أكد تقرير صدر مؤخراً عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ما تقوله الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ زمن طويل، وهو إنّ إيران، وخلافاً لما تنفيه، امتلكت برنامج أسلحة نووية منظم حتى عام 2003، واستمرت في العمل على عناصر منه حتى عام 2009 على الأقل. ولم يكن هذا الكشف غير متوقع. فلطالما اتهم المسؤولون الغربيون إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية. ومن جهتها، تنوي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحلفاؤها المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، بعد أن تعهدت هذه الدول في الصفقة بأنه لا يتوجب على إيران الكشف عن عملها الماضي في الأسلحة النووية أو التعاون الكامل مع تحقيقات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من أجل تخفيف العقوبات عنها.
وقد امتنع الحلفاء عن مطالبة إيران بالاعتراف بجهودها النووية لنفس السبب الذي قبلوا فيه القيود الجزئية والمؤقتة فقط على أنشطة طهران النووية الحالية: فقد أمِلوا في أن يؤدي نزع فتيل التوتر حول هذه القضية والتركيز على المستقبل بدلاً من الماضي، إلى بناء الثقة في نوايا إيران النووية بحيث تسود علاقة أكثر استقراراً وتعاوناً بين إيران والغرب مع مرور الوقت حتى الوصول إلى تاريخ انتهاء الصفقة، أي بعد 15 عاماً. لكنّ تعاون طهران على مضض مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وخرقها المتكرر للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على إطلاق اختبارات الصواريخ، هي إشارات تنذر بأنّه حتى التنفيذ الملتزم للاتفاق من جميع الأطراف قد لا ينجح في بناء تلك الثقة. ومن خلال حماية إيران لأسرارها النووية وقبولها القيود المؤقتة فقط على العمل المتعلق بدورة الوقود النووي وتعزيز برنامجها الصاروخي، تسعى طهران إلى إبقاء خياراتها النووية مفتوحة للمستقبل. ورداً على ذلك، يجب على المجتمع الدولي اعتماد الأدوات اللازمة لمواجهة إيران إذا ما استأنفت سعيها لامتلاك أسلحة نووية.
من هنا، يوفر اجتماع مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»الذي يُعقد في 15 كانون الأول/ ديسمبر فرصةً للقيام بذلك. يجب على المجلس أن يقر بالنتيجة التي توصلت إليها «الوكالة» بأن إيران سعت إلى امتلاك أسلحة نووية، وأن يؤكد على أن التعاون الإيراني غير الكامل مع تحقيقات «الوكالة» يعيق عمل هذه الأخيرة، على الرغم من أنه قد يكون كافياً لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الاتفاق النووي. وبدلاً من إغلاق التحقيقات كما طالبت إيران، ينبغي على المجلس إعطاء التوجيهات لاستمرارها.
وتتيح الصفقة النووية أدوات لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من أجل إجراء مثل هذه التحقيقات بما يتجاوز تلك المنصوص عليها في “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” وبروتوكولها الإضافي. يُذكر أن هذه الأدوات ليست بالقوة التي يمكنها أن تتمتع بها، ولكن، مع ذلك ينبغي الاستفادة منها على أكمل وجه. ونتيجة لذلك، تحتاج «الوكالة» إلى موارد مالية وبشرية للقيام بهذا العمل، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تتمتع بخبرة في مجال الأسلحة النووية. كما ويمكن لتلك الدول التعاون لتوفير المعلومات الاستخباراتية والخبرة لمساعدة «الوكالة» في هذا السياق.
إذا لم يغلق مجلس حكام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التحقيقات، قد تهدد إيران بتأجيل تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وإذا حدث ذلك، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيضاح استعدادها لتعليق عملية تخفيف العقوبات إلى أن تبدأ إيران بتنفيذ هذه الالتزامات – مع الإشارة إلى أن الاستمرار في التحقيق لا يتعارض مع الصفقة النووية بل يتماشى مع تخلي إيران عن هذه الأنشطة كجزء من الاتفاق. أما إذا اعترضت روسيا أو الصين أو غيرها من أعضاء مجلس حكام «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، فيجب ألا تتردد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والحلفاء ذوو التوجه نفسه في استخدام الغالبية التي يشكلونها في المجلس لفرض هذه المسألة.
لقد رفضت إيران اتخاذ أيّ من الخطوتين التي يمكن أن توفرا ضمانات حقيقية بأنها قد تخلت عن رغبتها في امتلاك الأسلحة النووية. وتتجلى الخطوتان في: التخلي عن تخصيب اليورانيوم تماماً والتعاون مع التحقيقات التي تجريها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» من خلال الكشف الكامل عن الأنشطة النووية السابقة وتأمين النفاذ اللازم للتحقق من اكتمالها. إن الاستمرار في الإصرار على إجراء تحقيقات كاملة في أنشطة إيران النووية هو الاختبار الأول للعزم الدولي على تنفيذ الاتفاق النووي بدقة. وبالتالي، سيكون فشل هذا الاختبار بمثابة إشارة إلى طهران بأن الغرب سيسمح لها بفرض الشروط التي سيتم بموجبها تنفيذ الاتفاق في السنوات المقبلة. كما من شأنه أن يقلل من مصداقية الآليات الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية، وأن يشجع الأطراف الأخرى التي تنوي أن تكون قوى نووية، إذ سيظهر أنها ستتمكن من الهرب من المراقبة. لذلك، ومن أجل نجاح هذه الآليات في ردع إيران وغيرها في المستقبل، لا بد من المحافظة على استقامتها بورع.
مايكل سينغ
معهد واشنطن