ألقى صندوق النقد الدولي الكرة في ملعب تونس بشأن التوصل إلى اتفاق نهائي يتم من خلاله الإفراج عن القرض الذي تم الإعلان عنه في اتفاق مبدئي جرى بينهما، ما يضع السلطة السياسية في تونس أمام مسؤولياتها، وسط قراءات تتحدث على أن الخيار الأكثر واقعية هو ذاك الذي اقترحته إيطاليا في وقت سابق.
تونس – أبدى صندوق النقد الدولي انفتاحا على التوصل إلى اتفاق مع تونس، مؤكدا أنه لم يفرض أي “إملاءات” على السلطات التونسية، في موقف يعيد من خلاله الكرة إلى تونس لحسم موقفها بشأن المضي قدما في التوصل إلى توافق معه بشأن الاتفاق المبدئي الذي جرى تم قبل أشهر.
وقال الصندوق إنه لم يتلق أي مطالب بشأن إعادة النظر في البرنامج الإصلاحي المطروح، وهو ما يضع السلطة السياسية في تونس أمام مسؤولياتها، خصوصا وأن الرئيس قيس سعيد سبق وأن انتقد بعض الشروط التي تضمنها البرنامج، ومنها مسألة رفع الدعم.
وتوصلت الحكومة التونسية إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد في سبتمبر الماضي بشأن قرض يناهز 1.9 مليار دولار، في مقابل الالتزام ببرنامج إصلاحي يفرض على تونس رفع الدعم عن المواد الأساسية، والقيام بإصلاحات هيكلية للمؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات مالية مزمنة، إلى جانب خفض كتلة الأجور التي شهدت خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حالة تضخم بسبب الانتدابات العشوائية والمفرطة.
وواجه هذا الاتفاق معارضة شديدة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة عمالية في البلاد، وأيضا تحفظات من قبل الرئيس التونسي، ما اضطر الصندوق إلى إرجاء اجتماع مجلس إدارته في ديسمبر بهدف منحها المزيد من الوقت للانتهاء منه. ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) عن جهاد أزعور المسؤول في صندوق النقد الدولي قوله إن الصندوق لم يتلق مطلبا من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج إصلاحاتها الاقتصادية.
وقال أزعور وهو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي في مؤتمر صحافي الخميس بواشنطن، حيث يعقد صندوق النقد والبنك الدولي اجتماعات الربيع، إن “الصندوق لم يفرض أي إملاءات”.
وكان الرئيس التونسي قد أبدى رفضه الواضح حتى الآن لشروط خطة الإنقاذ المتعطلة عندما قال الأسبوع الماضي إنه لن يقبل “الإملاءات” وأشار إلى أن خفض الدعم قد يؤدي إلى اضطرابات، معيدا التذكير بالاحتجاجات التي شهدتها البلاد في ثمانينات القرن الماضي والتي تعرف بـ”انتفاضة الخبز”. وقال أزعور “لم يرد على الصندوق مطلب من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج الإصلاح الذي أعده التونسيون”.
ويرى مراقبون أن إشارة مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد على أنها لم تتسلم أي طلب بشأن إعادة النظر في البرنامج، هي رسالة ضمنية إلى السلطة السياسية في تونس بأنه بإمكانها التوجه إليه بهذه الخطوة، وأنه منفتح على أي حلول مقبولة.
وكانت إيطاليا التي تطالب بضرورة صرف الصندوق القرض لتونس، قد تقدمت باقتراح في وقت سابق يقضي ببدء منح تونس شريحتين من القرض بدون شروط في مقابل التزام البلاد بتعهداتها.
وترى روما التي يختتم وزير الخارجية التونسي زيارة إليها أن الاقتصاد التونسي بات يشكل مشكلة حقيقية وأن هناك مخاوف حقيقية من تدهور قد يؤدي إلى تفجير الأوضاع وهو ما سينعكس عليها وعلى أوروبا بشكل مباشر، لاسيما على مستوى مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ودون قرض، تواجه تونس أزمة كاملة في ميزان المدفوعات. ومعظم الديون داخلية لكن هناك مدفوعات قروض خارجية مستحقة في وقت لاحق من العام، وقالت وكالات التصنيف الائتماني إن البلاد قد تتخلف عن السداد.
◙ تبني تونس للمقترح الإيطالي يفترض توفر الإرادة السياسية اللازمة من الرئيس سعيد والبدء في رفع الدعم والقيام بإصلاحات
ويرى أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن موقف صندوق النقد الدولي الأخير يعكس رغبة لديه في منح تونس القرض “لكنه لم يعد بإمكانه الثقة في أي طرف والملف التونسي متوارث منذ حكومة حمادي الجبالي (ديسمبر 2011)”. وأردف الشكندالي في تصريحات لـ”العرب” أن “الصندوق عندما يفاوض يجمع الخطط والرؤى ثم يتدخل لتقديم الحلول، وبالتالي، الحكومة التونسية تعرف ماذا يريد الصندوق”.
وبخصوص إمكانية تبني تونس للمقترح الإيطالي قال أستاذ الاقتصاد التونسي إن “إيطاليا تفكر بنوايا أمنية وهي تسعى لضمان ذهاب تونس إلى الإصلاحات، كما تريد أن تقول إنها بإمكانها منح القسط الأول من القرض لتونس مقابل تكفل الصندوق بالبقية، وكل هذه الجهود من أجل الحد من ظاهرة الهجرة وانعكاساتها”.
واعتبر الشكندالي أن “تبني تونس للمقترح الإيطالي يفترض توفر الإرادة السياسية اللازمة من الرئيس سعيد والبدء في رفع الدعم والقيام بإصلاحات، لكن المقترح ستفسده التصريحات التي قدمها الرئيس الأسبوع الماضي”.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني الخميس، إن بلاده تريد من صندوق النقد الدولي البدء في صرف قرض لتونس من دون شروط. وأوضح خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التونسي نبيل عمار في روما أن “مقترحنا هو البدء بتمويل تونس من خلال صندوق النقد الدولي ثم دفع شريحة ثانية، بعد الشريحة الأولى، مع تقدم الإصلاحات”. وشدد تاياني على أن الشريحتين يجب ألا تكونا “مشروطتين بالكامل باختتام مسار الإصلاحات”، مضيفا “أكد لي الوزير أن الإصلاحات ستستمر”.
العرب