تحركات في البرلمان المغربي لوضع حد لفوضى الإعلام الإلكتروني

تحركات في البرلمان المغربي لوضع حد لفوضى الإعلام الإلكتروني

تشكل الفوضى التي يشهدها قطاع الإعلام الإلكتروني في المغرب، مع بروز العشرات من المواقع الإخبارية خارج الأطر القانونية، محل قلق نيابي وأيضا من أهل القطاع، الذين دعوا إلى ضرورة وضع حد لهذا الوضع والتصدي لـ”صحافة الاسترزاق”.

الرباط – طالبت كتلة حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب المغربي، وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، بضبط ممارسة مهنة الصحافة بالمغرب، بعد بروز مواقع إلكترونية خارج الضوابط القانونية المعمول بها، واصفا هذه المواقع بأنها “لا تمت بأي صلة لمهنة الصحافة”.

وأشار حسن أومريبط، النائب عن فريق التقدم والاشتراكية في سؤال كتابي موجه إلى الوزير الوصي على القطاع، إلى أن قانون الصحافة والنشر يحدد تعريفا دقيقا للعمل الصحفي وضوابط الممارسة الصحفية والقواعد المتعلقة بأخلاقيات المهنة، قصد تولي قطاع الإعلام والصحافة لأدواره الطلائعية في بناء مجتمع منفتح وعصري.

ولفت أومريبط إلى أن الساحة الإعلامية تشهد في الفترة الأخيرة “بروز بعض المنابر والوجوه والقنوات والصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية التي لا تمت بأي صلة لمهنة الصحافة، بإنشائها خارج الضوابط القانونية المعمول بها وممارستها العلمية لأنشطتها واسترزاقها باسم العمل الصحفي، دون الاطلاع والتمكن من الرهانات الإعلامية والوطنية، مع الافتقار إلى التدقيق والتمحيص كآليات ضرورية في أي عمل صحفي”.

وسبق لوزير الشباب والثقافة والتواصل أن أكد أمام مجلس المستشارين، في مايو الماضي، أن قطاع الإعلام الإلكتروني “يعيش نوعا من الفوضى بسبب وجود عدد من المواقع الإخبارية غير المصرح بها، وهي في وضعية مخالفة للقانون”.

واعتبر الوزير في معرض جوابه على سؤال خلال جلسة الأسئلة الشفوية، حول “تنظيم الإعلام الإلكتروني”، تقدم به فريق التجمع الوطني للأحرار، أن قطاع الإعلام الإلكتروني “يعيش نوعا من الفوضى بسبب وجود عدد من المواقع الإخبارية غير المصرح بها، وهي في وضعية مخالفة للقانون”، مشيرا إلى أن عدد الصحف الإلكترونية المصرح بها بلغ 1215 إلى غاية سبتمبر 2022.

وعزا الوزير بنسعيد ما وصفه بـ”الفوضى” التي يعرفها هذا القطاع، إلى مدونة الصحافة والنشر لسنة 2016، لافتا إلى أن عددا من الصحف المصرح بها “لا تتوفر على مقاولة مهيكلة، ولا تؤدي واجبات الحماية الاجتماعية”.

وأكد البرلماني أومريبط أن هذه الوضعية كانت وراء بروز عدد من التجاوزات على مستوى أخلاقيات المهنة وقواعد الممارسة الصحفية، وتناسل كبير جدا لممتهني صحافة الاسترزاق، فتعدد ناشرو الأخبار بشكل عشوائي، والذين أصبحت منشوراتهم، خصوصا الإلكترونية، تحظى بمتابعة واسعة.

واعتبر أومريبط أن “التساهل مع هذه الوسائط والأشخاص جعل الممارسة الصحفية النبيلة مهنة من لا مهنة له، وهو ما ينطوي على تهديد حقيقي للصحافيين المهنيين الذين راكموا تجارب علمية ومهنية طويلة جدا، وللموضوعية ومصداقية ونزاهة المحتويات الإعلامية المنشورة”.

