احدث الاتفاق السعودي الايراني العديد من التطورات على الساحة الدولية والإقليمية ومنها التحالفات بين الدول والقرب من مناطق النفوذ الأمريكي وإيجاد صيغ من التعامل الجدي في إقرار المعاهدات والاتفاقيات في جميع المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية ومحاولة إيجاد قواعد ارتكازية إستراتيجية لمواجهة أي إخطار تتعارض وأهداف ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيهات إدارتها الحالية بعد الأحداث التي جرت في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
جاء الاتفاق ليؤكد الدور العالمي للصين ويقر بالنفوذ السياسي الذي تمكنت فيه القيادة الصينية من أن تجمع الرياض وطهران بعد سنوات عديدة من الاختلاف والصراع والابتعاد وقطع العلاقات الدبلوماسية وحالة الافتراق عن قيام علاقات مشتركة بين الطرفين.
كانت للصين أهداف ميدانية سعت إليها وهي إثبات وجودها في منطقة نفوذ مهمة ذات أبعاد اقتصادية إستراتيجية تتعلق بالطاقة وحماية الأمن الإقليمي ولتجعل منها دعامة لتوسيع دائرة استثماراتها المالية وبناء قواعد رئيسية للنمو الاقتصادي والتبادل التجاري وانجاح المساعي الصينية لدعم مبادرتها الخاصة بالحزم والطريق وهو مشروع دولي اقتصادي صيني مهم يهدف لربط الصين بقارتي أوروبا وأفريقيا وأجزاء من قارة آسيا من خلال العديد من شبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ والبنى التحتية، وهي عوامل تساعد الصين على امتلاك النفوذ الاقتصادي والدعامة السياسية والسعي لتوحيد علاقتها الدبلوماسية مع دول العالم ضمن رؤية ميدانية تتعلق بطموحات الرئيس الصيني (شي جين بينغ) بعد المؤتمر الشيوعي الصيني في 22تشرين الأول 2022 الذي أقر تعزيز دور الصين في إقامة نظام عالمي يعتمد أسس التعاون والمنفعة الاقتصادية المتبادلة .
امام هذه الرؤية الإستراتيجية الصينية والتي اعتمدت على نواحي مهمة أساسها ما تمتلكه من عوامل تساهم في قيادة أي مرحلة من مراحل التعاون الدولي الثبات القدرة السياسية ودعمها بالامكانيات الاقتصادية في استثمار البنية التحتية في تحقيق ميزات واضاءات تنافسية في السوق العالمية وتطوير الصناعات والأعمال التجارية برؤية ووسائل جذابة تساهم في تعزيز الدور الصيني المتنامي في أماكن ومساحات كان للولايات المتحدة الأمريكية دورا فاعلا فيها ، وهذا ما تحقق من خلال الدور السياسي الضامن للاتفاق السعودي الايراني الذي أخذ ابعاده أيضا على الجوانب المهمة للأمن القومي الإيراني بعد أن زادت طهران من فاعلية علاقتها الإستراتيجية مع بكين وموسكو عبر توقيع العديد كن المعاهدات والاتفاقيات التجارية والعسكرية والأمنية وتبادل المعلومات وزيادة التنسيق الأمني والاستخباري ، وكان من أبرزها هي تزويد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية بعيدة المدى والتي كانت لها فعالياتها الميدانية في النزاع الروسي _الأوكراني وهو ما اغضب واشنطن والحلفاء الأوربيين وأصبحت إيران تعاني من عقوبات اقتصادية جديدة وحظر على عدد من كياناتها السياسية والعسكرية ورجالات الدولة فيها ، ولكن الطموح الإيراني ذهب بعيدا في توظيف العلاقة المتميزة مع روسيا والصين بعد أن ساهم الاتفاق مع الرياض في السعي لتصفير الخلافات والمشاكل في منطقة الخليج العربي واللقاءات التي بدأت تكتمل بين المسؤولين السعوديين والايرانيين في مجالات فتح السفارات والقنصليات والنقل والسياحة والتجارة. تسعى إيران لتعزيز دورها الإقليمي وحماية أمنها القومي الوطني بالحصول على معدات وأسلحة وأنظمة دفاع جوي وطائرات حديثة مقاتلة روسية بعد فترة طويلة من عدم تحديث منظومتها العسكرية ووسائلها الدفاعية بسبب العقوبات الأمريكية، فهي تعمل على ابرام اتفاقية للحصول على طائرات مقاتلة نوع (سو_35) والتي أعلنت عنها مؤخرا وهي طائرات متطورة من الجيل الخامس ودعمها بمنظمومات دفاعية (أس_400) وعدد من الغواصات البحرية وتساهم في تعزيز دور أي أن في مضيق هرمز والبحر العربي .
يبقى الأساس في الاتفاق السعودي الايراني ان يساهم في وقف التدخلات الإقليمية الإيرانية في عواصم الاقطار العربية والقبول بعودة الحوار حول البرنامح النووي بقراءة جديدة لمبادرات أوربية ومقترحات أمريكية لكي تبعد حالة النفور الأمريكي من تداعيات الاتفاق بين الرياض وطهران والالتزام بمقررات وتوجيهات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والابتعاد عن سياسة التعتيم والمواجهة التي يعتمدها النظام الإيراني في علاقته مع مفتشي الوكالة وازالة التخوف من انطلاق مراحل قادمة لسياسة التسلح في المنطقة العربية ومنح آفاق جديدة لإنهاء هذا الملف برعاية صينية ضامنة وتدخل دولي قد يكون روسيا لكي يحسب نجاحه على نتائج الاتفاق السعودي الايراني .
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية