أزمة وجودية لإيران في جنوب القوقاز

أزمة وجودية لإيران في جنوب القوقاز

تهدد التوترات بين أذربيجان وأرمينيا بزعزعة استقرار جنوب القوقاز، مما يعزز القلق من سيناريو انزلاق إيران إلى صراع إقليمي أوسع في نهاية المطاف. فهل إيران مستعدة حقا لغزو جارتها ذات الأغلبية الشيعية لحماية أرمينيا، أم أن التحركات العسكرية الأخيرة تبقى مجرد صخب؟

ويتهم القادة في دولة أذربيجان الغنية بالطاقة إيران بحشد القوات بالقرب من ناختشيفان عبر حدودها الشمالية الغربية بينما يواصل الجيش الأذري الاستيلاء على أجزاء من إقليم ناغورني قره باغ المعترف به دوليا كجزء من أذربيجان رغم كونه تحت السيطرة الأرمينية لمدة ثلاثة عقود.

ولم تنف طهران هذه الاتهامات. حتى أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أعلن أن قواعده بالقرب من الحدود الأرمينية – الأذرية أصبحت في حالة تأهب قصوى لاحتمال وقوع هجوم.

الوضع الحالي في جنوب القوقاز لا يزال تحت السيطرة رغم الارتفاع الأخير في منسوب التوتر، وتبقى حسابات إيران إستراتيجية أكثر من كونها تكتيكية حتى الآن على الأقل

وأثارت تحركات الجيش الأذري اللوجستية الكثيفة مخاوف في إيران من ارتفاع احتمال شنّ عملية ضد أرمينيا. وزار قائد الحرس الثوري الإيراني العميد محمد باكبور المنطقة في 24 مارس الجاري.

وتفيد تقارير بتلقي قوات الحرس الثوري الإيراني أوامر بالاستعداد الكامل للقتال في مقاطعات شرق وغرب أذربيجان، حيث يشكل الأذريون الإثنيّون غالبية السكان.

لكن الوضع الحالي في جنوب القوقاز لا يزال تحت السيطرة رغم الارتفاع الأخير في منسوب التوتر، وتبقى حسابات إيران إستراتيجية أكثر من كونها تكتيكية حتى الآن على الأقل.

وتعتمد أذربيجان نزاع ناغورني قره باغ للضغط على أرمينيا بهدف بناء قسمها من ممر ناختشيفان البري الذي يربط أذربيجان بناختشيفان عبر محافظة سيونيك في جنوب أرمينيا.

وسيعزل الممر إيران عن أرمينيا إذا تقرر بناؤه بموجب شروط باكو، وهو الأمر الذي قال ممثل مدينة تبريز الإيرانية علي رضا مونادي إن طهران “لن تسمح به”، حتى أن نائب الرئيس الإيراني السابق للشؤون البرلمانية محمد رضا ميرتاجوديني دعا طهران إلى ضم ناختشيفان ردا على ذلك.

وكان الحرس الثوري الإيراني صريحا أكثر؛ فقد نشر على قنواته الرسمية تهديدات مفتوحة لرئيس أذربيجان إلهام علييف حول “تحرّكاته العدائية ضد أرمينيا”. وتبدو إيران مصممة على منع هجوم أذري محتمل على جنوب أرمينيا، وليس واضحا المدى الذي قد تبلغه لتجنب مثل هذا السيناريو.

ويبقى سبب قلق إيران بسيطا، حيث ستعرّض سيطرة أذربيجان على جنوب أرمينيا مواقع طهران في جنوب القوقاز للخطر، وتشكل تهديدا وجوديا للجمهورية الإسلامية نفسها.

وستكون إيران في الشمال محاطة كليا بالدول التركية، وتخشى أن تسمح أذربيجان في نهاية المطاف لإسرائيل باستخدام أراضيها لشن هجمات عليها. وتعمل أذربيجان بالفعل على تقوية علاقاتها العسكرية والاستخباراتية مع إسرائيل التي تبقى عدو إيران اللدود.

وإذا تجاهلت طهران التعاون الأذري – الإسرائيلي فسيمكن تفسير هذه الخطوة بأنها علامة ضعف. ولهذا السبب من المتوقع أن تستمر طهران في استعراض عضلاتها العسكرية في المنطقة حتى تؤكّد أن في تهديد وحدة أراضي أرمينيا تجاوزا للخط الأحمر بالنسبة إليها.

وقد يكون التوقيت في صالح إيران، حيث وقع الحادث الكبير الوحيد مؤخرا في ناغورني قره باغ مع اتخاذ القوات الأذرية “تدابير عاجلة” لمنع بناء طريق لتجاوز ممر لاتشين الذي يبقى الخط الوحيد الذي يربط أرمينيا بناغورني قره باغ.

يتعيّن على صانعي السياسة في طهران التفكير مرتين قبل اتخاذ أيّ خطوة في جنوب القوقاز. ويبقى تجنب المواجهة المباشرة ممكنا إذا كان النهج المعتمد هادئا ومدروسا

وتبدو الدبلوماسية في الحاضر هي المسار المطلوب. واستدعت وزارة الخارجية الأذرية في 11 مارس الجاري السفير الإيراني في باكو للاحتجاج على وجود طائرة حربية إيرانية فوق المنطقة المتنازع عليها.

وفي وقت سابق من هذا العام أغلقت أذربيجان سفارتها في طهران وأجلت الموظفين وعائلاتهم بعد أن هاجم مسلح البعثة الدبلوماسية، مما أدى إلى مقتل قائد الأمن وإصابة حارسين. وتبقى العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين متوترة، ويزيد الجانبان من تأجيج الوضع بين الحين والآخر.

ويتلخص السؤال الآن في ما إذا كانت الدبلوماسية وحدها كافية لسحب جميع الأطراف من حافة الهاوية؟ ودرست أذربيجان إشراك الأذريين الإثنيين الذين يعيشون في إيران ليكونوا أداة ضد طهران.

وأكد الرئيس علييف في نوفمبر العام الماضي أن أذربيجان “ستبذل قصارى جهدها لحماية حقوق الأذربيين الذين يعيشون في الخارج وحرياتهم وأمنهم، بمن في ذلك الذين يعيشون في إيران”. وكان بيانه رسالة مباشرة إلى إيران لإظهار أن باكو تتمتع بنفوذ كبير فيها وعليها.

ويمكن أن تستخدم إيران من جانبها العامل الشيعي كورقة رابحة ضد أذربيجان. لكن النتائج قد تكون عكسية، حيث كثيرا ما تعتقل باكو أعضاء الجماعات الشيعية التي يُزعم أنها تخطط لشن عمليات تخريب تحت غطاء الدين.

وإذا قررت إيران رفع المخاطر ومهاجمة أذربيجان التي تدعمها إسرائيل لأي ذريعة، فإنها تخاطر بمواجهة مفتوحة مع دولة ستدعمها تركيا المنتمية إلى الناتو إضافة إلى إسرائيل. ويتعيّن على صانعي السياسة في طهران التفكير مرتين قبل اتخاذ أيّ خطوة في جنوب القوقاز. ويبقى تجنب المواجهة المباشرة ممكنا إذا كان النهج المعتمد هادئا ومدروسا.

العرب