هل ينهي الرئيس التونسي أزمة الفوسفات ويفكك أسباب التعطيل

هل ينهي الرئيس التونسي أزمة الفوسفات ويفكك أسباب التعطيل

تونس- حض الرئيس التونسي قيس سعيّد على ضرورة تنشيط قطاع إنتاج الفوسفات، معتبرا أن من شأن ذلك تمكين اقتصاد بلاده من التعافي دون اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن قيس سعيد يفتح ملفا معقدا تتداخل فيه عناصر مختلفة أعاقدت استفادة تونس من ثروة ضائعة كانت ستجنبها الوصول إلى الأزمة الخانقة التي تعيشها، متسائلين عما إذا كان بمقدوره تفكيك العناصر المعقدة التي تحيط بهذا الملف.

وقال الرئيس سعيّد خلال إشرافه على مجلس الأمن القومي في مقطع فيديو نشرته الرئاسة ليل الأربعاء – الخميس إن تنشيط إنتاج الفوسفات في منطقة “الحوض المنجمي” بمحافظة قفصة (وسط البلاد الغربي) “يمكن أن يمثل جزءا كبيرا من ميزانية الدولة حتى لا نقترض من الخارج وتتعافى الدولة التونسية والاقتصاد”.

واعتبر الرئيس التونسي أن تراجع عجلة الإنتاج في هذا القطاع الحيوي “وضع غير مقبول خاصة وأن نوعية الفوسفات من أفضل ما يوجد في العالم، ويجب إيجاد حلّ سريع”.

ويرى المراقبون أن عودة نشاط الفوسفات بشكل نهائي وبطاقة قصوى تحتاج إلى تفكيك الكثير من العناصر المحيطة به، من بينها أن الإضرابات والاعتصامات وعمليات التعطيل التي حدثت منذ 2011 تأتي كردّ فعل على موقف الدولة التي كانت تنقل الفوسفات دون الاستثمار في مناطق استخراجه بشكل يحد من نسب البطالة المرتفعة في المنطقة، وهو ما قاد إلى أحداث الحوض المنجمي في 2008.

واستثمرت دوائر فساد محلية في أزمة البطالة وحاجة المنطقة إلى توظيف أبنائها لإغراق شركة فوسفات قفصة بانتدابات عشوائية تقدّر بالآلاف من العاملين غير المتخصصين وغير القادرين على تطوير المؤسسة.

وطال الفساد مواصفات عربات النقل التي تم شراؤها؛ إذ اكتشفت الشركة أن هذه العربات لا تستجيب لحاجياتها. كما أن هناك تضاربا في المصالح لمستوردين صاروا يعتمدون على الأسمدة الجزائرية ويعرقلون الإنتاج التونسي.

وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي إن “النقطة المهمة هي الإطار (مجلس الأمن القومي) الذي تناول ضمنه الرئيس الملف، في إشارة إلى أن المشاكل المتعلقة بهذه الأزمة أمنية أكثر من كونها مهنية”.

وأضاف الجودي، في تصريح لـ”العرب”، “توجد شبهات فساد تتعلق بالملف، أبرزها أن شركة فوسفات قفصة كانت تشغل تسعة آلاف عامل واليوم يوجد فيها أكثر من 27 ألف عامل، فضلا عن وجود مستفيدين وأشخاص يتحكمون في أسواق النقل والإنتاج أمام ضعف الدولة التي يجب أن تسترجع هيبتها وقوتها”.

واقترح الجودي “تخصيص ما بين 20 إلى 30 في المئة من العائدات واستثمارها في تلك المناطق كحلول اجتماعية، وتقديم خدمات وتمويل مشاريع تنموية لشباب الجهة، فضلا عن تحسين وضعيات المؤسسات الصغرى والمتوسطة، مع استرجاع وتيرة الإنتاج، وهذا كله مرتبط بتوفّر الإرادة السياسية الحقيقية”.

وعجزت شركة فوسفات قفصة، المتخصصة في استخراج هذه المادة وتحويلها وتصديرها، عن بلوغ مستويات الإنتاج التي كانت تحققها قبل 2011 والتي ناهزت 8.2 مليون طن عام 2010، ولم تتجاوز كمية الإنتاج منذ ذلك التاريخ إلى حدود 2022 أربعة ملايين طن.

وقال وزير التشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن إن “القرارات جاءت متأخرة نوعا ما، وهذا أفضل من عدم وجودها”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “شركة فوسفات قفصة أُغرقت بالانتدابات العشوائية وشبهات الفساد، وبالتالي لا بدّ من إعادة حوكمة القطاع، كما أن الرواتب المرصودة تخلق مناخا غير مشجع وهي رواتب خيالية دون توفّر الكفاءة”.

وتابع ” هناك حلول تقنية، وقفصة محافظة منجمية وزراعية، ولا بد من إعادة قنوات التواصل مع مكونات المجتمع المدني والمنظمات وتنظيم حوار تشاركي حول الملف واقتراح برنامج عمل واضح”.

ويجري نقل الإنتاج من الحوض المنجمي في قفصة إلى المجمع الكيميائي بجهة قابس عبر عربات القطار، وبسبب احتجاجات العاطلين عن العمل واعتصاماتهم كثيرا ما يتوقف نقل الفوسفات مددا تبلغ في بعض الأحيان أشهرا.

وتواجه شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة -وهي أكبر مشغل في هذه المحافظة- ضغوطا اجتماعية لتوظيف المزيد من العاطلين عن العمل بينما تعاني الشركة من استنزاف مالي.

وأدى هذا الوضع إلى تكبد الدولة خسائر مالية فادحة ودفعها أيضا -في سابقة- إلى استيراد هذه المادة من الجزائر في عام 2020 لأنها تستخدم كسماد أساسي في الزراعة.

وعلّل قيس سعيّد تراجع عمليات الإنتاج بالفساد وقال “تم استجلاب جملة من العربات ثم قيل إنها ليست ملائمة للسكة الحديدية” التي تنقل الفوسفات المستخرج إلى الموانئ لتصديره.

وأضاف الرئيس “يجب وضع حد لهذا الإرث وهذه الوضعية التي لا يمكن أن تتواصل”.

ووصف الفوسفات “بالتبر في التراب في حين أن الدولة تشكو وضعا ماليا صعبا”، داعيا إلى إنتاج حوالي عشرة ملايين طن سنويا.

وتعد تونس أحد أبرز منتجي ومصدري مادة الفوسفات في العالم، وحتى عام 2010 كان الإنتاج في حدود ثمانية ملايين طن سنويا لكن بعد الثورة تهاوى الإنتاج منذ 2011 ليصل إلى ما بين مليون طن وثلاثة ملايين طن سنويا في أفضل الحالات.

العرب