حرب أوكرانيا تكلف السلاح الروسي أكثر من خسائره في المعارك

حرب أوكرانيا تكلف السلاح الروسي أكثر من خسائره في المعارك

انهارت تجارة السلاح التي كانت تدر المليارات من الدولارات على روسيا، العام الماضي، بعدما سجلت انخفاضا إلى مستويات غير مسبوقة. وهذا الأمر يمكن احتسابه ضمن خسائر الحرب الروسية في أوكرانيا.

واشنطن – من المرجح أن يستمر تراجع هيمنة روسيا على سوق الأسلحة بسبب الحرب في أوكرانيا، مما يقوّض عنصرا رئيسيا في سياسة موسكو الخارجية ويخلق فرصا للدول الأخرى الراغبة في الاستحواذ على النصيب الروسي. وكان انخفاض صادرات الأسلحة الروسية على مر السنين ناتجا عن الحاجة إلى تعويض موسكو خسائرها في أوكرانيا، والشكوك حول أداء أسلحتها، وتراجع المبيعات للهند. وتشير الدلائل الأخيرة إلى أن هذا الاتجاه سيستمر.

ووضعت الهند والولايات المتحدة في 5 يونيو اللمسات الأخيرة على خارطة طريق تاريخية للتعاون في صناعة الدفاع للسنوات المقبلة بما يعزز حافز نيودلهي لتكثيف إنتاجها المحلي من الأسلحة، وبالتالي تقليل اعتمادها على الأسلحة الروسية.

جاء ذلك إثر تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام هذا العام والذي كشف أن حصة روسيا من مبيعات الأسلحة العالمية (من حيث عمليات التسليم الفعلية للأسلحة الرئيسية مقابل الصفقات المعلنة) انخفضت بعد أن سجّلت 22 في المئة خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017، وبلغت 16 في المئة بين2018 و2022.

ويرجع ذلك إلى تراجع صادرات الأسلحة إلى الهند (أكبر مشتر للأسلحة الروسية) بنسبة 37 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية. كما أفادت مجلة نيكاي آسيا في 5 يونيو بأن روسيا تعيد شراء المكونات التي شحنتها سابقا إلى الهند وشركاء رئيسيين آخرين مثل ميانمار، بدلا من الوفاء بشحنات الأسلحة الجديدة إلى تلك البلدان، حيث تحاول استبدال المعدات التي خسرتها في أوكرانيا.

روسيا تخسر حصتها في السوقين الصيني والهندي ومن المحتمل ألا تتمكن من استبدالها حتى بعد حرب أوكرانيا

وجد تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي نُشر في 13 مارس أن روسيا كانت ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة بين 2018 و2022، لكن الفجوة اتسعت بين موسكو وواشنطن.

وكانت روسيا منذ اندلاع حرب أوكرانيا تعتمد على الأسلحة من الشركاء القريبين للتغلب على عجزها في التسلح. وأرسلت بيلاروسيا على سبيل المثال أكثر من 100 ألف طن من الذخيرة إلى روسيا في السنة الأولى من الغزو. كما أصبحت القوات الروسية في أوكرانيا تعتمد بشكل متزايد على الطائرات الإيرانية دون طيار والذخائر المتسكعة، مما يسلط المزيد من الضوء على فشل صناعة الأسلحة الروسية في تلبية احتياجات الكرملين خلال حربه المستمرة.

وأشار مسؤولون عسكريون هنود في مارس إلى أنهم يتوقعون تأخيرات في تسليم الأسلحة الروسية، بما في ذلك أنظمة صواريخ إس – 400 تريومف وطائرات هليكوبتر نقل عسكرية من طراز ميل مي – 17 وفرقاطات خفية من طراز غريغوروفيتش وحتى بنادق هجومية من طراز كلاشينكوف.

وتتراجع روسيا كمصدر عالمي للأسلحة لحاجتها إلى تعويض خسائرها في أوكرانيا، إضافة إلى العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بالحرب وغير المرتبطة بها.

ووفقا لتحليل مفتوح المصدر أجراه موقع أوريكس الهولندي، فقدت روسيا ما يقدر بنحو 10600 قطعة من معداتها العسكرية، بما في ذلك أكثر من ألفي دبابة منذ انطلاق غزوها لأوكرانيا.

ومن المحتمل أن يكون نقص المعدات الحديثة سببا رئيسيا لعدم إعلان روسيا حتى الآن عن تعبئة أخرى واسعة النطاق رغم تهديد الرئيس فلاديمير بوتين بالقيام بذلك مؤخرا.

