المواجهة مع “الجهاد الإسلامي” في غزة التي بدأت في حملة إحباط مبهرة جداً، قام بها الجيش الإسرائيلي فصفى ثلاثة من رؤوس الأفعى ممن انشغلوا بعمليات قتل لإسرائيليين وإسرائيليات، وصلت أمس إلى مرحلة اختبار المواجهة من النمط المعروف الذي يتضمن إطلاقاً مكثفاً للصواريخ. في ساعات المساء، بدا أن الطرفين يصلان إلى اتفاق لوقف النار، لكن حتى قبل ذلك كان واضحاً أن الهدف السياسي الاستراتيجي هو عزل حماس لمنع مواجهة واسعة، غير أنه حتى إذا ما تحقق وقف للنار، فالمعضلة طويلة السنين تتأكد: ثمة حاجة إلى بلورة استراتيجية تجاه إيران مع التشديد على غزة.
حماس مزيج من التنظيم الإرهابي الإجرامي والحركة الإسلامية المتطرفة التي تدعو إلى إبادة إسرائيل، وهي جزء من المحور الإيراني الآخذ في التعاظم. تقف إيران على رأس المحور، التي وصلت إلى حافة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عسكري يسمح بإنتاج سلاح نووي، وبالتوازي تعمل على تطوير واسع النطاق لسلاح بالستي – صواريخ، ومقذوفات صاروخية، وطائرات مسيرة، وصواريخ جوالة وغيرها. هذا المحور تحاول إيران توسيعه من خلال السيطرة على دول فاشلة، على رأسها لبنان – مع كيان “حزب الله ستان” الذي يحوز نحو 150 ألف صاروخ – وإلى جانبه العراق واليمن وسوريا أيضاً (التي حسب مصادر أجنبية، سلاح الجو يعمل بشكل فاعل ضد تحولها إلى ذراع إيراني). في هذه الفترة، تتمتع إيران أيضاً بخروج من العزلة الدولية وتقترب من دول عربية رائدة: سيصل سفير إيران إلى الرياض، بينما من غير المتوقع أن يحقق سفير إسرائيل إنجازاً كهذا. كما أن إيران تعقد حلفاً استراتيجياً مع روسيا وتعزز علاقاتها مع الصين.
في هذه الأثناء، تخيم على الخلفية في إسرائيل، دائماً، صدوع في علاقاتنا مع الولايات المتحدة، ومدماك مركزي في الأمن القومي الإسرائيلي، بالتوازي تلوح في الأفق أزمات اقتصادية، وتهديد على “أمة الحداثة”، فخر إبداع الشعب اليهودي على أجياله. قوة الجيش الإسرائيلي المبهرة – مثلما وجدت تعبيرها في الأيام الأخيرة – لا تزال محفوظة، لكن ثمة عنواناً على الحائط يلوح حول قوة إسرائيل الاقتصادية، حين يكون مهماً الإشارة إلى اتساع الشرخ الداخلي، إلى جانب التحديات في العلاقات مع واشنطن والتهديدات الاقتصادية. الاسم السري لكل هذه الإخفاقات هو الانقلاب النظامي – الذي يهدد بتحويل إسرائيل من ديمقراطية مزدهرة إلى ديكتاتورية فاشلة.
ينبغي أن تضاف إلى هذا الميول المقلقة المتعلقة بتعميق السيطرة الإسرائيلية على “يهودا والسامرة” في ظل إضعاف دراماتيكي للسلطة الفلسطينية، التي كانت على الأقل شريكاً في معالجة مسائل وتحديات أمنية. هذا خطأ استراتيجي؛ لأن إسرائيل ستنجر إلى احتلال كامل لـ”يهودا والسامرة”، الأمر الذي سيهدد طبيعتها كدولة يهودية. وإذا كانت الخطة ستتحقق لإضعاف الجهاز القضائي كسلطة مستقلة تضمن الطابع الديمقراطي لإسرائيل، فإن فستجد إسرائيل نفسها في مواجهة مع الساحة القضائية الدولية، مما سيهدد أيضاً قوات الأمن. المنظر المنعش لرئيس الوزراء نتنياهو، الذي يتجه إلى لقاءات تخطيط مع قادة جهاز الأمن، بدون الجهات السياسية التي تفشل إسرائيل، يعطي أملاً بأن فهماً يتسلل – وبخاصة إلى رئيس الوزراء – أنه لا بديل غير العودة للعمل ولقيادة قوى النور الإيجابية التي تشكل أساساً لوجود الدولة.
المطلوب حيال إيران قوة عسكرية وحكمة سياسية، وبدون العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة لن يكون ممكناً تحقيق الخيار العسكري على افتراض وجود خيار كهذا. في المقابل، المطلوب حيال حماس قرار استراتيجي ينشأ عن معالجة محور الشر الإيراني، وإلا فإننا قد نحقق هدوءاً لفترة معينة، لا أكثر. وإذا ما نجحت حماس في السيطرة على “يهودا والسامرة” فسيكون التهديد على إسرائيل حتمياً.
هذا هو وقت إعادة احتساب المسار العام للدولة – والخيار في يدي رئيس الوزراء.
القدس العربي