وقعت اشتباكات أول أمس السبت، في مدينة كركوك العراقية، بين مواطنين في المدينة، من العرب والتركمان والكرد، وأدى تدخل القوات الأمنية العراقية لوقوع أربعة قتلى وجرح العشرات وتوقيف 31 متظاهرا.
إعادة المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني كانت جزءا من اتفاق «إدارة الدولة» الذي جرى بين محمد شياع السوداني، والقيادة الكردية مقابل موافقتها على رئاسته للحكومة، وكان هذا المبنى واحدا من 32 مقرا آخر.
احتفلت الإدارة الكردية بعودة المقر ذي الطابع الرمزي إلى سيادتها بإصدار طابع يحتوي على صورة لتمثال تخليد القوات الكردية (البيشمركه) في كركوك وهو يحمل علم إقليم كردستان وكتب تحت الصورة «كركوك هي كردستان». وأثار القرار، في المقابل، مظاهر رفض من قبل العشائر العربية والمكوّن التركماني في المدينة، وحسب قول أحد مسؤولي العشائر العربية في المنطقة، فإن عودة المقر للحزب يمكن «أن تخلق توترات» زاعما أنه في الفترة التي كان الحزب مسيطرا «انتشر الظلم والاعتقالات والإساءة لمكونات عريقة».
تشير الاشتباكات، بداية، إلى العلاقات السيئة بين المكوّنات القومية التي يتشكل منها مواطنو المدينة، كما تشير إلى طبيعة المبنى نفسه، الذي يعتبر خارجا عن حدود إقليم كردستان جغرافيا، حيث نصب الرافضون للعودة مخيما أمام المبنى للاحتجاج في الأسبوع الماضي، كما قاموا بقطع الطريق بين اربيل وكركوك.
يتعارض هذا التوجه مع الأساس السياسي الذي يقوم عليه النظام العراقي الحالي، والذي يسمح للأفراد بالانتظام في أحزاب، وللأحزاب بفتح مقرات لها، وإذا كانت «كركوك لجميع العراقيين» كما قالت «الجبهة التركمانية العراقية» فما الداعي للاعتراض على وجود حزبي للحزب الديمقراطي الكردستاني؟ رد المعترضون على هذا كان إن المبنى مقر عسكري خارج حدود إقليم كردستان، وإذا دخلته البيشمركه، فهذا سيعتبر ضما، غير مباشر، لمناطق «متنازع عليها».
علّق مسعود بارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان، على الحادثة بوصف المتظاهرين بأنهم «مجموعة من قطاع الطرق ومثيري الشغب» واتهم القوات الأمنية بالتساهل مع «السلوك غير القانوني» للمتظاهرين، وباستخدام العنف ضد الشباب الأكراد، كما دعا رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، رئيس الوزراء «إلى التدخل الفوري للسيطرة على هذا الوضع غير المقبول».
رئيس الوزراء العراقي، طلب «تشكيل لجنة تحقيق» متعهدا «محاسبة المقصرين» و«تقديمهم للعدالة» وأمر بفرض حظر تجول في المدينة، وفيما أعلن محافظ المدينة «التريث في إخلاء مقر العمليات» أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا «ولائيا» (أي من طرف واحد) بوقف عملية الإخلاء، وكان هناك تعليق أيضا من وزير خارجية تركيا يدافع عن التركمان، ويندد بوجود عناصر من حزب العمال الكردستاني.
يمكن النظر إلى ما حدث في كركوك باعتباره يمثل «وضعا خاصا» بالمدينة وبالمقر موضوع النزاع، لكن تفحص طريقة تصرف القوات الأمنية، وإعطاء بعض المصداقية لادعاءات قيادة إقليم كردستان، يشيران إلى أن المسألة تتجاوز وضعية كركوك الخاصة، وتتعلق بديناميّات الصراع الداخلية في العراق، وكذلك ببعض دول الإقليم.
لقد وفرت الحادثة الأخيرة، التي حصدت أربعة أرواح، الفرصة لقوى سياسية تتجاوز المدينة نفسها، بينها «عصائب الحق» الشيعية، كما تشير بعض المصادر، لإعادة الوضع السابق، وتسديد ضربة لأهداف حكومة كردستان، وكذلك للاتفاق بين السوداني وبارزاني.
تشير الحادثة، أيضا، إلى أزمة المنظومة العراقية كلّها، التي يعصف بها الفساد، والطائفية، والنفوذ الخارجي.
القدس العربي