حرب العراق: بوش وبلير… الفشل الاستخباري ولعبة الكذب

حرب العراق: بوش وبلير… الفشل الاستخباري ولعبة الكذب

خُدعنا بترويج سيناريو شبيه بفيلم “نهاية العالم الآن” Apocalypse Now. الرواية كانت أن صدام حسينيمتلك برنامج أسلحة كيماوية وبيولوجية سري. وكان على بعد أشهر من اختبار جهاز نووي. كان التهديد واضحاً وحاضراً ومحدقاً.

قيل لنا إن ديكتاتور العراق كان مزمعاً على استخدام أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وبأن قواته قادرة على نشرها “في غضون 45 دقيقة فور تلقيها الأوامر للقيام بذلك” من خلال استعمال “مروحة واسعة من قذائف المدفعية والقنابل غير الموجهة والرشاشات والصواريخ الباليستية“. حياة البريطانيين كانت على المحك مع وجود القواعد العسكرية في قبرص ضمن نطاق الهجوم.

عبر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن هذه المسألة باقتضاب شديد: “يملك صدام خططاً عسكرية جاهزة وفعالة لاستعمال أسلحة كيماوية وبيولوجية، التي يمكن تفعيلها خلال 45 دقيقة، وهو يحاول بشكل نشط للحصول على أسلحة نووية”. وفي خطاب آخر، دخل في تفاصيل دقيقة ومرعبة: “المواد البيولوجية التي نعتقد أن العراق قادر على إنتاجها هي الانتراكس والبوتولينوم والتوكسين والافلاتوكسين والرسين، وهي أسلحة تؤدي إلى موت مؤلم ومحتم”.

كان رئيس الوزراء البريطاني يردد صدى أقوال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عبر المحيط الأطلسي عندما قال: “إن شعب الولايات المتحدة وشعوب أصدقائنا وحلفائنا لن يعيشوا تحت رحمة نظام خارج على القانون يهدد السلام بأسلحة القتل الشامل. إن ديكتاتور العراق وأسلحة الدمار الشامل التي يملكها تشكل تهديداً على أمن الدول الحرة.. النظام العراقي هو تهديد ذو طابع طارئ وملح. هنالك تهديد خطر في العراق، إنه فعلاً كذلك”.

وقدمت حكومتا البلدين دليلاً يدعم تلك المزاعم في ملف نشر في 24 سبتمبر (أيلول) 2002. ارتكز الملف على نتائج توصلت إليها لجنة المخابرات المشتركة JIC في المملكة المتحدة فيما خط المقدمة توني بلير بنفسه. وإضافة إلى مزاعم أسلحة الدمار الشامل والقدرة على تفعيلها خلال 45 دقيقة، كشفت الوثيقة عن أن العراق كان يسعى “إلى الحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من أفريقيا” ويمكن تخصيبه واستخدامه في الأسلحة النووية.

كما تم إعداد ملف ثان في الثالث من فبراير (شباط) 2003 وزعه على الصحافيين أليستر كامبل مدير الاتصالات والشؤون الاستراتيجية حينها التابع لبلير. وأصبح ذلك الملف يعرف باسم “ملف العراق” و”الملف المزيف” في وقت لاحق. غاص هذا الملف الذي حمل عنوان “العراق – هيكلية الإخفاء والتضليل والترويع” في تفاصيل إضافية تتناول أسلحة الدمار الشامل في العراق. وتعهدت كل من واشنطن ولندن بأنهما لن تسمحا لنظام صدام بالسير في طريق الشر.

وفيما كانت طبول الحرب تقرع، تجلت اللحظة الحاسمة مع عرض قام به كولن باول أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة بتاريخ الخامس من فبراير (شباط) 2003. شكل ذلك تحذيراً خطراً أطلقه جنرال سابق موقر ومحبوب وليس مجرد سياسي خدم لبعض الوقت. وإذ حمل بيده زجاجة (تحتوي على الانتراكس) لمزيد من التأثير الدراماتيكي، أعلن وزير الخارجية الأميركي: “زملائي، كل تصريح أقوم به اليوم مدعم بالمصادر الموثوقة. إن ما أقوله ليس مجرد ادعاءات. نمنحكم وقائع وخلاصات قائمة على معلومات استخبارية متينة”.

ولكن، كما تكشف لاحقاً، لم يكن أي من ذلك قائماً على استخبارات متينة، ومن دون أي استثناء، كل المزاعم التي بنيت حول أسلحة الدمار الشامل في العراق انهارت وتداعت خلال الأشهر اللاحقة. وتبين أن كل الأسباب التي قدمت لتبرير الحرب كانت كلها مغلوطة. وأكثر من ذلك، تبين أنه “تم اختلاق الدليل” وظهر زيفه وبأنه كان نتاج مادة مسروقة تفتقر لأي إثبات.

أما مهمة تقصي الحقائق التي ضمت علماء وخبراء أسلحة التي قامت حكومتا المملكة المتحدة والولايات المتحدة بإرسالها بعيد الغزو التي سميت “مجموعة مسح العراق” ISG، فلم تجد بعد القيام بعمليات بحث مكثفة، أي دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل التي كان كل من بوش وبلير جازمين ومتأكدين بأنها تطرح تهديداً كارثياً.

وكانت مزاعم استقدام اليورانيوم المخصب من نيجيريا قائمة على مستند مزيف كما سارعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكيد عندما زودتها به الولايات المتحدة. وكان بعض التزوير صارخاً وفاضحاً على غرار الرسالة المؤرخة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2000 التي زعم أنها حملت توقيع وزير الخارجية النيجيري أليلي حبيبو. ففي الواقع، غادر حبيبو منصبه عام 1989. وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي: “لم يكن من الصعب بالنسبة إلينا التوصل إلى استنتاج سريع بأن تلك المستندات كانت مزورة”.

هذا “الملف المزيف” كان قد أعد من قبل مجموعة من الموظفين العامين بقيادة كامبل وسرق من مصادر عدة غير موثقة بما فيها أطروحة طالب يدعى إبراهيم المراشي في جامعة ولاية كاليفورنيا. أقسام كاملة من تلك الأطروحة نسخت بشكل حرفي بما في ذلك الأخطاء المطبعية. وجرى “تشديد اللهجة” في أقسام أخرى، وجرى استبدال أحد الأمثلة الذي يؤكد بأن العراق “كان يساعد مجموعات معارضة في الأنظمة المعادية” بعبارة “مساعدة منظمات إرهابية في الأنظمة المعادية”.

وفي وقت لاحق، خلصت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم في معرض تحقيقها في حرب العراق بأن نشر هذا الملف أتى “بنتائج عكسية بالكامل” وأدى إلى تقويض صدقية القضية التي رفعتها الحكومة. وأصبح محتوى هذا الملف موضع جدل كبير كما أن تداعياته لعبت دوراً حاسماً في الاتهامات التي أحاطت بوفاة الدكتور ديفيد كيلي خبير الأسلحة الذي تحدث مع الصحافي في قناة “بي بي سي” أندرو جيليغان.

كما خضع ملف سبتمبر لتدقيق كثيف في عديد من التحقيقات التي استتبعت ذلك. فقد أفضى تحقيق هوتون عام 2004 إلى أن كبار الأعضاء في وكالة استخبارات الدفاع قدموا اعتراضاً خطياً على مزاعم فترة الـ45 دقيقة وقالوا إنها “نقطة مبالغ فيها للغاية” و”قوية بشكل مفرط” في العرض المقدم. وفي هذا الإطار، قال رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني (أم آي 6) ريتشارد ديرلوف بأن الأمر انطوى على سوء فهم، فتلك المزاعم ارتبطت بأسلحة دمار شامل محتملة في ساحة المعركة أكثر منه في الضربات بعيدة المدى.

وفي جانب آخر، أظهر تحقيق تشيلكوت عام 2011 قول اللواء مايكل لوري من وكالة استخبارات الدفاع: “تمثل هدف الملف بشكل أساسي في اختلاق عذر لشن الحرب بدلاً من تحديد المعلومات الاستخبارية المتاحة، ومن أجل الاستفادة القصوى من المعلومات الاستخبارية المتفرقة وغير الدقيقة ولهذا تمت صياغته بعناية مطلقة”.