ولكن حاجة روسيا إلى استبدال المعدات المدمرة تبقى من بين العديد من العوامل التي من المحتمل أن تسهم في انخفاض حصة البلاد في سوق الأسلحة العالمية. فعلى سبيل المثال، أدى كفاح الجيش الروسي لهزيمة أوكرانيا (رغم تمتعه بميزة كبيرة في الحجم والقوة) إلى تغذية التصور بأن بعض المعدات والأنظمة التي تصنعها موسكو كانت ضعيفة الأداء في ساحة المعركة).

ومن المرجح أن يضر ذلك بالطلب على تلك المنتجات الروسية وحتى على الأنظمة ذات الأداء الجيد. لكن تراجع هيمنة روسيا كمنتج عالمي للأسلحة سبق قرار غزو أوكرانيا، ويرجع ذلك إلى انخفاض الطلب من الصين والهند، وهما أكبر مشتريين للأسلحة الروسية. وذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن انخفاض صادرات الأسلحة الروسية انطلق في 2019 بنسبة 20 في المئة تقريبا مقارنة بسنة 2011 التي كانت الأفضل بالنسبة إلى هذه الصناعة.

وكان السبب الأكبر لذلك هو جهود الهند والصين الطويلة لتقليل اعتماد جيوشهما على المعدات الأجنبية من خلال بناء صناعات دفاعية محلية أكثر قوة. ومن المرجح أن يستمر الاتجاه ويتسارع في العقود القادمة.

وتعني خسارة هذين السوقين الرئيسيين أن روسيا تخسر حصتها في السوق ومن المحتمل ألا تتمكن من استبدالها، حتى في ظل أفضل الظروف. وفرضت الولايات المتحدة في 2017 عقوبات مالية على أيّ دولة تعقد صفقة كبيرة مع مصنعي الأسلحة الروس بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، مما ساهم في انخفاض مبيعات الأسلحة الروسية خلال السنوات الأخيرة.

وفضّلت روسيا إنتاج نسخ حديثة من دبابات تي – 90 القديمة ونشرها عوضا عن اعتماد دباباتها القتالية الجديدة تي – 14 أرماتا. ويشير هذا إلى شكوك موسكو في قدرتها على إنتاج كميات كبيرة من الدبابات الجديدة، وكذلك حول فعالية دبابة تي – 14 أرماتا وأدائها في أوكرانيا، مما قد يثير قلق مشتري الأسلحة.

وتلقت الهند وحدها حوالي 35 في المئة من شحنات الأسلحة الروسية إلى الخارج خلال العقد الماضي. لكن البلاد تسعى في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى خفض الواردات الروسية وزيادة الإنتاج المحلي.

و يقال إن صربيا، وهي داعم روسي قوي ومشتر كبير لأسلحتها، تجري محادثات مع شركة داسو الفرنسية لتصنيع الطائرات بشأن استبدال أسطولها الروسي، حيث أن صيانته صعبة ومكلفة بسبب العقوبات الأميركية.

تأثير جيوسياسي

يؤثر تراجع صادرات الأسلحة الروسية على إستراتيجية موسكو الجيوسياسية ويضر بسياستها الخارجية. ومكنت مبيعات الأسلحة روسيا منذ فترة طويلة من تطوير علاقات وثيقة بين الجيش والحكومات في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. وتعتبر البلدان في هذه المناطق ذات أهمية خاصة في جهود روسيا لتعزيز الدعم لحربها في أوكرانيا لدى الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، إضافة إلى دعم جهود بوتين العالمية لبناء تحالفات من الدول المعارضة للنفوذ الغربي.

ويمكن أن تكون علاقات روسيا مع البلدان الأفريقية وأميركا اللاتينية وآسيا نقاط انطلاق للصفقات التجارية، وخاصة في مجال الطاقة. وتعد مبيعات الأسلحة مصدرا حاسما للأموال في موسكو، وتزداد أهميتها في الوقت الذي تعاني فيه الدولة الخاضعة لعقوبات شديدة من عجز لتمويل حربها في أوكرانيا.

وستسعى موسكو لذلك إلى مواجهة تداعيات انخفاض مبيعاتها من الأسلحة من خلال عدم الإعلان عن تأخير شحنات الأسلحة، وعدم التعليق أو التقليل من أهمية التقارير التي تسلط الضوء على معاناة صناعة الدفاع، بما يترك المشترين الأجانب أمام خياري قبول التأخير بصمت أو اتخاذ قرار بتقليص التعاون مع موسكو.

