكلية السياسية والأمنية للنظام .
وأمام الموافقة الإيرانية التي اعطيت نتيجة الأوضاع السائدة والحفاظ على بقاء النظام واستمرار ديمومة علاقاته الدولية والإقليمية فقد أعلن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن أيران وافقت على العديد من الشروط والتوجيهات التي تساهم في تفعيل عمل المفتشين وتشغيل كاميرات المراقبة في عدد من المواقع النووية وزيادة وتيرة عمليات التفتيش مع الالتزام بممارسة أصول التحقيق في آثار اليورانيوم في المواقع التي يشتبه بها وخاصة منشأة فوردو بعد اكتشاف جزئيات من اليورانيوم المخصب تصل إلى مستوى قريب من العينية الضرورية لتطوير قنبلة ذرية والموافقة على أحياء اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة وإيقاف عملية عدم الاطلاع على المعلومات الميدانية والنشاطات النووية الإيرانية والتي أفصح عنها رئيس الوكالة بقوله ( انها ليست كلمات بل امر ملموس للغاية ) .
بهذا تكون إيران قد قدمت تأكيدات رفيعة المستوى من الرئاسة والوكالة الوطنية حول التعاون مع المفتشين الدوليين وتوضيح مسألة جزئيات اليورانيوم المخصب.
جاء تقرير الوكالة الدولية الاخير بعد أن تم الإعلان عن هذه المعلومات المتداولة عن أن أيران غيرت شبكة الأنابيب التي تربط بين سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي داخل محطة فوردو في خطوة تتيح لها تخصيب اليورانيوم عن مستويات أعلى وتم اكتشاف هذا التغيير عن طريق الصدفة فالوكالة تعمل على استخدام التفتيش المعلن والمخطط له مع النظام الإيراني وهناك التفتيش غير المعلن والذي يطلب فيه المفتشين الدخول بشكل مفاجئ لأي موقع يرون انه يشكل حالة من الخطورة، وهنا حدث أن أحد مفتشي الوكالة قد أنتبه بشكل غير مباشر عن عملية تغيير الأنابيب في منشأة فوردو وهو ما غفل عنه الآخرون ، وهذا ما ساعد الوكالة على تعزيز قدرتها في مواجهة أساليب النظام الإيراني إضافة إلى المستجدات التي تخشى فيها الإدارة الأمريكية قيام روسيا بمساعدة طهران في تطوير برنامجها النووي وتوسيع دائرة تخصيب اليورانيوم وتقديم ذلك عرفان لدور طهران في الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا ما يمكن استنتاجه من قول وكيل وزارة الدفاع الأمريكي للشؤون السياسية (كولن كال) في مناقشات الكونجرس بتاريخ 28 شباط 2023 (ان ايران قد تمتح ما يكفي من المواد الإنشطارية _اليورانيوم المخصب _لصنع قنبلة نووية خلال 12 يوم ) ، وهذا ما أثار حفيظة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأدى إلى توسيع دائرة شكوكها واهتماماتها وكانت الزيارة مناسبة لمعرفة حقيقة هذه المعلومات والتطورات الميدانية .
تبقى المصالح الدولية والإقليمية هي الدافع الأساسي لكيفية التعامل مع إيران التي سعت في لقاءات مسؤوليها مع رئيس الوكالة إلى أهدافها في منع إصدار أي قرار لادانتها وتصعيد المواقف السياسية ضدها وزيادة العقوبات الاقتصادية عليها ، وسيكون تقري الوكالة الدولية هو المعيار الأساسي في حقيقة ومصداقية النظام الإيراني لتطبيق كل التعهدات التي تم الاتفاق عليها في زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية