نقابات التعليم التونسية تراهن على الحوار للعفو عن مدرسين

نقابات التعليم التونسية تراهن على الحوار للعفو عن مدرسين

يشي موقف نقابة التعليم الأساسي غير المسبوق بدعوة وزارة الإشراف (وزارة التربية والتعليم) إلى الحوار من أجل تجاوز الإشكاليات العالقة بتغيّر في إستراتيجيتها تجاه الطرف الحكومي. ويرى مراقبون أن هذا التغير ناجم عن مقاربة الحكومة التونسية الحازمة في التعامل مع المطالب القطاعية وسبل التصدي لمساعي الابتزاز.

تونس – باتت نقابات التعليم في تونس، والتي تتخذ من الإضرابات والتمنع عن إنجاح السنة الدراسية 2022 – 2023 سبيلا لابتزاز الحكومة، تراهن على الحوار مع وزارة الإشراف لتجاوز الإشكاليات العالقة، بعد أن جابهت الحكومة التونسية “ابتزازها” بوقف صرف الرواتب واتخاذ إجراءات تأديبية في حق المدرسين الذين أخلوا بواجباتهم وفق ما تقتضيه التراتيب القانونية.

ودأبت الحكومات التونسية السابقة على مهادنة نقابات التعليم ومن ورائها الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة أرباب العمل) من أجل تفادي الإضرابات وتنقية المناخ الاجتماعي، إلا أن للرئيس قيس سعيّد مقاربة مختلفة في التعامل مع “الابتزاز النقابي”.

ومنذ سنوات يعاني التعليم العمومي في تونس من صراعات بين النقابات وسلطة الإشراف، ما حوّل التلميذ إلى رهينة تستعمل كورقة ضغط من أجل تحصيل مطالب ماليّة بالأساس.

ودعت الجامعة العامة للتعليم الأساسي وزارة التربية إلى عقد جلسة للحوار حول عدد من النقاط في المجال التربوي، وفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم الجامعة توفيق الشابي.

وأضاف توفيق الشابي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية السبت أن توجيه الجامعة هذه المراسلة إلى وزارة التربية يهدف إلى دعوة الوزارة إلى صرف مرتبات المعلمين الذين التزموا بقرار حجب أعداد الامتحانات، مشيرا إلى أن هؤلاء المعلمين وعددهم يناهز 17 ألفا تم حرمانهم من مرتباتهم لشهر يوليو، رغم رفعهم الحجب منذ الثالث والعشرين من الشهر نفسه.

ولفت إلى أن الجامعة العامة للتعليم الأساسي ستدعو الوزارة إلى إرجاع المديرين الذين وقع إعفاؤهم بالمدارس الابتدائية والبالغ عددهم 350 مديرا إلى خططهم الوظيفية، معتبرا أن مراسلة الجامعة تعكس الالتزام بمبدأ الحوار والتفاوض.

وأكدت الجامعة في نص هذه المراسلة أن طلبها بعقد الجلسة يتمحور حول عدد من القضايا التي تهم إعفاء مديري المدارس الابتدائية وصرف الرواتب المحجوزة.

وأكد الكاتب العام المساعد بجامعة التعليم الأساسي أن المراسلة تأتي في سياق تعطل الحوار بسبب ما وصفه بـ”الإجراءات التعسفية في حق المعلمين”، مشددا في المقابل على تمسك الجامعة بالحوار للوصول إلى حلول قبل موعد العودة المدرسية.

وأفاد بأن المراسلة تضمنت المطالبة بصرف منحة الريف بعنوان سنتي 2021 – 2022 و2022 – 2023، وإسناد ترقيات المسار العلمي لسنة 2022، وكذلك مناقشة إجراءات النقل.

وأوضحت الجامعة في نص المراسلة أن الدعوة إلى جلسة عمل مع الوزارة تتمثل في تطويق جملة من الإشكاليات المستجدة ولتنقية المناخ الاجتماعي.

وكانت وزارة التربية قد قررت حجب رواتب المعلمين الذين تمسكوا بفرض حجب أعداد الامتحانات وامتنعوا عن تنزيلها بالإدارة، تطبيقا لقرار صدر عن الجامعة العامة للتعليم الأساسي قبل أن ترفع الجامعة الحجب. ويقول مراقبون إن نقابتي التعليم الأساسي والثانوي في تونس هما أبرز النقابات التي يراهن عليها اتحاد الشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية ككل.

ويشير هؤلاء إلى أن الدور النقابي لجامعة التعليم تطغى عليه الصبغة السياسية، خصوصا بعد تمسّك نقابة التعليم بمطالبها القطاعية دون مراعاة الصعوبات المالية والاقتصادية للبلاد، في علاقة بتأمين سدّ عجز الموازنة للعام 2023.

وتطالب النقابة أيضا بتنفيذ اتفاقات وُقّعت منذ عام 2019 تقضي بتمكين المدرّسين من التدرّج المهني، وبرمجة انتداب المعلمين النواب على مراحل. في المقابل، تقول وزارة التربية إنها غير قادرة على تلبية المطالب ذات التبعات المالية، وخصوصا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تقف الحكومة أمامها عاجزة، وأجبرتها على اتخاذ عدد من القرارات، من بينها تقليص موازنات العديد من الوزارات وعدم تفعيل الاتفاقات بصيغتها المادية وإيقاف الانتدابات تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.

17 ألف معلم تم حرمانهم من مرتباتهم لشهر يوليو، رغم رفعهم الحجب منذ الثالث والعشرين من الشهر نفسه

وفي ظل مقاربة “متشددة” للرئيس التونسي في مواجهة الابتزاز النقابي من دون المس بالحق في حرية التظاهر والتعبير، وهو توجه تدعمه فيه شريحة واسعة من التونسيين، بدا الاتحاد العام التونسي للشغل مرتبكا في التعامل مع تصعيد النقابات من دون تنسيق مسبق مع المركزية النقابية.

ويرى مراقبون أن عدول عدد كبير من المدرسين عن حجب النتائج الدراسية بعد لجوء الحكومة إلى وقف صرف مرتباتهم يوحي بتورطهم في التصعيد من دون سند حقيقي من اتحاد الشغل. ولم يعد من الخافي تراجع قوة تأثير المركزية النقابية في المشهد والقرار السياسيين بعد أن لعبت أدوارا متقدمة ما بين 2011 و2021.

وتجد هذه المركزية اليوم نفسها محاصرة بين سلطة سياسية حازمة في مواجهة الابتزاز، ومزاج شعبي كاره للمعارضة والمجتمع المدني والنقابات، والتصدع الداخلي. ويقول محللون إن المركزية النقابية في مرحلة تقهقر لكنها ستسعى بكل السبل إلى استعادة جزء من موقعها الذي فقدته.

وتراجعت المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج والنقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية للقطاع. وساهمت السياسات الخاطئة في تدني هذا القطاع، وسط تحذيرات الخبراء من تراجع جودة التعليم في تونس.

وتستدعي عملية إصلاح القطاع الحيوي في تونس وفق مراقبين، وضع آليات وبرامج برؤية مستقبلية واضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.

وتواتر في السنوات الأخيرة العديد من الوزراء على تقلد منصب وزارة التربية في البلاد، وظلّ إصلاح منظومة التعليم والارتقاء بجودتها مجرد شعار لأسباب عدة، من بينها المطلبية القطاعية التي تقول الحكومات إنها مشطة ولا تراعي الإمكانيات المالية المتوفرة.

العرب