روسيا فقدت ما يقدر بنحو 10600 قطعة من معداتها العسكرية، بما في ذلك أكثر من ألفي دبابة منذ انطلاق غزوها لأوكرانيا

ومن المرجح أن تحاول موسكو في إطار سعيها لتنويع قاعدة العملاء، إقامة علاقات جديدة مع دول تتوافق مع رؤيتها الجيوسياسية مثل المملكة العربية السعودية، التي أعربت عن اهتمامها المتزايد بالأسلحة الروسية منذ الغزو الأوكراني وواجهت مشاكل سياسية لاعتمادها السابق على الأسلحة الأميركية.

وحضر ممثلو شركات تصنيع الأسلحة الروسية الخاضعة للعقوبات أول حدث تجاري من نوعه في المملكة العربية السعودية، في 29 و30 مايو الماضي. كما تدرس وزارة الاستثمار السعودية إمكانية فتح مكتب في موسكو. ولا تزال دول أخرى في المنطقة مهتمة بالأسلحة الروسية.

ويقال إن روسيا تدرس فرصا جديدة لـ”التعاون العسكري التقني”(المصطلح الروسي لمبيعات الأسلحة) مع دول جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.

ومن المرجح أن تظل روسيا مُصدِّرا مهما للأسلحة حتى إذا استمر انكماش حصتها في السوق العالمية خلال السنوات والعقود القادمة، وذلك لعدة أسباب.

ومن المرجح أن ينمو إنتاج روسيا من الأسلحة في السنوات المقبلة وسط ضرورة توسيع الإنتاج لحرب أوكرانيا والضغوط السياسية المرتبطة بها على المسؤولين الروس.

وحدد الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يتولى منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي والمسؤول عن الإنتاج العسكري، أرقاما كبيرة من المحتمل أن تكون مبالغا فيها فيما يتعلق بمدى زيادة البلاد لإنتاجها العسكري.

وادعى بوتين في 13 يونيو أن الإنتاج العسكري لأنظمة الأسلحة الرئيسية الروسية ارتفع 2.7 مرة، و10 مرات بالنسبة إلى الأسلحة التي تشتد الحاجة إليها، رغم أنه اعترف أيضا بنقص الطائرات دون طيار والدبابات.

وتعني الحاجة إلى تعويض الخسائر في أوكرانيا أن وضع سوق تصدير الأسلحة الروسية لن يصبح طبيعيا لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات على الأقل حتى بحساب الحد الأعلى لتقديرات الإنتاج العسكري الروسي.

وسيعتمد الأمر على العقوبات الغربية وسرعة تأقلم الصناعة الروسية وبرامج استبدال الواردات الذي غالبا ما يعتمد على التدفقات غير المتوقعة للمكونات غير المشروعة وسرقة التكنولوجيا.

وستتأقلم صناعة الأسلحة الروسية، تماما مثل صناعاتها المدنية، في النهاية مع القيود المفروضة على وصولها إلى الأصول الرئيسية واستعداد المشترين الأجانب للتعاون مع الكيانات الخاضعة للعقوبات وإيجاد طرق للتغلب عليها. وتواجه روسيا حاليا تحديات كبيرة في الحصول على المكونات الرئيسية (وخاصة الإلكترونيات المهمة) لإنتاج الدفاع. لكن من المرجح أن تجد بمرور الوقت طرقا جديدة لتجنب العقوبات الغربية، بما في ذلك ببساطة إقناع المصدرين الصينيين بتوفير ما تحتاجه.

ومن المرجح أن تنخفض حدة الحرب الأوكرانية في السنوات المقبلة، مما سيمكن موسكو من البدء في إعادة تعويض خسائرها في أوكرانيا مع حفاظها على تدفق الصادرات.

وسيخلق تراجع روسيا كمصدر للأسلحة فرصا للدول الأخرى (بما في ذلك الصين ومنتجي الأسلحة الغربيين) للاستيلاء على حصتها في السوق وتعزيز الربح على المديين المتوسط والطويل.

ويبدو كبار منتجي الأسلحة (بما في ذلك الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية) الأكثر استعدادا للاستفادة من انخفاض مبيعات روسيا على المدى القريب.

وسيكون مدى قدرة هذه الدول على حيازة أجزاء من حصة روسيا في السوق أمرا حاسما في تحديد قدرة موسكو المستقبلية على استعادة بعض هيمنتها كمصدّر عالمي للأسلحة.

ومن المرجح أن تكون الصين الأكثر استفادة لأنها تختلف عن منتجي الأسلحة الآخرين ولا تخصص نسبة كبيرة من ميزانيتها وقدرتها المستقبلية لصناعة الأسلحة للطلبات المرتبطة بحرب أوكرانيا.

العرب