تجري تحركات على مستويات عدة لاحتواء التباينات التي تضخمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة بين أقطاب إدارة الدولة في العراق، وطالت شظاياها العلاقة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن استقبال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ومن ثم اجتماعه برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، يندرج في إطار تحركات لتذليل الخلافات بين أقطاب ائتلاف “إدارة الدولة”، والتي بلغت مستوى خطيرا خلال الفترة الماضية.
وترى الأوساط نفسها أن التحالف الحاكم في العراق يدرك أن استمرار التباينات بين أقطابه والتنافس الجاري بين عدد منهم لن يقود سوى إلى تفككه، وهذا ما سيشكل ضررا كبيرا على العملية السياسية القائمة، كما أنه يمثل جائزة للخصوم السياسيين، وفي مقدمتهم التيار الصدري.
وتلفت الأوساط نفسها إلى أن ذهاب السوداني إلى المالكي لا يخلو من استرضاء، بعد أن خرجت الخلافات بينهما إلى العلن، لافتة إلى دور لعبه كل من تيار الحكمة وتحالف الفتح لإقناع رئيس الوزراء بهذه الخطوة، ذلك أن اتساع الهوة بين الجانبين سيؤثر حتما على الحكومة.
وتتوقع الأوساط أن يقود اللقاء إلى تفكيك عقد الموازنة العامة، والتعديلات الوزارية التي يصر عليها السوداني، في المقابل تلقى تحفظات من المالكي، لاسيما وأنها تمس وزراء مقربين منه. وأكد رئيس الوزراء العراقي عقب اجتماعه بزعيم ائتلاف دولة القانون على أهمية الإسراع بإقرار مشروع قانون الموازنة العامة.
وقال بيان لمكتب السوداني إن الأخير “التقى المالكي وتناول اللقاء أبرز التطورات في الشأن السياسي، والعمل الحكومي المستمر في تنفيذ المفردات الأساسية، التي تضمنها المنهاج الحكومي، وسبل تطبيقها، والتأكيد على الإسراع بإقرار قانون الموازنة العامة؛ ليتسنى للحكومة تنفيذ خططها التنموية والخدمية التي تصبّ في صالح المواطنين”.
وشدَّد رئيس الوزراء على أهمية تضافر جهود جميع القوى السياسية؛ من أجل إسناد الحكومة في عملها التنفيذي، الذي تستهدف من خلاله توفير الخدمات الأساسية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
من جانبه أكد المالكي خلال اللقاء بحسب بيان لمكتبه، على “أهمية توحيد الجهود من أجل تجاوز التحديات والصعوبات والحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية والأمني، والإسراع في إقرار الموازنة الاتحادية وتحقيق تطلعات الشعب العراقي وتلبية مطالبه العاجلة”.
ويرى مراقبون أن الفتور الذي طبع مؤخرا العلاقة بين السوداني والمالكي، وكلاهما ينتمي إلى حزب الدعوة، يتجاوز مجرد تباين في وجهات النظر أو المواقف حيال سبل تدبير الشأن الحكومي، إلى وجود نوع من المنافسة بين الرجلين.
ويشير المراقبون إلى أن السوداني أظهر منذ توليه رئاسة الحكومة في أكتوبر الماضي نزعة استقلالية عن رئيس الوزراء الأسبق، الذي يعد صاحب اليد الطولى في الإطار التنسيقي، والذي كان الداعم لتوليه المنصب الوزاري.
ويوضح هؤلاء أن المسار الذي يتبعه السوداني يثير قلق المالكي، لاسيما وأن الأول أظهر خلال الأشهر الأخيرة قدرة لافتة على التعاطي مع التحديات الماثلة سواء كان في الداخل، أو في علاقة بالخارج.
وظهرت الخلافات بين الجانبين على السطح عندما أبدى المالكي خلال مقابلة تلفزيونية قبل أيام، اعتراضه على التعديل الوزاري المرتقب في حكومة السوداني، مؤكدا عدم معرفته بنية رئيس الوزراء إجراء استبدال أي من أعضاء الحكومة بعد عطلة عيد الفطر.رئيس الوزراء
وردا على ذلك، قال السوداني إن “التعديل الوزاري حق دستوري لرئيس الحكومة وليس بمزاج القيادي أو الزعيم السياسي هذا أو ذاك”، مؤكدا أنه مصرّ على التغيير وسيطرح أسماء الوزراء على البرلمان في الوقت المناسب.
وكان السوداني منح في ديسمبر الماضي مهلة للوزراء بستة أشهر لتقييم أدائهم، ومنح المحافظين والمدراء العامين وباقي الموظفين الكبار في الدولة مهلة ثلاثة أشهر.
وقد كشفت تسريبات أن السوداني يعتزم إقالة نحو عشرة وزراء بينهم من يحظى بدعم المالكي وهو الأمر الذي استفز الأخير على ما يبدو.
ويقول متابعون إن توجه السوداني إلى المالكي كان تحت تأثير ضغط من مكونات الإطار التنسيقي، ولاسيما من زعيم تحالف الفتح هادي العامري، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، في ظل إدراك الطرفين أن اتساع الهوة بينهما من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على وضع الإطار، وهذا ما يجب تجنبه، لاسيما وأن هناك قوى سياسية تنتظر أي هزة داخل التحالف الشيعي الموالي لإيران.
وكشف القيادي في تحالف الفتح علي الفتلاوي الخميس، عن تغييرات ستكون على ثلاثة مستويات في مؤسسات الدولة بضمنها الفريق الوزاري نهاية مايو الحالي.
وقال الفتلاوي في تصريحات صحفية “لم تعلن الأسماء التي سيجري تغييرها من قبل حكومة السوداني حتى اللحظة، ولكن كل تغيير سيأتي بعد التثبت من وجود إخفاق في أداء المهام سواء على مستوى الوزارات أو مؤسساتها في المحافظات”.
وأوضح أن “الحكومة هي المعنية بإعلان الأسماء ولا يحق لأي جهة أخرى إعلان أي قائمة للتغييرات”. وأشار الفتلاوي إلى أن “التغييرات ستشمل الدرجات الخاصة والكابينة الوزارية والمحافظين وستعلن بشكل رسمي نهاية مايو الجاري أي عند انتهاء مهلة الـ6 أشهر التي وعد بها رئيس مجلس الوزراء”. وأكد أن “إجراء تغييرات سيتم وفق مبدأ التقييم الشامل لكل مفاصل الدولة ووفق إطار شفاف”.
◙ الفتور الذي طبع العلاقة بين السوداني والمالكي، وكلاهما ينتمي إلى حزب الدعوة، يتجاوز مجرد تباين في وجهات النظر
يذكر أن المالكي كان أوفد الاثنين الماضي ممثلين عنه خلال اجتماع لقادة ائتلاف إدارة الدولة عقد في منزل رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر وحضره رئيس الوزراء، وبدا إرسال زعيم ائتلاف دولة القانون لمن ينوبه وعدم حضوره شخصيا للاجتماع رسالة تحفظ من قبله على مسلك السوداني.
وعقب اجتماعه برئيس الوزراء استقبل زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس مجلس النواب الذي تشهد العلاقة بينهما هي الأخرى توترا، لاسيما وأن الحلبوسي ينظر إلى الحراك السياسي السني ضده على أنه بفعل تحريض المالكي للإطاحة به من رئاسة البرلمان.
ويقول متابعون إن اللقاءات الجارية تستهدف بالواضح تصويب البوصلة السياسية لائتلاف إدارة الدولة، خصوصا وأن هذا التحالف سيكون على موعد مع انتخابات مهمة وهي مجالس المحافظات، والتي يراهن عليها الإطار التنسيقي لتكريس سيطرته على الدولة العراقية.
وقد بدأ الإطار التحضير لها بشكل مبكر لتفادي أي مفاجآت. وقال النائب عن كتائب عصائب أهل الحق علي تركي الخميس إن “القوى السياسية بدأت ومنذ إقرار التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية نهاية مارس الماضي، بالتحرك وعقد التحالفات لأجل التهيئة للمنافسة الديمقراطية للانتخابات المحلية”.
وأضاف في تصريح صحفي أن “القوى السياسية أعلنت بأنها ستنزل في قائمة واحدة تضم عددا من التكتلات والأحزاب، أما تحالف الفتح سوف ينزل بقائمة واحدة تضم بدر والعصائب وسند وقوى أخرى”.
وأشار تركي إلى أن “نزول الفتح بقائمة واحدة لا يعني أنه سيتخلى عن الإطار التنسيقي كونه ما زال متمسكا بالمكتسبات النموذجية”، مؤكدا أن “قوى الإطار التنسيقي ستبقى على تحالفها قبل وبعد الانتخابات المحلية”.
وكان مجلس النواب قد صوت على التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018 في السابع والعشرين من شهر مارس الماضي.
العرب