عُمان في قلب التنافس على النفط والغاز بين الولايات المتحدة والصين

عُمان في قلب التنافس على النفط والغاز بين الولايات المتحدة والصين

يلفت خبراء أوبك إلى أن عام 2023 سيشهد اتفاقيات جديدة بين سلطنة عمان والأسواق الكبرى في العالم، وذلك ضمن منافسة عالمية قوية على عقود الغاز طويلة الأجل. ويشير محللون اقتصاديون إلى أن عُمان باتت في قلب التنافس على الغاز والنفط بين الصين الساعية للمزيد من تعزيز نفوذها والولايات المتحدة الآخذ نفوذها في التراجع.

عمان – أعلنت وزارة الطاقة العمانية الأسبوع الماضي أن السلطنة تتهيّأ لطرح مجموعة جديدة من مناطق امتياز النفط والغاز البرية بحلول نهاية الشهر الحالي ومجموعة جديدة من حقول النفط والغاز البحرية بحلول نهاية يونيو القادم.

ووجهت الصين اهتمامها إلى عمان منذ العام الماضي لأهميتها الأكبر في الشرق الأوسط بما يتجاوز احتياطياتها النفطية المؤكدة المقدرة بحوالي 5.4 مليار برميل التي تضعها في المرتبة 22 على مستوى العالم.

وبرزت نوايا الصين المرتبطة بعمان والدول المجاورة في سلسلة من الاجتماعات خلال يناير 2022 في بكين بين كبار مسؤولي الحكومة الصينية ووزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.

وتمحورت مواضيع هذه الاجتماعات حول إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وتأسيس تعاون إستراتيجي أعمق في منطقة تتراجع فيها الهيمنة الأميركية.

موقع إستراتيجي
موانئ ومنشآت التخزين العمانية توفر البديل الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران

تحتل سلطنة عمان موقعا جغرافيا وجيوسياسيا حاسما في عالم النفط والغاز. وتمتد سواحل البلاد على طول خليج عمان وبحر العرب مما يوفر وصولا غير مقيد إلى أسواق الشرق والغرب. وتوفر موانئها ومنشآت تخزينها الرئيسية البديل الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران، والذي يمر من خلاله حوالي ثلث إمدادات النفط الخام في العالم.

وبرزت جاذبية عمان أكثر إثر النزاع في مضيق هرمز خلال ديسمبر 2011، وتعتبر اليوم واحدة من أكبر مراكز تخزين النفط والتجارة في العالم. ونشب هذا النزاع عندما هددت إيران بقطع إمدادات النفط عبر المضيق إذا حدّت العقوبات الاقتصادية صادراتها النفطية أو أوقفتها، وشمل تدريبات عسكرية لمدة 10 أيام في المياه الدولية.

وتحلم الصين من جهتها بالسيطرة على جميع الممرات الرئيسية لشحن النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا التي تتجنب طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا الأكثر كلفة والأكثر تحديا من الناحية البحرية ومضيق هرمز الأكثر حساسية من الناحية السياسية.

ويتماشى هذا مع هدف بكين الإستراتيجي الواسع الذي يتجسد في مشروع الحزام والطريق. وبالفعل تتمتع الصين بسيطرة فعالة على مضيق هرمز بفضل اتفاقها الشامل مع إيران لمدة 25 عاما.

وتوفّر الصفقة للصين سيطرة على مضيق باب المندب الذي يمر النفط خلاله عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن ينتقل إلى البحر المتوسط ثم يتجه غربا. ويقع مضيق باب المندب بين اليمن (الذي يعطله الحوثيون المدعومون من إيران) وجيبوتي التي فرضت الصين قبضتها عليها.

وكانت الصين تستخدم دبلوماسية دفتر الشيكات لتوسيع وجودها في عمان خلال الفترة التي سبقت اجتماع مجلس التعاون الخليجي الرئيسي في ديسمبر 2021.

وتستقبل بالفعل حوالي 90 في المئة من صادرات النفط العمانية ومعظم صادراتها من البتروكيماويات، كما تعهدت باستثمار 10 مليارات دولار في مشروع مصفاة الدقم الرائد في السلطنة. وتخصصت بعض الأموال الصينية في بناء منطقة صناعية مساحتها 11.72 كيلومتر مربع في الدقم وتشمل الصناعات الثقيلة والخفيفة ومختلطة الاستخدامات. ومكّن هذا الصين من وضع قدمها في مناطق إستراتيجية في السلطنة.

ألمحت التعليقات التي سبقت اجتماعات مجلس التعاون الخليجي إلى أن عُمان ربما انتقلت إلى مجال النفوذ الصيني.

