تتداول الأوسط الدولية الإقليمية حديثاً عن اتفاق نووي مؤقت بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني عبر مباحثات غير مباشرة يجريها الطرفان في العاصمة العمانية(مسقط) بغية التوصل إلى مبادئ أولية تساهم في إعادة مفاوضات البرنامج النووي الإيراني ورغم نفي المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن لمثل هذه المباحثات إلا أن رئيس لجنة السياسية الخارجية والامن القومي السابق في البرلمان الإيراني (حشمت فلاحت بيشة) أشار بقوله انه تم التوصل بالفعل إلى تفاهمات غير مكتوبة وان هناك غض للنظر عن بعض صفقات الطاقةالنووية والسماح بالأفراح عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة مقابل إمتناع إيران عن توسيع برنامجها النووي أكثر من المستوى الحالي.
هذا يعني تغيير واضح في السياسية الخارجية الأمريكية تجاه الملف الإيراني وإيجاد حلول وقتية تساهم في تعزيز موقف الرئيس بايدن في الانتخابات الأمريكية القادمة لحل معضلة البرنامج النووي الإيراني.
إن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تبتعد حاليا عن اسلوب المواجهة والردع والتوجه نحو الحوار والدبلوماسية والتهدئة ولا ترغب في حدوث مشاكل وأزمات تؤثر على استعدادتها لإنتخابات 2024 ولتتمكن من إدارة النزاع الروسي الاوكراني واستنزاف الجيش الروسي ومواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني في منطقة الشرق الاوسط بعد الاتفاق السعودي الإيراني واستعادة تأثيرها في منطقة المحيط الهادي والهندي، وهذا ما تنبهت اليه القيادة الإيرانية وعبر عنه المرشد الأعلى على خامنئي في حديثه مع العاملين في البرنامج النووي والمسؤولين عنه بتاريخ 24 حزيران 2023 باعتماد المرونة البطولية واعتبار الصفقة مع الغرب مقبولة شرط أن لا تمس البنية التحتية النووية، وهذا تطور ميداني واضح يمنح فيه خامنئي الضوء الأخضر لكبير المفاوضين الإيرانيين على باقري بتحديد أولويات العمل وفق منظور إيراني يؤكد التجاوب مع سير المفاوضات وإعطاء دلالة على تأثير الموقف الإيراني في الحوارات والتجاوب مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في اعتمادها لسياسة التهدئة والدبلوماسية.
إن المسؤولين الامريكان لا يزالون يرون ان تطوير إيران لبرنامج الصواريخ البالستية يشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي الإقليمي الدولي حسب تصريح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 29 حزيران 2023، ولهذا فإن توجه الامريكان الان لاعتماد سياسة الاحتواء القائمة على تحديد نسب تخصيب اليورانيوم وخزين المواد الانشطارية وأدوات الطردالمركزي وفق معايير تحددها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذها بالمراقبة الدائمة والتفتيش المفاجئ، وهذا يتوافق مع التصريح الذي أدلى به روفائيل كروسي بقوله(إذا استمر الإيرانيون في وتيرة عملهم فسيكون لدينا 10 قنابل من المواد الانشطارية شبه الأسلحة بحلول نهاية عام 2023 وان إيران جمعت بالفعل 5 قنابل من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
إن سياسة الإحتواء صفقة بين واشنطن وطهران تتحدد فيها الأسس التي تقوم عليها هذه الصفقة بعدم استمرار إيران بتخصيب بنسبة تزيد عن 60% وإطلاق سراح المواطنين الأمريكين من أصول إيرانية المحتجزين لدى اجهزة النظام مقابل عدم فرض اي عقوبات اضافية من قبل الادارةالامريكية على إيران والسماح بإطلاق مبلغ 10 مليار دولار من الأموال المجمدة الإيرانية.
فكانت الموافقة بالسماح للعراق بتسديد مبلغ 2,76 مليار دولار لإيران عن ديون مستحقة من مبيعات الغاز الإيراني.
قراءتنا لهذه الصفقة السياسية انها تتعامل مع النظام الإيراني كقوة اقليمية نووية وتسمح له الاحتفاظ بنسبة عالية من التخصيب وتبتعد كثيرا عن سياسة الردع والمواجهة في منطقة الشرق الأوسط وتحديداًمع ايران والعمل بسياسة الإحتواء والتهدئة ومنع اي مواجهة عسكرية محتملة في المنطقة لتبتعد قليلا نحو الذهاب لمنطقة أسيا الوسطى وتحقيق أهدافها، ولكن هذه السياسية المزدوجة تشكل خطراً على مستقبل العلاقات السياسية في الشرق الأوسط وتسمح لباقي الدول المؤثرة (تركيا والسعودية ومصر) بحقها في امتلاك السلاح النووي وتطوير برامجها في مجال الطاقة الذرية لايجاد حالة من التوازن السياسي وحماية مصالحها وأهدافها في المنطقة ومواجهة أي أخطار مستقبلية تهدد أوضاعه وأمنها القومي.
ساهمت اللقاءات غير المباشرة بين التي جرت في عواصم الاقطار الخليجية (أبو ظبي والدوحة ومسقط) بين مسؤولين أمريكان وايرانيين بتعزيز مفهوم هذه السياسية وابعادها بما يلبي طموح جميع الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني وأنشطة تخصيب اليورانيوم.
ترى إيران في الصفقة مجالاً كبيرا في استعادة دورها الإقليمي ومعالجة ازماتها الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الواقع المعيشي لشعوبها بعدالاحتجاجات والمواجهات الشعبية التي انطلقت منتصف شهرايلول عام 2022 بعدمقتل الشابةالايرانية الكرديةاميني ورفع العقوبات الاقتصادية عنها والعودة لأسواق الطاقة العالمية، وإظهار اللقاءات مع الجانب الأمريكي انها تمثل صفقة انسانية تتعلق بالموافقةعلى إطلاق سراح المحجوزين الامريكان وهي من الأعذار التي يتبناها النظام أمام شعبه لانه لا يزال متمسكاً بشعار رفع العقوبات دون تنازلات تنفيذاً لما أتفق عليه في البرلمان الإيراني في تشرين الثاني 2021 بالإعلان عن قانون استراتيجية إلغاء العقوبات وتطوير البرنامج النووي.
ان النظام الإيراني بدأ يتبع سياسة تفكيك العقوبات وتحديد أهدافه إعادة هيكلة علاقته السياسية مع دول الخليج العربي وبعض الاقطار العربية وتعزيز المفاهيم التي وردت في الاتفاق السعودي الإيراني واستعادة دوره إقليميا ودوليا والتغلب على أزماته الداخلية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية