انقلاب قضائي ضد البرلمان الكويتي

انقلاب قضائي ضد البرلمان الكويتي

الكويت- قررت المحكمة الدستورية في الكويت إبطال انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) التي جرت في سبتمبر 2022، ما يعني عودة البرلمان السابق -الذي تم انتخابه عام 2020- لكي يستكمل مدة ولايته، وهو ما يوازي انقلابا قضائيا على البرلمان الذي هيمن المعارضون على 28 مقعدا من مقاعده الخمسين.

وهذه هي المرة الثالثة التي تعلن فيها المحكمة الدستورية إبطال شرعية البرلمان بموجب طعون تقدم بها مرشحون خاسرون، ولكن هذه المرة في أجواء صدام أدى إلى استقالة حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح في 23 يناير الماضي بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكيلها، وذلك لتمسك البرلمان الجديد باستجواب وزير المالية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، ولرفض الحكومة القبول بقانون يسمح بشراء ديون المواطنين وتسديدها نيابة عنهم.

وعاد الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح ليتكلف بتشكيل حكومة جديدة، إلا أنه لم يقدمها إلى البرلمان، وذلك بانتظار أن تقرر المحكمة الدستورية مصيره، لاسيما وأن الطعون التي تم تقديمها في 22 يناير الماضي هي التي فتحت الباب أمام خيار إلغاء المجلس وإعادة المجلس السابق.

◙ الحكم بإبطال الانتخابات في بعض الدوائر كان سيُدخل المجلس في مطبات دستورية، تشمل شغور منصب الرئيس

وقالت المصادر الرسمية الكويتية إن “المحكمة التي اجتمعت، الأحد، قررت إبطال الانتخابات التي على أساسها تم انتخاب أعضاء مجلس الأمة في عام 2022، وعدم صحة انتخاب نواب المجلس، كما قررت عودة مجلس الأمة السابق في عام 2020 ليكمل مدته القانونية”.

وجاء في منطوق الحكم “إبطال عملية الانتخابات التي أجريت في سبتمبر الماضي في الدوائر الخمس، وعدم صحة من أعلن فوزهم فيها لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة التي تمت على أساسها هذه الانتخابات، وما يترتب على ذلك من آثار أهمها أن يستعيد مجلس الأمة المنحل سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن”.

ويقول مراقبون إن القرار يغني أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح عن إعلان حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة. كما أنه يخلص حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح من العودة الى مواجهة البرلمان، طالما أنه بقي على موقفه من القضايا التي أثارها النواب الذين طالبوا بالاستجوابات.

وكانت المحكمة الدستورية حجزت الطعون الانتخابية في الدوائر الخمس، بعد أن تداولت ما جاء في الطعون واستمعت إلى طلبات دفاع الطاعنين، فضلاً عن تمكينهم من الاطلاع على محاضر الفرز والتجميع الواردة في الجداول والمحاضر الانتخابية.

وقبلت المحكمة الدستورية أربعة طعون قدمت من نواب سابقين في مجلس 2020 طعنوا في صحة إجراءات الحل وفي عدم صحتها.

ويقول مراقبون إن المحكمة اختارت بطلان انتخابات سبتمبر 2022، لأنها رأت بطلان حل مجلس الأمة المنتخب عام 2020 وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة الجدد.

وقد اختارت المحكمة هذا المسار، بحسب المصادر المحلية، “لأن الحكم بإبطال الانتخابات في بعض الدوائر، كان سيدخل المجلس في إشكاليات دستورية أخرى، تشمل شغور منصب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وسيكون المجلس عندئذ أمام خيارين؛ انتخاب رئيس جديد أو الانتظار حتى إجراء الانتخابات الجديدة بالدائرة، دون وجود نص ينظم هذه المسألة”.

وسبق للمحكمة الدستورية أن أبطلت الانتخابات العامة لمجلس الأمة مرتيْن منذ عام 2012، وقال مراقبون قبل صدور الحكم “إن المحكمة الدستورية يمكن أن تنظر في الطعون الانتخابية بصفتها محكمة طعن انتخابي، لا باعتبارها محكمة دستورية، لكي لا تدخل في سجال حول ما إذا كان حل المجلس السابق دستوريا أم لا”. ولكن المحكمة أخذت بالأمرين معا، أي الطعن في الانتخابات والطعن في دستورية الحل، مما لا يترك حيزا للمناورة أمام المتضررين.

وكان مجلس 2022 شهد عودة قوية لمعارضين، بينهم 10 من الشيعة الموالين لإيران و8 من الإسلاميين الموالين لجماعة الإخوان المسلمين. كما تمكنت امرأتان، هما جنان بوشهري وعالية الخالد، من تجاوز عتبة التصويت والفوز بمقعدين، بينما كان البرلمان الذي سبقه خاليا من النساء.

وكان هناك نحو 15 نائبا -ساندوا الحكومة السابقة- خرجوا من البرلمان بسبب مساندتهم للحكومة، ولكنهم استعادوا مقاعدهم الآن.

◙ الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح عاد ليتكلف بتشكيل حكومة جديدة، إلا أنه لم يقدمها إلى البرلمان، وذلك بانتظار أن تقرر المحكمة الدستورية مصيره

وذهبت التوقعات قبل انتخابات سبتمبر إلى أن المعارضين سوف يخسرون المزيد من مقاعدهم، ولكن ما حصل هو العكس، الأمر الذي وضع قيادة البلاد أمام خيارين؛ إما حل البرلمان للمرة السابعة في أقل من 10 سنوات، أو الإبقاء عليه للنظر في ما إذا كان يمكن التوصل إلى تسويات داخلية. وكان هذا هو الخيار الذي أدى إلى تكليف الشيخ أحمد نواف الأحمد بتولي رئاسة الحكومة بوصفه شخصية مركزية وذات نفوذ. إلا أن النواة الصلبة لأطراف المعارضة اختارت المواجهة، ما جعل دوائر القرار تنظر في بدائل أخرى.

وتمثل عودة مرزوق الغانم إلى منصبه رئيسا للمجلس مصدر طمأنينة؛ لأنه سيوفر المزيد من الاستقرار ويقلّل المواجهات، وأيضا لأنه صاحب رؤية تقول بأن “الاستقرار السياسي والتعاون بين السلطتين ينعكسان إيجابًا على الجميع، وإذا لم يتحقق ذلك فالضرر سيصيب الجميع”.

ويرى مراقبون أن المجلس المعاد إلى ولايته سيكون أكثر تجاوبا مع حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد ليس فقط لأنه يضم معارضين أقل عددا، بل لأن عودته كمركز ثالث للسلطة -بعد الأمير والحكومة- تعد نصرا له، ما يجعله أكثر استعدادا للتصرف بمقدار أوسع من سعة الصدر، والكف عن المواجهات الحادة؛ ذلك أن الخيار الوحيد الباقي هو حل المجلس من جديد، وإجراء انتخابات جديدة سيُكسب المعارضين مقاعدهم التي خسروها، الأمر الذي يجعل نواب المجلس المعاد أقرب إلى الحكومة مما كانوا في السابق.

العرب