وجددت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالمغرب، التأكيد على أنها “منخرطة بلا هوادة في مواجهة الفوضى والتسيب والاستسهال في جزء من الصحافة الإلكترونية”، مبرزة أن هذا الجزء لا يمثل كل المواقع المغربية الغنية بالتجارب الجادة والمشرفة، مبرزة أنها ليست هي السلطة التشريعية في المغرب، لكن لديها ملاحظات بدورها على القوانين، وأنها شريك جدي وذو مصداقية في كل أوراش إصلاح قطاع الصحافة.

وتم تنظيم لقاءات ضمت الحكومة إلى جانب عدد من الهيئات المهنية، للحديث عن نموذج جديد للمقاولة الإعلامية الوطنية، التي تشتغل وطنيا ودوليا، بالنظر للتحديات الخارجية التي تواجه المغرب والتي تتطلب مواكبة إعلامية احترافية، مع تحقيق حكامة الدعم العمومي، وتشجيع المؤسسات الإعلامية على التحديث والتطوير وفق أهداف محددة.

وطالب الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية الوزير بنسعيد بالكشف عن الإجراءات التي ستقوم بها وزارته بتنسيق مع باقي الهيئات والمؤسسات المختصة، لضبط ممارسة مهنة الصحافة، وأيضا الآليات التي ستعتمدها الوزارة لمواجهة منتحلي صفة الصحافي.

وقد أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل أن الوقت “قد حان لتغيير الصحافة للحسم بشكل قانوني في تنظيم الإعلام الإلكتروني”، مشددا على ضرورة تحديد شروط جديدة لتأسيس الجرائد الإلكترونية، وأن تكون هذه الأخيرة في شكل مؤسسات صحفية تحترم شروط المؤسسات والشركات أولا، والحماية الاجتماعية ثانيا.

وشدد الوزير على أنه “لا يمكن أن نسمح اليوم بصحافيين يشتغلون دون ضمان اجتماعي وتقاعد، وبأجور زهيدة وننتظر منهم الجودة في ظل وجود مؤسسات دولية تمنح عروضا مهنية مشجعة”.

ويتفق البرلمانيون والمهنيون على ضرورة تقييم المرحلة السابقة، بعد مرور عشر سنوات على الحوار الوطني حول “الإعلام والمجتمع”، والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها، لاسيما بعد اعتماد المغرب لمدونة الصحافة والنشر، والتي أصبحت حسب كل المتدخلين من الضروري مراجعتها بشكل شامل، إذا أردنا إعلاما مغربيا قويا، داخل الوطن وخارجه.

◙ 1215 عدد الصحف الإلكترونية المصرح بها في المغرب إلى غاية سبتمبر 2022

وفي هذا الصدد أعرب محمد الغروس، مدير جريدة “العمق المغربي”، عن أسفه الشديد لوجود نوع من الإعلام يستثمر في التخلف، من خلال صنع التفاهة والرهان على أذواق المتخلفين من الناس، مشيرا إلى أن الأمر ما كان ليكون كذلك لو أن منسوب الوعي قد ارتفع قليلا.

وشدد الغروس على أن المشكلة التي تعرفها مهنة الصحافة اليوم، ليست فقط في مسألة القيم والأخلاق والأخلاقيات، بل كذلك في المهنة ذاتها وكيف يمارس هاته المهنة أبناؤها، في ظل الحضور المتزايد للمتطفلين ومنتحلي الصفة، والمئات من المواقع التي تشتغل خارج القانون دون رادع، والأنكى من ذلك حسب رأي المتحدث أن تكون الجهات التي يتعين عليها ردع مثل هاته المواقع، تعمل على توظفيها.

وتشدد الحكومة على التزامها بخلق مؤسسة إعلامية وطنية، للنهوض بأوضاع العاملين في المؤسسات الإعلامية الوطنية، تماشيا مع الورش الملكي للحماية الاجتماعية، حيث اعتبر وزير الثقافة والتواصل أن “تصور الحكومة اليوم للصحافة والمؤسسة الصحفية، لا ينبني على حلول ظرفية، وإنما التفكير في تصور شامل لا يقتصر على المقاولات فقط، بل يمتد إلى الصحافيات والصحافيين وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية”، مضيفا و”هو ما سيشتغل عليه وفق نفس المقاربة وإشراك جميع الفاعلين في القطاع”.

العرب