خلال العام نفسه، كشفت مذكرة تم الحصول عليها في إطار قانون حرية الوصول إلى المعلومات وتم إرسالها من السير جون سكارليت رئيس لجنة الاستخبارات المشتركة إلى السير ديفيد مانينغ كبير مستشاري السياسة الخارجية لبلير كيف أنه تم التلاعب بالمعلومات لوضع العراق في قفص الاتهام.

وأظهرت مسودة أولية عن الملف بأن أربعة بلدان – إيران والعراق وليبيا وكوريا الشمالية – تمتلك “برامج أسلحة دمار شامل مثيرة للقلق”. وفي سياق متصل، أشار وزير الخارجية جاك سترو إلى أنه تحتم على الملف إظهار “وجود تهديد استثنائي متأتي من العراق”. واقترح السير جون رداً على ذلك، أنه يجب على الملف التركيز حصراً على العراق “لأن هذا من شأنه أن يكون له فائدة التعتيم على حقيقة أن العراق ليس استثنائياً لهذه الدرجة في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل”.

وكانت أية محاولة لتحدي مزاعم وجود أسلحة دمار شامل تواجه “بدحض سريع وعنيف” من رئاسة الحكومة. فخلال تحقيق هوتون، تم الكشف عن رسالة إلكترونية كتبها السكرتير الخاص للوزير سترو التي وصف فيها دور وزير الخارجية آنذاك في “تشديد لهجة” الملف من خلال “فقرة قاتلة”.

وكشفت مذكرة وصل نسخة منها إلى كل من أليستر كامبل وجون سكارليت عن قول سترو إنه “يجب تعزيز البند الأول من الفقرة السادسة حول أهمية أسلحة الدمار الشامل لشرح مركزية تلك الأسلحة لصدام حسين كدورها في بسط سلطته على سبيل المثال لا الحصر. ويتوجب بشكل قاطع أن تشرح تلك الفقرة دور أسلحة الدمار الشامل في الأساطير السياسية التي أسهمت في استمرار النظام”.

وعندما عثرت “اندبندنت” على تلك المذكرة ونشرتها بالتزامن مع تحقيق هوتون، كان رد فعل سترو هو الاستمرار في الهجوم مجادلاً أن هذا أظهر أنه كان يحاول تقوية “أدلة” أسلحة الدمار الشامل أو أن هذا شكل إضافة إلى إمكانية اندلاع الحرب.

أنا نفسي عشت تجربة مباشرة في كيفية قيام الحكومة بالهجوم عند مواجهتها. ففي سبتمبر (أيلول) 2002 كنت ضمن مجموعة صغيرة من الصحافيين في فندق الرشيد في بغداد ممن قاموا بتنزيل ملف العراق من الإنترنت. لقد رتبنا مع مكتب طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي لزيارة بعض المواقع التي يفترض أن النظام يستخدمها لتصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المذكورة في الوثيقة.

اخترنا المواقع التي سنقوم بزيارتها واصطحبتنا السلطات العراقية إلى هناك في غضون ساعتين من صدور الملف. قلنا في تقاريرنا أننا لم نر أي شيء مريب بشكل علني خلال زيارتنا مؤكدين مع ذلك أننا لا نملك الخبرة العلمية. بيد أن ذلك كان كافياً بالنسبة إلى المستشارين في “داونينغ ستريت” لاتهامنا بأننا “مغفلين بسطاء” صدقوا أكاذيب النظام. ووجهوا إلينا سهام الانتقادات اللاذعة قائلين إن الصحف التي نعمل لحسابها لم تكن تتمتع بأي حس بالمسؤولية لنشرها “هذه الأضاليل”.

ومن بين المواقع التي زرناها، مجمع الكعكة العسكري الذي يبعد 30 ميلاً جنوب بغداد. وبحسب الملف، تم تفكيك المجمع المذكور من قبل مفتشي الأمم المتحدة بعد حرب الخليج عام 1991 ولكن أُعيد بناؤه بعد ذلك وكان ينتج دواء الفوسجين المستخدم في غازات الأعصاب. كما قصدنا مصنع اللقاحات “عامريا سيرا” Amariyah Sera الذي يقع في منطقة أبو غريب وهي إحدى ضواحي بغداد الذي، بحسب الملف، بدأ مجدداً في استخدامه “لتخزين المواد البيولوجية والبذور وإجراء البحوث الجينية المرتبطة بالحرب البيولوجية”.

وأجري تفتيش في الموقعين بعد ذلك من قبل فرق الأمم المتحدة التي كانت موجودة في العراق آنذاك. ولم يجد المفتشون أي دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل. كما تم تفتيش الموقعين مجدداً من قبل مجموعة مسح العراق بعد الغزو، ولكنها هي أيضاً فشلت في العثور على أي أسلحة دمار شامل كما كانت الحال مع كل موقع آخر ذكر في الملف.

وأثناء زيارات عودتنا إلى المملكة المتحدة، بدا واضحاً أن الغزو كان حتمياً. لم تكن عمليات التفتيش في العراق سوى ستارة لشن الحرب. ما كان واضحاً أيضاً، في الحديث إلى أفراد الجيش البريطاني، هو قلقهم بشأن المهمة التي كانوا على وشك القيام بها. بينما استمرت إدارتا بوش وبلير في مسرحية البحث عن حل تفاوضي للأزمة، تم تأخير قادتهم العسكريين في بدء الاستعدادات اللازمة للحرب.

واجتمع رؤساء الأجهزة البريطانية للتعبير عن قلقهم بشأن شرعية الحرب. وفي هذا السياق، وجه الأدميرال لورد بويس رئيس الأركان سؤالاً للحكومة عن ضمانة خطية حول هذا الأمر. وقال لتحقيق تشيلكوت عام 2011: “سبق أن أوضحت لرئيس الوزراء في يناير (كانون الثاني) 2003 أنني سأطلب تأكيداً للأساس القانوني للحرب. وقد تكرر هذا أكثر من مرة في الأسابيع التالية وبشكل رسمي وصريح في مارس (آذار) عندما أصبح واضحاً أنه من المحتمل أن تغزو قوات التحالف العراق بمجرد الحصول على الموافقة السياسية لذلك”. وبعد الضغط، حصل لورد بويس على “سطر واحد” من المدعي العام اللورد بيتر غولدسميث يؤكد فيه أن الحرب قانونية.

وبعد تقاعده، قال لي لورد بويس: “كنت أقول لنظرائي الأميركيين مراراً بأن المملكة المتحدة ليست في وارد تغيير النظام في العراق. وكانوا مقتنعين بأن هذا ما أراده الرئيس بوش وبأن بلير سيحذو حذوه. لم أدرك في ذلك الوقت مدى حماسة بلير لأنه اعتقد بأنه مقرب من بوش”.

توفي لورد بويس في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وهذا الأسبوع، قال لي الجنرال السير مايك جاكسون الذي أصبح رئيس الأركان العامة (قائد الجيش): “كان مقرراً في اجتماع رؤساء الأجهزة أننا نحتاج إلى إيضاح بشأن شرعية الحرب ونحتاج إلى ذلك خطياً. كنا مستعدين للمحاربة في سبيل الملكة (العرش) والبلاد ولكن كان لابد من التأكيد على قانونية الحرب التي كانت على وشك الوقوع”.

وأضاف قائلاً: “تبين أن المعلومات الاستخبارية المستخدمة في الفترة التي سبقت الحرب كانت واهية. لا أعتقد أن كل شيء كان مختلقاً، لكن بالطبع اتضح أنه غير صحيح. كان هناك، كما نعلم، عدد من الاستفسارات التي أجريت بعد ذلك، وبالتأكيد ظهرت بعض النقاط المثيرة للاهتمام أيضاً”.

عندما اقترحت حكومة غوردون براون عام 2009 بأن تحقيق تشيلكوت يجب أن يجرى بسرية، شدد الجنرال جاكسون وكبار المسؤولين الآخرين في الجيش والاستخبارات في حديث لـ”اندبندنت” آنذاك بأنه يتوجب على جلسات الاستماع أن تكون علنية وشفافة لتتمتع بالصدقية.

وقال الجنرال جاكسون: “ليس لدي أية مشكلة على الإطلاق في الإدلاء بشهادتي علناً، فالقيام بجلسات الاستماع المغلقة من شأنه أن يغذي مناخ الريبة والشك بالحكومة. في الواقع لا يوجد سبب يمنع قيام الشهود بالإدلاء بشهادتهم تحت القسم. تكمن المشكلة الرئيسة في تحقيق سري ضمن المناخ الحالي من الشك بشأن العراق هو أن الناس سيعتقدون بأن شيئاً ما يتم إخفاؤه”.

ومن جهته، قال المشير الجوي السير جون والكر، الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع: “هناك سبب واحد فقط يدعو للاستماع للتحقيق بشكل مغلق وهو حماية الأعضاء السابقين والحاليين في هذه الحكومة. هنالك 179 سبباً [عدد أفراد القوات البريطانية الذين قتلوا في العراق] لماذا يريد الجيش الكشف عن الحقيقة حول ما حدث في العراق. لدينا أسئلة مقلقة حول كيفية تكثيف الاستخبارات لتناسب توني بلير ورفاقه وأسبابهم للغزو”.

وقال اللواء الركن جوليان تومسون القائد السابق لمشاة البحرية الملكية: ” نبحث في شيء خطر للغاية: الادعاء بأن حكومة بريطانية تلاعبت بالمعلومات الاستخبارية للمشاركة في حرب غير شرعية. لا يمكن إخفاء ما حدث في العراق وهناك حاجة إلى التدقيق في الخطأ الذي حدث وإلقاء نظرة على العواقب”.

وفي الولايات المتحدة، أقر كولن باول في وقت لاحق بأن خطابه في الأمم المتحدة حول اليورانيوم شكل نقطة محورية في تمهيد الطريق أمام الغزو وبأن مزاعمه كانت خاطئة. وأضاف: “لقد لطخ ذلك سجلي، ولكنكم تعلمون أنه ما من شيء يمكنني القيام به لتغيير تلك النقطة السوداء… أنا الشخص الذي قدم أكبر عرض له ولهذا ارتد كل ذلك علي. شعرت بالحرج الشديد عندما لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل. لقد شعرت بالإذلال”.

من جهته لطالما أصر توني بلير على أنه لم يضلل البلاد. وقال بعد تحقيق تشيلكوت: “ما لا أستطيع فعله ولن أفعله هو القول إننا اتخذنا قراراً خاطئاً… لم تكن هناك أكاذيب ولم يكن هناك خداع”. وأصر بلير في مقابلة أجرتها معه هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أخيراً على القول: “لقد حاولت حتى اللحظة الأخيرة تجنب العمل العسكري”، وهو ادعاء يعتبره منتقدوه بشأن العراق مثيراً للسخرية. كما أكد أنه كان من الضروري الانضمام إلى الغزو للحفاظ على “العلاقة الخاصة” مع الولايات المتحدة.

وأضاف قائلاً: “عندما كنت رئيساً للوزراء، لم يكن هناك أدنى شك سواء في عهد الرئيس كلينتون أو الرئيس بوش من كان الشخص الذي يهاتفه الرئيس الأميركي أولاً. إنه رئيس الوزراء البريطاني حتماً. اليوم نحن خارج أوروبا، فهل يرفع جو بايدن الهاتف ليتصل بريشي سوناك أولاً؟ أشك في ذلك”.

وكتب جورج دبليو بوش في مذكراته: “لم يشعر أحد بالصدمة والغضب أكثر مني لأننا لم نعثر على أسلحة الدمار الشامل. ينتابني شعور سيئ في كل مرة أفكر بالأمر، وما زلت كذلك”.

وقبل شهرين، أثناء حديث في المكتبة الرئاسية في دالاس بشأن الحرب في أوكرانيا، قال الرئيس الأميركي السابق: “إن غياب الضوابط والتوازنات أدى إلى اتخاذ قرار من قبل شخص واحد لإطلاق غزو غير مبرر عنيف على العراق، عفواً، أعني أوكرانيا“.

لم يكن ذلك اعترافاً بكل ما للكلمة من معنى: لكنه أخبر الأشخاص الذين عرفوا أن غزو العراق كان مبنياً على كذبة بكل ما احتاجوا إلى معرفته.

اندبندت عربي