أربعة أهداف كبرى حددها وزير الخارجية الكويتي كأولوية لسياسة بلاده الخارجية يجمع بينها رابط مشترك يتمثل في الحفاظ عن أمن البلد واستقرارها ضمن محيط قريب لا يخلو من توتّرات ومطامع، ومحيط دولي أبعد يتميّز بالصراعات وتقلّب أمزجة كبار الفاعلين فيه.
الكويت – وضع وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم العبدالله الصباح حل المشاكل الحدودية مع كل من العراق وإيران ضمن أولويات السياسة الخارجية لبلاده، وذلك إلى جانب هدفين رئيسيين لتلك السياسة هما الحفاظ على أمن الكويت وسلامتها، والعمل على ضمان الاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى هدف رابع يتمثّل في تقوية علاقات الكويت وتحالفاتها مع دول العالم.
ويعكس حضور ثلاثة أهداف ذات صلة بالأمن والاستقرار ضمن أربع أولويات للسياسة الخارجية الكويتية حالة من عدم الاطمئنان تلازم الكويت بسبب وقوعها جغرافيا بجوار بلدين أحدهما غير مستقر هو العراق الذي تتداخل قواته المسلّحة مع ميليشيات طائفية منفلتة، والثاني ذو مطامح توسعية وينتهج سياسة تقوم على التدخل في شؤون جيرانه وهو إيران.
وأعادت إيران مؤخّرا إثارة خلافها بشأن الحدود البحرية مع الكويت من منظور أن لها حقوقا في حقل الدرّة النفطي وهو ما ترفضه الكويت بشدّة مؤكّدة أن ملكية الحقل المذكور تعود إليها بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية ولا دخل لأيّ طرف ثالث فيه.
أما العراق فما ينفكّ ساسته يتحدّثون عن خلافات حدودية بالمطلق مع الكويت بينما تتمسّك الأخيرة بأن الأمر يتعلّق فقط بالحدود البحرية بينما ملف الحدود البرّية محسوم بشكل نهائي وبقرارات أممية.
الدبلوماسية الكويتية ترصد ما يستجد في العالم من متغيرات وتضع في حسبانها نشوء عالم متعدد الأقطاب
وعلى الرغم مما تشهده العلاقات الرسمية العراقية الكويتية حاليا من استقرار، إلاّ أنّ دوائر كويتية تنظر بجدية إلى خطر تفجّر الصراع الحدودي بين الطرفين نظرا لتدخّل جهات غير رسمية عراقية في الموضوع وتحديدا بعض الميليشيات والأحزاب الشيعية التي لم تتردّد في العديد من المناسبات في توجيه تهديدات للكويت على أساس أنّها استولت على أراض عراقية بمساعدة قوى دولية والأمم المتحدة ضمن المسار الذي أعقب غزو الكويت من قبل الجيش العراقي مطلع تسعينات القرن الماضي.
ويضبط مسألة الحدود بين البلدين القرار الأممي 833 المؤرخ في 27 مايو 1993. ورغم أن صدور هذا القرار عن مجلس الأمن الدولي يجعله غير قابل للتعديل، إلا أنّ ذلك لا يمنع الجهات الرسمية وغير الرسمية العراقية من انتقاده والمطالبة بتجاوزه على اعتبار أنّه قرار معيب اتّخذ في فترة استثنائية تتميّز بحالة إدانة دولية شاملة للعراق وفي غياب الطرف العراقي المعني مباشرة بالمسألة وباعتماد خرائط ومخططات وصور قديمة.
ومع الجانب الإيراني تواجه الكويت مشكلة تلكّؤ طهران وعدم استجابتها لدعوات كويتية متكرّرة بإقفال ملف الحدود البحرية من خلال التفاوض المباشر أو اللجوء إلى التحكيم الدولي. وخلال الصائفة الماضية ردّت الحكومة الكويتية على إثارة الجانب الإيراني لقضية حقل الدرّة النفطي بتجديدها دعوة إيران لاستئناف محادثات ترسيم الحدود البحرية مؤكّدة امتلاكها لكافة الحقوق الحصرية في الحقل البحري مع السعودية، ومذكّرة باتّفاق البلدين الخليجيين العام الماضي على تطويره بشكل مشترك.
وتقول إيران إن الحقل الذي تسميه “آرش” يقع ضمن منطقتها الاقتصادية وذلك مواصلة لنزاع بدأ قبل عقود عدة.
وقالت وزارة الخارجية الكويتية آنذاك في بيان إنّ “الكويت والسعودية لهما وحدهما حقوق خالصة في الثروة الطبيعية في حقل الدرة”، وإن “دولة الكويت تجدّد دعوتها للجانب الإيراني إلى البدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني”.
وفي العام الماضي وقّعت الكويت والسعودية اتفاقا لتطوير الحقل على الرغم من اعتراض طهران التي وصفت الصفقة بأنّها غير شرعية.
وتلوّح طهران بفرض الأمر الواقع في الحقل المذكور ما سيمثّل في حال تنفيذه وصفة لتوتّر جديد في المنطقة تعاكس تماما مسار المصالحة الذي بدأ بين إيران والسعودية، حيث قال المدير التنفيذي لشركة النفط الإيرانية محسن خجسته مهر إنّ بلاده جاهزة “تماما لبدء عمليات الحفر في حقل آرش”، موضّحا “اعتمدنا موارد مالية كبيرة لتطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية وسنبدأ العمل في أقرب وقت حيث أن الظروف جاهزة”.
الكويت تواجه مشكلة تلكّؤ طهران وعدم استجابتها لدعوات كويتية متكرّرة بإقفال ملف الحدود البحرية من خلال التفاوض المباشر أو اللجوء إلى التحكيم الدولي
ويعود النزاع الدائر حول حقل الدرة إلى ستينات القرن الماضي حين منحت إيران امتيازا بحريا للشركة النفطية الإنجليزية – الإيرانية التي أصبحت لاحقا “بي بي”، فيما منحت الكويت الامتياز إلى “رويال داتش شل”. ويتداخل الامتيازان في القسم الشمالي من الحقل والذي تقدّر احتياطاته بنحو 220 مليار متر مكعب من الخام.
وأجرت إيران والكويت على مدى سنوات محادثات حول حدودهما البحرية الغنية بالغاز الطبيعي، لكنّها باءت كلّها بالفشل. ودفع تنقيب إيران في الحقل في العام 2001 الكويت والسعودية إلى إبرام اتفاق بشان الحدود البحرية نصّ على أن تطوّرا بشكل مشترك المنطقة الواقعة قبالة سواحلهما.
وفي سياق أوسع لم يخف وزير الخارجية الكويتي قلق بلاده إزاء الوضع الدولي ومتغيراته العاصفة وهو موضوع لا ينفصل بدوره عن موضوع أمن البلد واستقراره على اعتبار الكويت تعوّل في حماية مجالها من التهديدات الخارجية على تحالفها المتين مع الولايات المتحدة التي أبدت خلال السنوات الأخير مزاجا سياسيا متقلّبا لاسيما تجاه حلفائها التقليديين في المنطقة.
وقال الشيخ سالم الصباح إن الدبلوماسية الكويتية جاهزة ومستعدة لمواجهة كافة التحديات التي يشهدها العالم. وذكر في تصريحاته لصحيفة “الرأي” المحلّية “لا يخفى على أحد أن عالمنا اليوم يشهد تغيرات جيوسياسية وجيو – إستراتيجية كبيرة. القوى العظمى تتصارع اليوم في صراع عسكري غير مباشر بين القوى العظمى في أوروبا وفي أوكرانيا تحديدا، وصراع اقتصادي بين الدول العظمى ما بين الغرب والصين، هذا الصراع يسبب لنا قلقا كبيرا جدا كدولة صغيرة في هذا العالم، فنحن نتابعه عن كثب ونحاول التعامل معه قدر المستطاع”.
وأكد أن “المشهد الدولي اليوم ليس واضحا وإلى أين يتجه”، متسائلا “هل سيكون متعدد الأقطاب”، ومضيفا “دول إقليمية قوية لها حسبتها ليس في منطقتنا فحسب بل حول العالم”.
العرب