وقال وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي في يونيو 2021 إن السلطنة تريد إحياء خطط استيراد الغاز الإيراني عبر خط أنابيب في حالة إعادة خطة العمل المشتركة الشاملة، كما تدرس أيضا تمديد شبكة خطوط الأنابيب إلى اليمن.

وتندرج خطة خط الأنابيب المذكورة ضمن اتفاق تعاون أوسع أبرمته عُمان وإيران في 2013 قبل توسيع نطاقه في 2014 والتصديق عليه بالكامل في أغسطس 2015.

ويركز على استيراد عمان لما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا من إيران لمدة 25 عاما.

وكان من المقرر أن تنطلق الصفقة في 2017، بما يعادل مليار قدم مكعب في اليوم قيمته حوالي 60 مليار دولار في ذلك الوقت. وتغيّر الهدف إلى استيراد 43 مليار متر مكعب في السنة لمدة 15 عاما، ثم تغير مرة أخرى إلى 28 مليار متر مكعب في السنة على الأقل لمدة لا تقل عن 15 عاما.

وصدر بيان عن مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية مهران أمير معيني تزامنا مع توقيع صفقة 2014. وحدد أن الشركة الإيرانية كانت تعمل بالفعل على آليات العقود المختلفة لمراحل المشروع الرئيسية.

وسيتألف الجزء البرّي من المشروع من حوالي 200 كيلومتر من خط أنابيب 56 بوصة (سيتم بناؤه في إيران)، يمتد من رودان إلى جبل مبارك في مقاطعة هرمزجان الجنوبية.

وسيشمل الجزء البحري قسما بطول 192 كيلومترا من خط أنابيب 36 بوصة بطول قاع بحر عمان على أعماق تصل إلى 1340 مترا من إيران إلى ميناء صحار في عمان.

وكانت هذه الصفقة تهدف إلى توسيع حرية حركة الغاز الإيراني (والنفط لاحقا) عبر خليج عُمان وإلى أسواق النفط والغاز العالمية. وتقرر فرض عقوبات على إيران في تلك الفترة، وصُمم هذا المسار لتكرار سيناريو التدفقات الخالية من العقوبات التي كانت موجودة في العراق.

سيدعم المسار دخول إيران المخطط له إلى سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي. ويمكن تأمين هذا النوع من الغاز سريعا وانتقاله إلى حيث هو مطلوب.

ويتطلب الغاز المتاح عبر خطوط الأنابيب في المقابل الكثير من الوقت والمال الذي يجب استثماره في بناء البنية التحتية وصيانتها قبل توفر الإمدادات. وهذا غير مناسب في عصر الغاز المطلوب بشكل عاجل لتعويض الإمدادات الروسية.

ولطالما سعت إيران إلى الريادة العالمية في تصدير الغاز الطبيعي المسال ولا يزال هذا الطموح قائما. ودفعها هذا إلى تصميم صفقة 2013 مع عمان لتمكينها من استخدام ما لا يقل عن 25 في المئة من منشآت إنتاج الغاز الطبيعي المسال في السلطنة. كما خططت لتحميل الغاز الطبيعي المسال الإيراني على سفن الغاز الطبيعي المسال المخصصة للتصدير، مقابل تقديم مدفوعات نقدية إلى عمان. وستنطلق هذه العملية فور الانتهاء من خطوط الأنابيب البرية والبحرية.

ويعدّ هذا الطريق المباشر من إيران إلى عُمان مفيدا للمحور الصيني – الإيراني لأنه سيكمّل خط أنابيب غورهجاسك الذي يخرق العقوبات الإيرانية.

ولخط الأنابيب هذا قدرة على نقل ما لا يقل عن مليون برميل نفط في اليوم من الحقول الرئيسية ويمتد من غوره في منطقة الشعيبية الغربية بمحافظة خوزستان التي تفصلها 1100 كيلومتر عن ميناء جاسك في محافظة هرمزغان المطلة على خليج عمان.

وقال وزير النفط والغاز العماني محمد الرمحي عند توقيع صفقة الغاز الإيرانية – العمانية، ثم في عدة مناسبات بعد ذلك، إن مسقط ترحب بكونها قناة لخط أنابيب الغاز الذي ينطلق من حقل فارس الجنوبي العملاق الإيراني ويمتد إلى صحار بشمال عمان.

ويرتبط خط الأنابيب بعد ذلك بخط الأنابيب الحالي الذي يمتد إلى صلالة الواقعة قرب الحدود اليمنية. ويمكن بعد ذلك أن يمتد إلى عمق اليمن، حيث يخوض الحوثيون المدعومون من إيران حربا ضد المملكة العربية السعودية.

العرب