السنوات الأخيرة، بدأ عدد متزايد من منظمات حقوق الإنسان العالمية في وصف سيطرة الدولة الإسرائيلية على الفلسطينيين بأنها شكل من أشكال الفصل العنصري (الأبارتيد) -في تشابه مع نظام جنوب إفريقيا كان الفلسطينيون أنفسهم يؤكدونه منذ عقود.
وكانت ردة الفعل السياسية شرسة، حتى عندما قدمت تلك التقارير -الصادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، و”العيادة الدولية لحقوق الإنسان” التابعة لكلية الحقوق بجامعة هارفارد، ومنظمة ”بتسيلم” التي تتخذ من إسرائيل مقرًا لها- تحليلاً قانونيًا دقيقًا ليشرح استنتاجاتها، واستندت إلى تعريف قانوني راسخ لجريمة الفصل العنصري على النحو المحدد في العديد من القوانين الدولية.
* *
في الأيام التي يصفو فيها الجو، يمكنك أن تتعقب التلال المتدحرجة المحيطة بمدينة يطا الفلسطينية على طول الطريق المؤدي إلى البحر الميت من جهة، وصحراء النقب من الجهة الأخرى.
وتصنع المناظر الطبيعية التي تكنسها الريح مشاهد شاعرية، تتناوب عليها مجموعات من أشجار الزيتون مع صفوف ضيقة من الأراضي المزروعة، وبقع الشجيرات، وأغنام الرعي في بعض الأحيان.
كما أن هذه تشكل أيضًا نقطة مراقبة فريدة لرؤية واقع الفصل العنصري الإسرائيلي بينما يحكم قبضته على الأرض.
مسافر يطا، مجموعة القرى الصغيرة التي تعشش في التلال الرعوية المحيطة بيطا، هي واحدة من مناطق عدة في الضفة الغربية المحتلة أجبرت الدولة الإسرائيلية سكانها الفلسطينيين على الخروج منذ عقود واستبدلتهم بمستوطنين إسرائيليين. والهدف، كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح بعد عودته إلى السلطة العام الماضي، هو منح الدولة سيطرة مطلقة ونهائية على ما أسماه “جميع مناطق أرض إسرائيل” -بما في ذلك الأراضي التي كان من المتوقع، على نطاق واسع، أن تشكل ذات يوم أراضي الدولة الفلسطينية.
استخدمت الحكومة الإسرائيلية مجموعة من الذرائع القانونية والسياسية من أجل توسيع هيمنتها على الضفة الغربية، وبشكل خاص من خلال تقديم الدعم لأكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي انتقلوا إلى هناك بشكل غير قانوني.
ومنذ أن تولى ائتلاف يميني متطرف جديد زمام السلطة، ما تزال تعكر صفو إسرائيل احتجاجات حاشدة وصلت ذروتها في نهاية نيسان (أبريل)، حيث خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع لمعارضة خطط نتنياهو -الذي يناضل حاليًا مع تهم بالفساد- للحد بشدة من استقلال القضاء في البلاد.
لكن هذه الأزمة السياسية لا تعني الكثير بالنسبة للفلسطينيين، بمن فيهم نحو 1.6 مليون شخص يحملون الجنسية الإسرائيلية، والذين لطالما اعتبروا المحاكم الإسرائيلية متواطئة في قمعهم، ورأوا النظام القانوني الذي يُسارع الكثير من الإسرائيليين الآن إلى الدفاع عنه كعامل تمكين لنظام الهيمنة العنصرية المفروض عليهم.
في مقال افتتاحي لصحيفة “هآرتس”، كتب جورج بشارات وجميل دكور: “يعرف الفلسطينيون أن إسرائيل كانت دائمًا ديمقراطية فقط لمواطنيها اليهود، ولم تكن كذلك لنا أبدًا.
ما نشهده اليوم هو صراع يهودي إسرائيلي داخلي حول مَن سيدير نظام الفصل العنصري الممارَس على الفلسطينيين، وليس كفاحًا حقيقيًا من أجل الديمقراطية للجميع”.
على سبيل المثال، لم يخرج أكثر من عدد قليل من الإسرائيليين إلى الشوارع في شهر أيار (مايو) الماضي، عندما وضعت أعلى محكمة في إسرائيل حدًا لمعركة قانونية استمرت عقودًا، حيث كان السكان الفلسطينيون في عشرات المجتمعات في مسافر يطا يكافحون من أجل البقاء على أراضيهم -داخل ما أعلنته إسرائيل من جانب واحد “منطقة إطلاق نار”.
