التمرد في روسيا والنتائج في الصين

التمرد في روسيا والنتائج في الصين

موسكو – قاد يفغيني بريغوجين ومجموعته من المرتزقة الخاصة فاغنر تمرّدا نهاية الأسبوع الماضي. وانتهى تحركه لكنه هز روسيا وكشف تصدعات جديدة في سلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الصين ورئيسها شي جينبينغ الذي كان من أقوى داعمي موسكو وبوتين منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022؟

التزم المسؤولون الصينيون الصمت حين سيطرت قوات فاغنر على مركز عسكري روسي رئيسي وأمرت بمسيرة مسلحة إلى موسكو في 24 يونيو. لكن وسائل الإعلام الحكومية الصينية قدمت تغطية مباشرة وواقعية للأحداث على الأرض، ومن غير المستغرب أنها لم تقدم أي تعاطف مع بريغوجين أو فاغنر، بل رددت خطاب بوتين حول الحاجة إلى القانون والنظام والاستقرار.

ولم تقرر بكين وضع حد لصمتها إلا يوم الأحد 25 يونيو، بعد أن انتهت المسيرة المتجهة إلى موسكو إثر صفقة توسط فيها رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بين بوتين وبريغوجين.

وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إن “هذه المسألة تخص شؤون روسيا الداخلية”. وشددت على أن “الصين تدعم روسيا في حماية استقرارها الوطني وتحقيق التنمية والازدهار”.

وتوجه نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودنكو إلى بكين في نفس اليوم لحضور ما قيل إنه اجتماع مقرر، والتقى وزير الخارجية الصيني تشين غانغ.

وقال نائب وزير الخارجية الصيني إثر الاجتماع “استمر تعمق الثقة السياسية الصينية – الروسية في ظل التوجيه الإستراتيجي من الرئيسين شي وبوتين”.

ويجب على شي الآن أن يوازن بين دعمه المستمر لبوتين وتحوطه من سيناريو استبعاد نظيره الروسي من السلطة.

وتأسست الشراكة بين شي وبوتين على مزيج من الأيديولوجيا والبراغماتية، ويرى عدد من المحللين الصينيين أن تمرد بريغوجين قد يحد من جاذبية الكرملين البراغماتية.

ونشر المفكر الصيني البارز يو جيانرونغ مقطع فيديو لأكثر من 7 ملايين من متابعيه على موقع ويبو، وظهر فيه عدد من الروس في مقاطعة روستوف المطلة على نهر الدون وكانوا غاضبين من انتقال الشرطة إلى مدينتهم، مما أشار إلى وجود مستوى معين من الدعم العام لفاغنر. وكتب “لا أعرف حقا ما الذي يحدث في هذا البلد”.

وفي نفس الوقت، قال الأستاذ في مركز الصين لدراسات العالم المعاصر يو سوي لصحيفة “تشاينا ديلي” إن التمرد “يدق جرس إنذار لروسيا” وأن الأحداث ذكّرته “بالمثل الصيني حول إطعام نمر ثم اعتباره مشكلة”.

وقال الباحث في العلاقات الدولية في شنغهاي شين دينغلي لصحيفة “الغارديان” إنه يعتقد أن الأحداث ستؤدي إلى زيادة اعتماد روسيا على الصين وأن بكين ستتخذ “موقفا أكثر حذرا تجاه روسيا”.

أي صراع داخل روسيا سيتسبّب بمشكلات أمنية للصين التي تربطها بروسيا حدود يبلغ طولها 4300 كيلومتر

كما كتب الأستاذ في كلية كليرمونت ماكينا مينكسين باي في مقال حديث نُشر على منصة “بلومبيرغ”، أن الغزو وتحركات بوتين منذ ذلك الحين منحت شي سلسلة مستمرة من الدروس الثمينة في ما يتعلق بالحفاظ على دعم الجيش، وغياب الجيوش الخاصة، وتقليل نفوذ الشخصيات على الدولة. واعتبر باي أن تمرد بريغوجين يعد “تذكيرا لشي بأن القومية سيف ذو حدين”.

ويمكن تحديد المخاوف الصينية مما حدث في موسكو بما يلي:

إشغال موسكو في صراع داخلي يؤثر وبشكل كبير على مجريات الحرب في أوكرانيا، وينذر بتقسيم روسيا أو إشعال حرب أهلية فيها.
تغيّر في القيادات الروسية، وخاصة الرئيس بوتين الذي يشكّل بشخصه ثقلاً كبيراً في روسيا وتوجهات سياستها الخارجية.
تراجع موسكو عن سعيها لكسر هيمنة الدولار الأميركي بالتنسيق مع الصين وإيران وعدد من دول العالم.
إن أي صراع داخل روسيا سيتسبّب بمشكلات أمنية للصين التي تربطها بروسيا حدود يبلغ طولها 4300 كيلومتر.

كما أنه سيضعف موسكو ويجعلها أقل فائدة لبكين في مواجهة الولايات المتحدة، كما أنه قد يأتي بحكومة موالية لأميركا أو مهادنة لها، وهو السيناريو الذي لا تطيق بكين حتى تصوّره.

وخسارة حليف قوي بحجم موسكو التي باتت اليوم تشكّل حاجز الصد الأول عن بكين في وجه الولايات المتحدة والقوى الغربية المعادية للصين.

“الحالة الانقلابية” في موسكو قد لا تقتصر على قوات فاغنر، لذا فإن القيادة الروسية ستكون أكثر حزماً وحذراً

الخوف من انتقال ما يحدث في روسيا إلى دول أخرى وفقاً لنظرية الدومينو، رغم أن بكين قد تبدو الأبعد عن ذلك، نظراً إلى صلابة جبهتها الداخلية وتماسك حزبها وجيشها وشعبها، ووقوفهم خلف قيادة الرئيس شي.
كل تلك المخاوف ربما تبدّدت بعد نجاح الرئيس بوتين في حسم الموقف لمصلحته، ومن دون إراقة الدماء أو الدخول في مواجهة مباشرة مع فاغنر، فاستطاع تفويت الفرصة على الأعداء المتربّصين بموسكو. وهو ما جعل الحديث عن الهجوم الأوكراني المضاد يبوء بالفشل، بل على العكس من ذلك بدأت كييف تتهم الدول الغربية بالتأخر في تزويدها بالأسلحة المطلوبة لتنفيذ هذا الهجوم.

والأهم من ذلك كله أن كييف باتت توجّه الاتهامات لإسرائيل بالتواطؤ مع موسكو، وامتناعها عن إرسال السلاح لها. وهو الأمر الذي لم تنفه تل أبيب، حيث أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عدم قدرة حكومته على إرسال دبابات الميركافا إلى أوكرانيا خوفاً من إغضاب موسكو التي باتت “جاراً لإسرائيل” من خلال وجودها في سوريا.

وختاماً يبدو أن “الحالة الانقلابية” في موسكو قد لا تقتصر على قوات فاغنر، لذا فإن القيادة الروسية ستكون أكثر حزماً وحذراً، وستسعى للاستثمار في هزيمتها لفاغنر عبر حشد المزيد من التأييد الشعبي لها.

وسيكون من المفيد جداً بالنسبة إليها تحقيق انتصار نوعيّ في الحرب في أوكرانيا يرفع من معنويات الشعب الروسي ويزيد من تماسكه والتفافه حول جيشه الذي يرسم معالم روسيا المستقبل والعالم كله.

العرب