تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجي للصين بشكل ملحوظ -بما في ذلك 15% عام 2022- خلال الأربع سنوات الأخيرة، كما انخفض الاستثمار الصيني في أوروبا، التي كانت في السابق وجهة مفضلة بسبب قدرتها التصنيعية ذات القيمة المضافة العالية.
ولطالما كان الاستثمار الأجنبي الأداة الرئيسية لنفوذ الصين وهو مهم لصحة اقتصادها، وقد سجل الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجي الصيني نموا مطردا من 10 مليارات دولار في 2005 إلى أكثر من 170 مليارا بحلول عام 2017، مدفوعا بسياسة “الخروج” لعام 2001 ثم مبادرة الحزام والطريق لعام 2013.
ويقول تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (nationalinterest) الأميركية، يبدو أن حلم الصين العالمي وقوتها الاقتصادية وجاذبيتها السياسية ومكانتها الدولية كلها تتبدد، إذ تكشف العديد من المؤشرات الرئيسية أن الصراع الملحمي مع الولايات المتحدة و”الغرب” جعل الصين أضعف من أي وقت مضى خلال السنوات العشر الماضية.
ويضيف التقرير أن شركاء الصين مثل ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي عززوا آليات فحص الاستثمار مع عرقلة عمليات الاستحواذ الصينية الرئيسية. في المقابل، تراجع الاستثمار الأوروبي في الصين بشكل ملحوظ بعد عام 2018 قبل أن يسجل انتعاشا العام الماضي.
ولكن تظهر أرقام مجموعة “روديوم” للأبحاث أن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين أصبح مركزا لدرجة أن نحو 90% من الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في الصين مصدره 4 بلدان فقط.
وانخفضت مساهمة الاستثمار الأوروبي -الذي كان يمثل 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2018- إلى 2.8% بعد 3 أعوام.
من جهة أخرى، سجل تضخم أسعار المستهلكين في الصين أدنى مستوياته في 18 شهرا عند 0.7% على أساس سنوي، وتسارعت وتيرة انخفاض أسعار المصانع في مارس/آذار مع استمرار ضعف الطلب، الأمر الذي يبرر لصانعي السياسات اتخاذ مزيد من الخطوات لدعم التعافي الاقتصادي المتفاوت.
كما سجل اليوان الصيني أقل مستوى في أكثر من أسبوع أمام الدولار صباح اليوم الثلاثاء عند 0.15 دولار، إذ كثف المستثمرون رهاناتهم على احتمال خفض أسعار الفائدة المحلية.
ما بدائل الصين؟
تمثل الولايات المتحدة -حسب التقرير- التحدي الأكثر خطورة لنفوذ الصين الاقتصادي، ذلك أن التعريفات الجمركية والقيود المتزايدة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لا تزال سارية في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، وأصبح نطاق مراجعات الاستثمارات الأجنبية أوسع وكذلك السياسات التي تمنع بيع السلع عالية التقنية إلى الصين.
ولا يقتصر ذلك على الولايات المتحدة فقط بل يشمل أيضا الشركات المتمركزة في بلدان أخرى التي تحتوي منتجاتها على مكونات أميركية. فضلا عن ذلك، ضاعفت واشنطن جهودها لحظر كل من “هواوي” و”تيك توك” إلى جانب المصادقة على قانون لدعم الإنتاج المحلي للسلع عالية التقنية وتوجيه الاستثمارات إلى حلفاء وشركاء موثوقين للولايات المتحدة.
وتوجد لدى الصين بدائل أخرى خاصة في آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى، حيث تدعي أنها تقدم نموذجا للتنمية البديلة، ولكن في هذا السياق أيضا فقد الوجود الصيني زخمه، فقد انخفضت الاستثمارات السنوية في الدول التي تندرج ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي كانت ذات يوم الأداة الرئيسية لبسط النفوذ الصيني، إلى أقل من النصف مقارنة بما كانت عليه قبل 5 أعوام خاصة في الدول التي تعاني من مشاكل ديون خطيرة.
وتبين كذلك أن النموذج الصيني كان في بعض الدول مضرا أكثر من كونه مفيدا، حيث تراجع تأييد الصين بشكل حاد في جميع أنحاء العالم، وهو أمر فاقمه “الاستبداد الرقمي” الصيني خلال جائحة كورونا وسياسة الإغلاق الصارمة وغير الناجحة، ودعم الحرب الروسية على أوكرانيا.
أما في أوروبا، التي تعتبر أقل عدوانية من الولايات المتحدة، فإن الصين على وشك مقايضة علاقاتها التي كانت ذات يوم مزدهرة مع الاقتصادات الأكثر تقدما في العالم بالنفط الرخيص.
ولعل التطور الأكثر إزعاجا بالنسبة للصين هو المقارنة المطروحة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بين الإجراءات الروسية في أوكرانيا والإجراءات الصينية المحتملة ضد تايوان.
مع ذلك، ليست جميع الأخبار سيئة بالنسبة للصين، إذ شهدت التجارة الخارجية ارتفاعا، بما في ذلك مع شريكها الأول الولايات المتحدة، وقد قلبت بكين الموازين بتسهيل اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتحسين علاقاتها مع هندوراس، وتتالي زيارات القادة الأوروبيين إلى بكين.
لكن اضطراب الوضع الدولي بشكل عام لن يكون مشجعا للرئيس شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني الذي عليه التعامل مع تباطؤ النمو على الصعيد المحلي، والتداعيات الكارثية لسياسة “صفر كوفيد”، وتقدم معدل أعمار السكان.
المصدر : رويترز + ناشونال إنترست