وجاءت تلك الإجراءات في أعقاب إعلان إسرائيل في الثمانيات قسمًا كبيرًا من مسافر يطا منطقة عسكرية مخصصة للجيش من أجل التدريب.
ومنذ ذلك الحين، واجه الفلسطينيون الذين يعيشون هناك عمليات الطرد القسري، والهدم المتكرر للمنازل، وتصاعد عنف المستوطنين، ومجموعة من التدابير القسرية الأخرى التي تسعى إلى طردهم من الأرض -كل ذلك في الوقت الذي توسعت فيه المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية حولهم من دون أي عواقب.
وفي شهر أيار (مايو) الماضي، انتهت معركتهم القانونية عندما قضت المحكمة نفسها التي يقاتل مئات الآلاف من الإسرائيليين الآن للحفاظ على شرعيتها، وبشكل قاطع بأنها لا توجد “حواجز قانونية” أمام الطرد المخطط له للفلسطينيين من “منطقة إطلاق النار”.
وتتكون المحكمة -وهي المحكمة العليا في إسرائيل، لكنها تخدم كمحكمة عدل عليا عند البت في مسائل سلطة الدولة، كما هو الحال مع قضية مسافر يطا- من 15 قاضيًا. وهي هدف لنتنياهو الذي يريد تغيير طريقة اختيار القضاة، وكذلك تغيير القوانين التي يمكن للمحكمة أن تحكم على أساسها، إضافة إلى منح الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سلطة إلغاء قراراتها.
وقد أقر الحكم الصادر عن هذه المحكمة في أيار (مايو) الماضي، وهو الحكم الأخير في قضية مسافر يطا، بشكل أساسي عملية الترحيل القسري للفلسطينيين من “منطقة إطلاق النار” -حتى مع أن النقل القسري للسكان الخاضعين للاحتلال يعد شكلاً من أشكال التطهير العرقي، وبموجب معايير القانون الدولي، جريمة حرب.
قانون وظيفي
جلب الحكم في قضية مسافر يطا اهتمامًا دوليًا متجددًا إلى هذا الجيب في جنوب الضفة الغربية المحتلة، وأثار إدانة واسعة النطاق للأعمال الإسرائيلية.
لكنه كثف أيضًا الجهود المشتركة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون لإجبار ما يقرب من 1.200 فلسطيني ما يزالون يقيمون في “منطقة إطلاق النار” على المغادرة.
وقد أصبحت مضايقة السكان المحليين شأنًا يوميًا، بينما تتزايد الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون عليهم. وبالنسبة للفلسطينيين الذين عاشوا بالفعل في طي النسيان وعدم اليقين لثلاثة عقود، فإن قرار المحكمة يعني أنهم قد يواجهون الآن الترحيل القسري في أي يوم من الأيام- حتى بينما يشير مراقبو حقوق الإنسان إلى أن الجهود المبذولة لطردهم يغلب أن تكون أقل مباشرة وأكثر مكرًا حتى لا تثير المزيد من الإدانة العالمية.
خلال زيارة قام بها مؤخرًا إلى “منطقة إطلاق النار”، قال درور سادوت، المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم”: “لا نعتقد أننا سنرى أناسًا يوضعون في شاحنات ويتم نقلهم -على الرغم من أن ذلك قد يحدث فعلًا- بسبب المشهديات التي قد يشكلها ذلك”، مشيرًا إلى أن السلطات الإسرائيلية أجبرت الناس على ركوب الشاحنات في محاولة سابقة لإخلاء المنطقة في العام 1999.
“بدلاً من ذلك، فإن ما نراه بالفعل، وما نعتقد أننا سنراه أكثر، هو الجهود التي تُبذل لجعل حياتهم مستحيلة. ثمة عمليات الهدم، ونقاط التفتيش ومصادرة السيارات. إنهم يعزلون هذه المجتمعات حقًا ويحاولون بشكل أساسي فعل كل ما في وسعهم لإجبارها على المغادرة”.
وكتب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موقع “ذي إنترسيبت”، أنه “بقرار المحكمة العليا الذي صدر في 4 أيار (مايو) 2022، صادقت المحكمة على موقف الدولة الذي قرر أنه في وقت إعلان المنطقة كمنطقة مغلقة، كانت المنطقة غير مأهولة” -حتى على الرغم من أن عشرات العائلات كانت تعيش في المنطقة في ذلك الوقت.
