يعد ملف تهريب النفط من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة العراقية، إذ يصفها مختصون اقتصاديون بأنها من الجرائم الاقتصادية الخطيرة والتي تهدد السياسة الاقتصادية لبلاد الرافدين وانها أشبه بثقب في جدار الاقتصاد الوطني.
وتعلن السلطات العراقية بين الحين والآخر القبض على عشرات المهربين، إذ كشف جهاز الأمن الوطني، أمس الأحد، عن الكميات المضبوطة من تهريب النفط في ديالى، مبيناً أنها وصلت إلى مليوني لتر.
وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وصف في وقت سابق، عمليات تهريب النفط بأنها من “أحد أبرز وأهم الملفات وأخطرها”.
وقال جهاز الأمن الوطني إنه “نفذ عملية درع بغداد التي أسفرت عن الإطاحة بخلية إرهابية مكونة من 6 عناصر في قضاء الطارمية من بينهم المجهز العام للأسلحة والمتفجرات”.
والخلية التي أطيح بها، وفقاً للأمن الوطني كانت مسؤولة عن عمليات إرهابية عدة في القضاء وتقديم الدعم اللوجستي إلى باقي أفراد عصابات “داعش” ومهاجمة القوات الأمنية العراقية، وتفجير المحال التجارية وبحيرات الأسماك، كما نقلت كميات من المواد المتفجرة إلى منطقة شمالي بغداد، وجهزت مجموعات “داعش” بقذائف “هاون” و”آر بي جي” ونواظير ليلة.
أما في ديالى، فأكد جهاز الأمن الوطني أن “عدد جرائم القتل والخطف خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة بلغ 8 حوادث وتم التعرف على الجناة والقبض على أغلبهم، مع اعتقال 105 متهمين بتهريب المشتقات النفطية في المحافظة، بينهم ضباط وعناصر أمنية”، مبيناً أن “كميات المشتقات النفطية المهربة المضبوطة في ديالى تصل إلى مليوني لتر”.
ثقب في جدار الاقتصاد الوطني
ورأى الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أن “تهريب المشتقات النفطية من الجرائم الاقتصادية الخطيرة والتي تهدد السياسة الاقتصادية للبلد، وتوصف جريمة التهريب بأنها أشبه بثقب في جدار الاقتصاد الوطني”.
وعزا رعد ذلك إلى “أن البلد يعتمد على هذه المشتقات في مشاريع التنمية الاقتصادية فهي المحرك لأغلب الآلات ووسائط النقل الإنتاجية وبالتالي فإن تهريب هذه المشتقات يؤدي إلى تضرر السياسة الاقتصادية وخسائر يتحملها المال العام مباشرةً”.
وأوضح رعد أن “للتهريب آثار اقتصادية سلبية على البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث إن قيام مهربي المشتقات النفطية بغسل الأموال غير المشروعة التي يحصلون عليها من خلال إدخالها في الدورة الاقتصادية المحلية يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. كما أن ظاهرة التهريب تودي إلى زيادة استيراد هذه المشتقات لتغطية الحاجة المحلية الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الموازنة العامة للبلاد”.
من جهة أخرى، شرح أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن “مشكلة تهريب النفط في العراق قديمة ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من فرض السيطرة بشكل كامل على منافذ التهريب، وفي الآونة الأخيرة تزايدت عمليات التهريب ولم تقتصر فقط على النفط الخام بل توسعت لتشمل ايضاً المشتقات النفطية، فمنذ بداية عام 2022، حينما بدأت الأسعار النفطية العالمية بالارتفاع، ارتفعت أسعار الوقود في مناطق إقليم كردستان التي تتبنى سياسة بيع منتجات نفطية مغايرة عن المركز في بغداد، وتتبع سياسة السوق الحر بالنسبة إلى المستوردين والبائعين. كذلك ارتفعت أسعار المحروقات في الدول المجاورة كسورية، ولبنان، والأردن، فبات فرق سعر الوقود حافزاً لكثير من المهربين”، مبيناً أنه “من طبيعي جداً أن عمليات التهريب هذه قد ذهبت باتجاه إقليم كردستان لتعويض الطلب على الاستهلاك، إذ بلغت أسعار الوقود المباع في الإقليم، 1500 دينار للتر الواحد من البنزين، في حين ظل الفارق واسعاً بسعر البيع الثابت في بقية المحافظات، بـ 450 ديناراً للبنزين”. وأضاف السعدي أن، “فروقات الأسعار دفعت الطامعين لتكوين شبكات لتهريب المنتجات النفطية، وعلى رأسها مادتي البنزين وزيت الغاز، باتجاه المحافظات الشمالية في إقليم كردستان”.
وعبّر السعدي عن اعتقاده بأنه “هناك تواطؤاً أمنياً مسانداً لشبكات التهريب في البلاد، وخاصة في ديالى حيث لا يمكن مرور هذا الكم الكبير من شاحنات نقل وقود يومياً، من خلال الطرق البرية الرسمية من الجنوب إلى الشمال بتلك السهولة والمرونة، من دون وجود من يسهل تلك العمليات”. وزاد أنه، “وفقاً للإحصائيات الرسمية فإن العراق يستورد ما يقارب 15 مليون لتر من البنزين يومياً، ثم يعيد طرحها للاستهلاك المحلي، فيما تسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية بارتفاع أسعار التوريد للبنزين المحسَّن الذي تستورده وزارة النفط، وبالتالي أدت عمليات البيع بالأسعار الثابتة إلى خسائر مادية كبيرة”. ولفت إلى أنه، “حتى الآن لا توجد إحصائيات رسمية تؤكد حجم كميات النفط التي تهربها هذه المجموعات لكن هناك تقديرات تقول إن مقدار النفط المهرب يصل إلى نحو عشرة آلاف برميل يومياً”.
وبشأن تأثير عمليات التهريب، يعتقد السعدي أنها “تبقى محدوداً مع حجم كميات التصدير من النفط العراقي التي تجاوزت 3.5 ملايين برميل يومياً، لكن المشكلة في الكمية وإنما هذه الأعمال تعكس حجم الفساد في العراق، الذي نتج عنه عزوف الشركات الأجنبية عن دخول البلد، في حين فرضت الشركات الدولية العاملة في البلاد أرباحاً كبيرة لما يترتب على حالات الفساد من عمولات ورشاوى زادت من كلفة الإنتاج بشكل كبير”.
اندبندت عربي