أجّلت حكومة محمد شياع السوداني النظر في قانون العفو العام، في خطوة عدّها متابعون تمهيدا لإلغائه استجابة لضغوط من القوى الشيعية الموالية لإيران، والتي تبدي معارضة شديدة لإقراره على الرغم من أن هذا القانون سبق وأن تمت الإشارة إليه في الاتفاق السياسي الذي جرى التوصل إليه في الخريف الماضي.
بغداد – تراجع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن التزامات سبق وأن قطعها لتحالف السيادة السني، ومنها تمرير قانون العفو العام بفعل ضغوط شديدة يتعرض لها من قبل قادة الإطار التنسيقي.
وكان من المفترض أن يجري تمرير قانون العفو عقب إقرار البرلمان للموازنة الاتحادية على ضوء وعود قدمها السوداني للقوى السنية، لكن الأمر أُجّل وسط معلومات تفيد بإمكانية إلغاء هذا القانون من أساسه، الأمر الذي يضع تحالف السيادة الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في موقف محرج أمام الرأي العام السني، خصوصا مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات.
واعتبر تحالف الفتح الذراع السياسية للميليشيات المسلحة الموالية لإيران، أن تأجيل الحكومة إقرار قانون العفو العام “جنبها الوقوع في الفخ”، معتبرا أن عملية إعادة التحقيق لنحو سبعين ألف محكوم كلام غير منطقي.
وقال عضو التحالف عائد الهلالي في تصريحات صحفية إن “حكومة السوداني تعرضت إلى ابتزاز سياسي من قبل بعض الكتل والأحزاب خاصة تحالف السيادة لمحاولة الضغط عليها لتمرير قانون العفو العام”. وأضاف الهلالي أن “الحكومة تجنبت الوقوع في فخ إقرار قانون العفو العام الذي قد يشمل العديد ممن ارتكبوا جرائم عديدة بحق الشعب العراقي في الفترة الماضية”.
وأوضح القيادي في التحالف الذي يقوده زعيم منظمة بدر هادي العامري أن “عملية إعادة التحقيق لـ70 ألف محكوم في السجون كلام غير منطقي وغير مقبول في ظل الاستقرار الذي يشهده العراق الآن على جميع الأصعدة”.
ولفت إلى أن “عدم تصويت مجلس الوزراء على قانون العفو العام خطوة في الاتجاه الصحيح”، مشيراً إلى أن “بعض الأطراف السياسية راهنت على تمريره داخل مجلس الوزراء، وهذا ما لم يحصل”.
ولطالما رفضت القوى الشيعية الموالية لإيران والمتحكمة في المشهد السياسي العراقي على مدى سنوات تمرير قانون العفو بذريعة أن من بين المستفيدين منه عناصر إرهابية رغم أن القوى السنية أبدت مرونة كبيرة في التعاطي مع من سيشملهم القانون.
وقد تراجعت القوى الولائية عن موقفها العام الماضي تحت ضغط الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع تحالف السيادة، الممثل السياسي للسنة في العراق، ووافقت تلك القوى على التعهد بتمرير القانون في الاتفاق السياسي الذي تم إبرامه في الخريف الماضي والذي تم بموجبه إنهاء أزمة سياسية استمرت لعام في العراق.
وبمجرد تشكيل حكومة السوداني وتحقيق قدر من الاستقرار السياسي، أظهرت القوى الولائية مؤشرات عن رغبتها في التنصل من الاتفاق المبرم مع المكون السني الذي يجد نفسه اليوم في موقف ضعف حيث أنه لا يملك أيا من أوراق الضغط التي تجبر الطرف المقابل على الخضوع.
وقال النائب عن تحالف السيادة في مجلس النواب عبدالكريم العبطان إن قانون العفو العام ضمن الاتفاقات السياسية، ولن يتنازل التحالف عن تشريعه داخل قبة البرلمان.
ولفت العبطان في تصريح صحفي إلى أن تعديل القانون وتشريعه تم الاتفاق عليه مسبقاً في البرنامج الحكومي، إذ إن الحكومة تشكلت على أساس مجموعة من الاتفاقات منها هذا القانون الذي يفترض أن يمضي لإنصاف الأبرياء القابعين في السجون. وأضاف “مطلبنا هو إنصاف المحكومين نتيجة المخبر السري والاعتراف بالإكراه”، مبيناً أن “الدعوات التي ظهرت أخيراً لتعديل القانون لا تمثل الجميع، وهي وجهات نظر ليس إلا”.
وكان وزير العدل خالد الشبواني أعلن في أبريل الماضي أن رئيس الوزراء شكل لجنة بشأن قانون العفو العام، مبيناً أنه “عند إقراره سيكون إنجازاً لجميع الكتل السياسية المنضوية داخل ائتلاف إدارة الدولة”. ويرى متابعون أن تشكيل تلك اللجنة لم يكن الغرض منه على ما يبدو سوى كسب الوقت بهدف حث تحالف السيادة وخصوصا رئيس مجلس النواب على ضرورة دعم المصادقة على الموازنة الاتحادية المقدمة وعدم عرقلة مناقشتها في البرلمان.
ويشير المتابعون إلى أن السوداني أعجز من أن يتخذ أي قرار يخالف المنظومة السياسية التي تدعمه، وبالتالي فإن تراجعه عن قانون العفو العام كان متوقعا، لافتين إلى أن تحالف السيادة لا يستطيع فعل الكثير في هذا الصدد، حيث أنه يعاني من أزمة بين أقطابه فضلا عن منافسة شرسة من قوى تعاديه في المناطق السنية التي بالتأكيد من صالحها أن لا يجري إقرار القانون قبل انتخابات مجالس المحافظات لأنها نقطة ستحسب للسيادة والحلبوسي.
◙ رغم التعديلات التي مرت على القانون إلا أن القوى الموالية لإيران لا تزال تتحفظ عليه في موقف لا يخلو من حسابات في علاقة بلعبة المساومات بينها والقوى السياسية السنية
وأشار عضو ائتلاف دولة القانون أحمد السوداني إلى أن الوضع يتجه إلى ذهاب الحكومة نحو إلغاء قانون العفو العام، مؤكداً أنه تم الاعتراض على تمريره من معظم الوزراء خلال جلسة المجلس التي عقدت الثلاثاء الماضي. وقال السوداني في وقت سابق إن “هناك رفضا واسعا من معظم شرائح الشعب”، لافتا إلى أن “تمرير القانون سيجعل الحكومة في مواجهة المواطنين من خلال التظاهرات العارمة التي ستخرج ضد الإفراج عن القتلة والمجرمين من السجون”.
وأشار عضو الائتلاف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى أن “الحكومة ستعمل على دراسة ملف ردود فعل المواطنين في شأن تمرير قانون العفو العام من عدمه، لكن الإلغاء هو الرأي الذي يتسيّد الموقف الحالي”، موضحاً أن “هناك العديد وبنسبة كبيرة من الذين سيشملهم القانون متورطون بالجرائم الوحشية السابقة”. ويعود الجدل بشأن قانون العفو العام إلى سنة 2016، حيث صادق البرلمان العراقي بنهاية أغسطس من ذلك العام على القانون بعد خلافات سياسية انتهت بحذف عدد من بنود القانون والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.
وتم إدخال تعديلات على قانون العفو في نوفمبر 2017، بعد طلب تقدمت به قوى تنضوي حاليا ضمن الإطار التنسيقي. وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
وجرى حينها التنصيص على فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد بعد العاشر من يونيو 2014، وهو تاريخ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل شمالي البلاد. كما عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.
ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد. ورغم التعديلات التي مرت على القانون إلا أن القوى الموالية لإيران لا تزال تتحفظ عليه، في موقف لا يخلو من حسابات سياسية في علاقة بلعبة المساومات بينها والقوى السياسية السنية. وبحسب مصادر رسمية يقدر عدد السجناء في العراق بنحو 70 ألفا بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا إرهاب، ومن بين السجناء 1500 امرأة.
العرب