وأضاف المتحدث: ”في الأشهر الأخيرة، تم إجراء حوار مع الفلسطينيين في المنطقة، من أجل تمكينهم من مغادرة المنطقة المغلقة بطريقة متفق عليها ومستقلة. لمنطقة التدريب هذه أهمية كبيرة لتدريب أفراد الأمن، بما في ذلك التدريبات باستخدام الذخيرة الحية، والتي لا يمكن تنفيذها بشكل فعال مع وجود مدنيين في المنطقة”.
في السنوات الأخيرة، شرع عدد متزايد من منظمات حقوق الإنسان العالمية في وصف سيطرة الدولة الإسرائيلية على الفلسطينيين بأنها شكل من أشكال الفصل العنصري (أبارتيد) -في توازٍ مع نظام جنوب إفريقيا الذي كان الفلسطينيون أنفسهم يؤكدون عليه منذ عقود.
وكانت ردة الفعل السياسية شرسة، حتى عندما قدَّمت تلك التقارير -الصادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، ولكن أيضاً عن ”العيادة الدولية لحقوق الإنسان” التابعة لكلية الحقوق بجامعة هارفارد، ومنظمة ”بتسيلم” التي تتخذ من إسرائيل مقرًا لها- تحليلاً قانونيًا دقيقًا يشرح استنتاجاتها، واستندت إلى تعريف قانوني راسخ لجريمة الفصل العنصري على النحو المحدد في العديد من القوانين الدولية.
وبعد أن تُركوا بلا أي ملاذ آخر، نقَل الفلسطينيون محنتهم باطراد إلى المجتمع الدولي وآليات العدالة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية. وتشمل شكواهم جريمة الفصل العنصري التي تقع في إطار الجرائم ضد الإنسانية التي للمحكمة ولاية قضائية عليها، والتي فتحت في العام 2021 تحقيقًا في الوضع في فلسطين.
حتى الآن، كان أولئك الذين يسعون إلى الدفاع عن سلوك إسرائيل قد فعلوا ذلك إلى حد كبير من خلال الإشارة إلى طابعها الديمقراطي، بما في ذلك نزاهة واستقلال قضائها، حتى في الوقت الذي يجادل فيه الفلسطينيون منذ فترة طويلة بأن إسرائيل ليست ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بهم.
وأشار ربيع اغباريّة، وهو محام في مجال حقوق الإنسان ومرشح لنيل درجة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، الذي أجرى أبحاثًا في السياسات القانونية المتعلقة بالأراضي في إسرائيل والضفة الغربية، إلى أن الدولة الإسرائيلية أتقنت استخدام القانون كأداة للسيطرة على الفلسطينيين، وتغليف أفعالها بغطاء من الشرعية.
وغالبًا ما يتم إخفاء نزع الملكية بحيث تبدو مسألة بيروقراطية تتعلق بإنفاذ القانون، حيث يعلن المسؤولون الإسرائيليون أن المنازل المصادرة غير قانونية ويخضعونها لأوامر الهدم، ويصنفون الأراضي على أنها خاضعة لقيود معينة، ويصدرون أوامر الإخلاء.
أخبرني اغباريّة بأن “هناك بالتأكيد ثقافة التقنين المفرط والقانون الوظيفي”، مشيرًا على سبيل المثال إلى التمييز القانوني الذي تُقيمه إسرائيل بين المستوطنات والبؤر الاستيطانية -حتى عندما تعاملهما في الغالب على حد سواء، وحتى مع أن كليهما غير قانوني بموجب القانون الدولي.
وأضاف اغبارية: “إن التمييز الكامل بين البؤر الاستيطانية والمستوطنات التي يفترض أنها قانونية هو أمر سخيف.
لكن جزءًا من قوة إضفاء الشرعية باستخدام القانون هو محاولة إبراز هذه الواجهة من سيادة القانون، وواجهة الدولة الديمقراطية المفترضة، التي تمارس ما يسمى بالعنف المحسوب، والتي لديها ضوابط وتوازنات. إن القانون يعمل كأداة، بل كتكنولوجيا، لإضفاء الشرعية على الفظائع، وعقلنتها، وجعلها أكثر قبولاً”.
أشار العديد من الفلسطينيين إلى أن الاحتجاجات الجارية في تل أبيب هي محاولة للحفاظ على النظام الذي مكَّن نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي بدلاً من تحدي هذا النظام.
