تحرك كويتي متأخر لملاحقة عمليات “النصب العقاري”

تحرك كويتي متأخر لملاحقة عمليات “النصب العقاري”

الكويت- تستعد السلطات الكويتية لبدء إجراءات لاسترداد مبالغ تزيد على 3 مليارات دولار تمكّن محتالون في ما يعرف بـ”عمليات النصب العقاري” من تهريبها إلى الخارج، إلّا أنّ هذا المسعى محل شك؛ من ناحية أولى لأن الملاحقات متأخرة، وهو ما من شأنه أن يمكّن المتورطين من تشتيت الأموال المنهوبة، ومن ناحية أخرى لأن الدول الأوروبية التي تشملها الملاحقات قد لا تكون هي المكان الذي استقرت فيه تلك الأموال.

وذكرت مصادر محلية أن النيابة العامة تركز جهودها على الدول الأوروبية “لمطالبتها بالتحفظ على أموال تتجاوز مليار دينار كويتي أو ما يعادل 3.255 مليار دولار هربها أشخاص متهمون بغسل الأموال ومعظمهم متورطون في قضايا النصب العقاري”. ونقلت صحيفة “القبس” المحلية عن تلك المصادر قولها “إن بعض قضايا غسل الأموال الجديدة أُحيلت إلى المحكمة بعد اكتمال الإجراءات وأدلة الثبوت”، لافتة إلى أن فريقا لتتبع الأموال “يتحرك وفق خطة قانونية لتسريع إنجاز الملفات والقضايا، ويتعاون مع جميع النيابات، خصوصا نيابة التعاون الدولي لتنفيذ الإنابة القضائية مع الدول الأخرى”.

ويعتقد بعض نواب البرلمان الجديد أن هناك حاجة إلى “معالجة آثار عمليات النصب العقاري وتعويض المتضررين منها”، بصرف النظر عن نتائج الملاحقات في الخارج؛ وذلك خوفا من إمكانية ألّا تثمر نتيجة فورية ومُرضية.

وكان خمسة نواب، هم عادل الدمخي وحمد المدلج وعبدالكريم الكندري ومحمد المطير ومبارك الطشه، اقترحوا الأسبوع الماضي إنشاء صندوق لمتضرري قضايا النصب العقاري “أسوة بالمواطنين الذين لحقتهم الخسائر المادية الفادحة عند تداولهم الأسهم الورقية في هيئة أسواق المال”.

وقدم النواب الخمسة مشروع قانون مفصلا، وقالوا في بيان إنه “من خلال التقرير الرابع للجنة الشكاوى والعرائض ومن بعض الأحكام الجزائية بالنيابة العامة ثبت أن هناك مافيا للنصب العقاري وأن هناك قصورا في الجهات الرسمية بالدولة في التعامل مع تلك الشركات. لذا كان لزاما على الدولة جبر الضرر الذي لحق بمواطنيها ورفع الأذى عنهم وحماية المراكز المالية لهم من الانهيار عن طريق إصدار تشريع لحماية المواطنين المتضررين من قضايا النصب العقاري، حيث لوحظ وجود قصور تشريعي في القوانين التي تنظم حركة البيع والشراء في سوق العقارات في الكويت وكان لزاما إنشاء صندوق لمتضرري قضايا النصب العقاري أسوة بالمواطنين الذين لحقتهم الخسائر المادية الفادحة عند تداولهم الأسهم الورقية في هيئة أسواق المال (البورصة) ما استدعى إنشاء صندوق المتعثرين حينئذ لتعويض خسائرهم المادية والعمل على عدم تفاقمها في المستقبل”.

وعزا النواب مطالبهم إلى “تقصير السلطة التنفيذية في أداء المهام المنوطة بها”. وتحظى هذه المطالب بدعم واسع بين أوساط المتضررين. ويقولون إن هذه المسألة ليست “مطلبا شعبويا”، على غرار المطلب الذي تم تقديمه في البرلمان السابق واقترح أن تتولى الدولة إطفاء الديون التي بذمّة المواطنين. لأن المسألة في هذا الجانب تتعلق بتقصير حكومي مباشر في حماية الضحايا، لاسيما وأن الحجم الضخم للأموال المنهوبة كان يجب أن يلفت انتباه السلطات القضائية، كما كان يجب أن يلفت انتباه أجهزة الرقابة الحكومية الأخرى.

◙ نواب يطالبون بضرورة التعويض للمتضررين، وذلك بسبب التشكّك في أن تثمر الملاحقات نتيجة فوريّة ومُرضية

أما قضية إطفاء الديون فهي حتى لو كانت تثقل كاهل عشرات الآلاف من المواطنين، إلا أن الاستدانة تظل عملا يتعلق بالسلوك الشخصي للمواطن.

وحيث أن الدولة تتحمل مسؤولية مباشرة، فإن الواجب يقتضي منها الاضطلاع بما تعلق بها من مسؤوليات حيال الضحايا، وذلك بينما يمكنها أن تتابع الملاحقات الجنائية وتسعى إلى استرداد ما قد تستطيع استرداده من أموال.

ويقول مراقبون إن الفوضى وغياب الضوابط في سوق العقارات هما اللذان يقفان وراء تعرض عشرات الآلاف من المواطنين لأعمال النصب؛ فالأموال ما كان يجب أن تنقل إلى الخارج إلا وفقا لقواعد رقابة صارمة، كما أن المشاريع العقارية الوهمية التي ابتدعتها مافيا العقارات ما كان يجب أن تفلت من أنظار الجهات الرقابية، لاسيما وأن قواعد الاستثمار العقارية وضوابط عمليات البيع والشراء محكمة في العديد من دول العالم، بينما تبدو الكويت في وضع مختلف كليا من هذه الناحية.

وكان النائب حمد المطر قال في رسالة وجهها إلى وزير المالية ووزير الدولة للـشؤون الاقـتـصادية والاستثمار عبدالوهاب الرشيد إن عمليات النصب والاحتيال العقاري “مازالت تحدث”، وتساءل “هل تتبعتم الأموال الناتجة عن عمليات ‘النصب والاحتيال’ العقاري؟ وما دور وحدة التحريات المالية الكويتية ودور بنك الكويت المركزي ووحدة غسل الأموال في ذلك؟ وهل تُراقب عمليات البيع العقارية داخل دولة الكويت وخارجها والتأكد من المسار الصحيح الذي يتبع من تلك الشركات؟ وهل مازالت الشركات الاستثمارية تحت رقابة بنك الكويت المركزي؟ وإذا صدرت أي مخالفات ضد تلك الشركات من هيئة أسواق المال أو من البورصة فما إجراءات بنك الكويت المركزي حيال تلك الشركات؟ وهل توجد أي جهات رقابية من وزارة المالية تشرف على تلك العمليات لحماية أموال المواطنين من عمليات النصب والاحتيال وشبهات غسل الأموال؟”.

ويبدو أن النواب في مجلس الأمة الجديد لا يريدون أن يحولوا هذه القضية إلى أزمة في العلاقة مع الحكومة، على غرار أزمات الاستجوابات السابقة التي بقيت بلا أجوبة، ولكنهم يتطلعون إلى اتخاذ إجراءات عملية لوقف تلك العمليات ولتعويض المتضررين، دون أن تكون للأمر أي صلة بالمواقف السياسية.

العرب