تسعى إيران إلى تنصيب نفسها حامية لشيعة العالم في كل مناسبة تمس هذه الطائفة وخاصة في دول القارة الأفريقية، تحاول التمدد فيها بشتى السبل عبر التدخل في شؤون الدول الداخلية.
لذلك سارعت طهران للركوب على الحدث واحتجت رسميا لدى أبوجا على هجوم شنه الجيش ضد شيعة في زاريا شمال البلاد. واستدعت القائم بالأعمال النيجيري وطالبت بلاده “بشكل جاد تحديد أبعاد الحادث ومعالجة الجرحى والتعويض عن الخسائر والأضرار في أسرع وقت ممكن”، وفق ما ذكرته وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية.
كما اتصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنظيره النيجيري جيفري أونياما لكي يطلب منه أن تتحرك حكومته “فورا وبشكل جدي لتجنب العنف” ضد الشيعة في نيجيريا.
وكان الجيش النيجيري شن يومي السبت والأحد الماضيين هجوما في زاريا ضد مسلحين من الحركة الموالية لإيران بتهمة “محاولة اغتيال” قائد أركان الجيوش النيجيري يوسف بوراتاي ما دفع الجيش للرد، إلا أن الحركة نفت ذلك.
واندلعت أعمال العنف عندما أغلق شيعة طريقا رئيسيا أمام حسينية حيث تجمع المئات للصلاة، وهو ما اضطر الجيش للهجوم وتدمير مسجد ومنزل زعيم الحركة الذي دافع عنه المئات من المسلحين، لكن الزكزاكي أصيب بجروح بالغة خلال الهجوم وكان “في وضع حرج”، بحسب الطبيب الذي عالجه في كادونا بشمال نيجيريا.
وقال متحدث باسم الحركة، لم تذكر وكالات الأنباء اسمه، إن زوجته وأحد أبنائه قتلا وكذلك المسؤول الثاني في الحركة محمد توري. وأوقع هجوم الجيش 60 قتيلا، بحسب ما قاله مدير مستشفى المدينة، غير أنه لم يتم إعطاء حصيلة محددة من قبل الجيش.
ويدور خلاف منذ سنوات طويلة بين الحركة الإسلامية في نيجيريا “إخوان نيجيريا” التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية مشابهة لما هي عليه إيران حاليا، وبين سلطات نيجيريا، وهو ما يؤدي إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين الجانبين بين الفينة والأخرى.
الاختراق الإيراني لأفريقيا الذي يعتمد على دوافع سياسية واقتصادية معلنة ترمي إلى الخروج من إسار العزلة الغربية المفروضة على إيران
وتجربة الحركة بزعامة إبراهيم الزكزاكي الذي زار مرارا مدينة قم الإيرانية ويتلقى تمويلا من طهران حتى حوّل جماعته إلى حركة جهادية تحارب الحكومة وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفقا للنموذج الإيراني، يبدو أنها أقضت مضجع أبوجا.
وتنتشر جماعة الزكزاكي في ولايات الشمال ولا سيما في كانو وكادونا وزاريا. وتعتمد هذه الجماعة في تجنيد أعضائها على خريجي بعض جامعات الشمال النيجيري المسلم مثل جامعة أحمدو بللو وعثمان دان فوديو.
ولا يخفى أن حركية النموذج الإيراني التبشيري، وليس ما ينطوي عليه من اجتهادات وقناعات فقهية، كانت هي الأكثر تأثيرا على الواقع الأفريقي في رؤاه الإصلاحية نظرا لغياب توجهات إسلامية معتدلة تقطع الطريق على هذا التمدد الشيعي.
ومنذ ثمانينات القرن الماضي وظفت إيران استراتجيتها في القارة السمراء للتأثير السياسي تحت غطاء تقديم الدعم الاقتصادي تارة، وتوثيق العلاقات السياسية والعسكرية، تارة أخرى، من أجل تطويره ليأخذ طابعا دينيا مذهبيا وطائفيا، بهدف نشر المذهب الشيعي هناك.
ومن المؤكد أن الرؤية الإيرانية ترمي إلى إنشاء وتركيز قواعد محلية موالية لإيران في كل الولايات النيجيرية باعتبار مرجعية حوزتها الدينية من أجل الضغط على الحكومات المتعاقبة والعمل في مواجهة المصالح الغربية في أفريقيا.
وتجربة المد الشيعي لم تقتصر فقط على نيجيريا، وإنما شملت دولا أخرى مثل السنغال التي شهدت بناء حوزة علمية بجوار جامعة دكار، وهي تمنح الطالب شهادة تعادل الثانوية، كما أن هناك المركز الثقافي الإيراني في مالي. ومن الملاحظ أن الجاليات الشيعية اللبنانية تسهم بدور كبير في نشر التشيع بين الأفارقة، كما هو الحال بالنسبة إلى ساحل العاج.
هذا الاختراق الإيراني لأفريقيا الذي يعتمد على دوافع سياسية واقتصادية معلنة ترمي إلى الخروج من إسار العزلة الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي يستبطن تحقيق أهداف أخرى قد تبدو غير واضحة المعالم.
فالاستراتيجية الإيرانية لها أياد غير ناعمة كذلك، كما يقول المتابعون، حيث أن الإيرانيين متورطون في تصدير الأسلحة لمناطق الصراعات الأفريقية بغية تحقيق مصالح سياسية واستراتيجية.
ولا يقتصر التبشير الإيراني على ما هو سياسي واقتصادي وعسكري فقط في أفريقيا، ولكنها تقوم على رافعة مذهبية وثقافية كي تستطيع من خلالها تثبيت الأقدام بعد كسب نفوس وقلوب الأفارقة.
يذكر أن نيجيريا ضبطت منذ 2010 الكثير من الأدلة التي تورط الحرس الثوري الإيراني في التدخل في شؤون البلاد من بينها تقديم أسلحة للموالين لإيران، فضلا عن اعتقال الجواسيس.
رياض بو عزة
صحيفة العرب اللندنية