وقال إغبارية: “الآن كل هؤلاء الليبراليين يجوبون الشوارع غاضبين لأن استقلال القضاء يفترض أنه يتعرض للخطر. وهذا منطقي تمامًا: لأن إسرائيل تحاول الحفاظ على القانون واستخدامه في خدمتها”.
وقد تجلى ذلك بوضوح كبير في نهاية نيسان (أبريل) في تل أبيب، عندما سارعت الشرطة الإسرائيلية والمحتجون، وسط بحر من المتظاهرين الذين يلوحون بالأعلام الإسرائيلية، إلى التصدي لرجل وحيد يلوح بالعلم الفلسطيني -الذي حظرته إسرائيل.
منطقة إطلاق النار
بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في منطقة إطلاق النار في مسافر يطا، فاقم قرار المحكمة الإسرائيلية الذي منح التفويض بترحيلهم القسري حالة عدم اليقين والخوف التي هيمنت على حياتهم لأجيال.
ويعيش ناصر نواجحة، وهو منظم مجتمعي وباحث ميداني في منظمة “بتسيلم”، مع عائلته في خربة سوسيا المكونة من مجموعة من المنازل وبساتين الخضراوات الخضراء بالقرب من منطقة إطلاق النار، منذ العام 1980، عندما قامت السلطات الإسرائيلية بطرد عائلات القرية قسرًا من منازلها الأصلية في سوسيا التي أعلنتها إسرائيل موقعًا أثريًا، على بعد بضع مئات من الأمتار.
ومنذ ذلك الحين يعيش سكان خربة سوسيا من دون اتصال بشبكات المياه والكهرباء. وعندما تقدموا رسميًا بطلب للوصول إلى البنية التحتية، قيل لهم: “لا، أنتم غير قانونيين”، كما أخبرني نواجحة، حتى مع أنه تم ربط البؤر الاستيطانية الإسرائيلية القريبة بسرعة بالبنية التحتية.
وقال نواجحة: “إنها في نهاية المطاف مجرد سياسة لجعل حياة الفلسطينيين بائسة بكل أنواع الطرق؛ مناطق إطلاق النار، وإعلان المباني غير قانونية، وتسمية الأرض ’أراضي دولة‘. كل الطرق تؤدي إلى جعل حياة الفلسطينيين بائسة”.
لسنوات، اعتمد سكان المنطقة على إبداع وتضامن المنظمات غير الحكومية والنشطاء الذين زودوهم بشبكة صغيرة من الألواح الشمسية وخزانات المياه التي يصادرها الجيش بانتظام ويقوم بتخريبها المستوطنون.
كما يدمر المستوطنون بانتظام أشجار الزيتون، ويشعلون النار في الحقول، ويقتلعون الخضراوات من البساتين، ويدمرون الممتلكات الفلسطينية.
وفي خربة سوسيا، أشار نواجحة إلى نصب حجري اقتلعه المستوطنون، كان قد أقيم تكريمًا لطفل فلسطيني أُحرق حتى الموت مع عائلته في هجوم للمستوطنين في العام 2015.
وعلى مقربة من القرية، ذبلت رقعة من أشجار الزيتون وجفت بسبب السم. ودعت لافتات مكتوبة باللغة العبرية الناس إلى إبلاغ الشرطة الإسرائيلية عن نشطاء السلام الدوليين.
ووصف نواجحة مزيجًا من المضايقات اليومية، والهجمات التي تزداد عنفًا، وسيلًا لا نهاية له على ما يبدو من الأساليب الجديدة التي يبتكرها المستوطنون، تحت مراقبة الجيش، للاستيلاء على مساحات أكبر من الأراضي الفلسطينية.
وقال إن المستوطنين يقومون في بعض الأحيان بإطلاق طائرات من دون طيار فوق قطعان أغنام الفلسطينيين لإخافتها وإخراجها عن مسارها. وفي كثير من الأحيان، يرسلون أغنامهم وماشيتهم لرعي المحاصيل الفلسطينية.
وهناك ممارسة جديدة تترسخ في المنطقة، يقوم بموجبها مستوطن مسلح وحيد بإنشاء “بؤرة أمامية رعوية” على قمة تل، ويجلب حيوانات للرعي في الأراضي التي تحتها -وهي طريقة أسرع وأكثر فعالية للاستيلاء على قطعة أرض وتأكيد الحق في امتلاكها من إنشاء مجتمع سكني بأكمله.
وفي حين تتكون البؤر الاستيطانية السكنية في كثير من الأحيان من عدد قليل من الكرفانات المتنقلة والمساكن المؤقتة المقامة كيفما اتفق، لا تتطلب البؤرة الرعوية سوى بعض الأدوات، وحيوانات وشخص واحد يستطيع باستخدام هذا التكتيك أن يغير السيطرة على الأرض بشكل كبير.
وقال نواجحة: “يكفي إقامة شيء من هذا القبيل لتطهير الكثير من الأراضي التي يملكها الفلسطينيون من أصحابها”، مشيرًا إلى أن معظم المزارعين الفلسطينيين سيتخلون عن محاولة الوصول إلى تلك الأرض خوفًا من التعرض للهجوم.
أثناء زيارتي لتلال جنوب الخليل، استخدم أحد هؤلاء المستوطنين، وهو شاب يقف بمفرده على قمة تل يشرف على أراضي المحاصيل الفلسطينية، منظارًا لمشاهدتي أنا ونواجحة واثنين من مراقبي حقوق الإنسان الإسرائيليين عن بُعد.
ثم اقترب منا ليسأل عن الغرض من زيارتنا. وبعد لحظات توقفت سيارة تابعة لـ”الإدارة المدنية” في الجوار: في تذكير هادئ بأننا نتواجد في منطقة إطلاق النار، حيث يمكن للجيش أن يختار مصادرة سيارتنا في أي وقت.
وقال روي يلين، مدير التواصل مع الجمهور في منظمة “بتسيلم” الذي كان مع المجموعة في ذلك اليوم: “لا تنخدعوا بعبارة ’الإدارة المدنية‘، إنها جزء من الجيش المسؤول عن إدارة الجوانب المدنية لحياة الفلسطينيين -لكنها والجيش شيء واحد”.
ويشدد الفلسطينيون ومراقبو حقوق الإنسان على أنه في حين أن الجيش موجود في كل مكان في منطقة إطلاق النار، إلا أنه ليس موجودًا هناك لحماية الأراضي أو الأرواح الفلسطينية: إنه موجود لحماية المستوطنين أو التزام موقف المتفرج عندما يهاجمون الفلسطينيين.
في خربة سوسيا قبل عامين، صوَّر السكان الفلسطينيون مجموعة من المستوطنين البالغين وهم يلعبون بألعاب الأطفال في ملعب القرية بينما كان الجنود يراقبون من دون تدخل.
(كتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في إشارة إلى حادثة الملعب أن “الفيديو الذي نشر على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمثل سوى بداية المواجهة، ولا يصور بقية الحادث الذي تم فيه إخراج المستوطنين من مكان الملعب في غضون دقائق”).
يقف الجيش بشكل عام متفرجًا ولا يفعل أي شيء يُذكر بينما ينخرط المستوطنون في أعمال العنف، لكنَّ هذا العنف يكون في بعض الأحيان مفرطًا جدًا حتى بالنسبة للجنود.
وفي طوبا، وهي قرية فلسطينية داخل منطقة إطلاق النار بالقرب من بؤرة ماعون الأمامية، أصبحت هجمات المستوطنين على الأطفال الفلسطينيين متكررة وعنيفة لدرجة أن الجيش أصبح يرافق الأطفال في طريقهم إلى المدرسة والعودة منها إلى بيوتهم.
ولاحظ سادوت من “بتسيلم”: “إنهم لا يفعلون أي شيء للمستوطنين، وإنما يرافقون الأطفال فقط”.
وأضاف: “هذا هو السبب في أننا عندما نتحدث عن عنف المستوطنين، فإننا نتحدث عن عنف الدولة، لأنه لا يمكنك فصلهما. سيقول الكثير من الناس إن هؤلاء المستوطنين هم عدد قليل من التفاحات الفاسدة، أو شيئًا من هذا القبيل.
ولكن أولاً وقبل كل شيء، يُسمح لهم بالعيش هناك على الرغم من إعلان المكان بؤرة استيطانية غير قانونية، ويحصلون على خدمات الكهرباء والمياه، ويحميهم الجيش، ولا يتم توجيه الاتهام إلى أي واحد منهم عندما يكونون عنيفين. لديهم دعم الدولة وكلهم يذهبون إلى الهدف نفسه: الاستيلاء على الأرض من الفلسطينيين”. (يُتبع)
*أليس سبيري
الغد