تركيا خصم وحكم في مسار السلام بين أذربيجان وأرمينيا

تركيا خصم وحكم في مسار السلام بين أذربيجان وأرمينيا

في هجوم غير متوقع وسريع في 19 سبتمبر الماضي سيطرت أذربيجان على ناغورني قره باغ، مما أدى إلى نزوح جماعي للسكان الأرمن المدنيين ودفع الخبراء إلى إعلان بداية نهاية النزاع الإقليمي الذي طال أمده.

ويقول ألبير جوشكون، زميل برنامج أوروبا ويقود المشروع التركي والعالمي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في تقرير نشرته المؤسسة، إنه بعد خمسة أيام فقط، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناختشيفان، وهي منطقة أذرية على الحدود التركية، حيث استضافه الرئيس الأذري إلهام علييف.

وكان توقيت هذه الزيارة والرسائل التي تم تسليمها ومكانها مليئا بالرمزية. واحتفل أردوغان وعلييف بانتصار أذربيجان، وجددا التعهدات المتبادلة بالتضامن، وأشارا إلى ممر بري محتمل من ناختشيفان عبر أرمينيا يربط بين بلديهما.

◙ توقيت زيارة أردوغان إلى أذربيجان بعد «النصر» مباشرة والرسائل التي تم تسليمها ومكانها كان مليئا بالرمزية في وقت كان الغرب يتابع ما يجري دون اتخاذ قرارات
◙ توقيت زيارة أردوغان إلى أذربيجان بعد “النصر” مباشرة والرسائل التي تم تسليمها ومكانها كان مليئا بالرمزية في وقت كان الغرب يتابع ما يجري دون اتخاذ قرارات
وكانت الزيارة استعراضا للقوة في تجاهل للبيانات الدولية التي تعرب عن القلق إزاء الحالة الإنسانية وإدانة العمل الانفرادي الذي اتخذته أذربيجان. ولكن في خضم الأحداث، قد يظهر جانب مشرق ألا وهو نهاية الصراع واتفاق سلام محتمل بين أرمينيا وأذربيجان يمكن أن يمهد الطريق لعملية تطبيع إقليمية أكثر شمولا تضم تركيا.

ويشير تاريخ المنطقة المشحون والمحاولات الفاشلة العديدة في الماضي إلى أن احتمالات النجاح ضئيلة، لكن التقارب بين عاملين قد يكون سببا للتفاؤل، خاصة إذا قررت تركيا أخذ زمام المبادرة.

والعامل الأول، وفقا لجوشكون، هو نهاية الحلم الأرمني طويل الأمد باستقلال ناغورني قره باغ. هذا التحول النموذجي يسوي توقعات أذربيجان من خلال استعادة سلامتها الإقليمية. كما أنه يحرر يد تركيا في السعي إلى التطبيع الكامل مع أرمينيا، لأن قضية ناغورني قره باغ كانت دائما حجر عثرة رئيسي.

والعامل الثاني هو الفرصة التي يتيحها الموقف الواقعي والتطلعي الذي اتخذه رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، والذي تجسد في مشاركته البناءة مع تركيا واستعداده للاعتراف بالسلامة الإقليمية لأذربيجان. ومع ذلك، فإن باشينيان يتعرض لضغوط ويجد نفسه في وضع هش. وبعد أحداث الشهر الماضي، يظهر الأرمن علامات الاستياء المتزايد. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا غير راضية عن موقف باشينيان المؤيد للغرب وتحذر من “مستقبل لا يحسد عليه”.

ويرى جوشكون أن التدفق الجماعي لأرمن ناغورني قره باغ، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، سيزيد من المخاطر المحلية لباشينيان، وسوف ترى روسيا في ذلك فرصة لزيادة احتمالات سقوطه. وهو المكان الذي تحتاج فيه أذربيجان وتركيا إلى لعب أوراقهما بحكمة.

وإذا وضعت أنقرة طاقتها في جهد مخلص من أجل المصالحة الإقليمية، وأقنعت باكو التي قد تكون مترددة في الانضمام إلى هذا الجهد، وحشدت دعم الولايات المتحدة وغيرها، فقد تتحول الاحتمالات لصالح تحقيق سلام مستدام. وهو ما لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، وينطوي على عملية مفاوضات شاقة. ولكن أيّ زخم في هذا الاتجاه سيكون موضع ترحيب.تفيد حالة التنافس والصراع في جنوب القوقاز روسيا بشكل كبير، فهي توفر فرصا لموسكو لتأليب الجهات الفاعلة الإقليمية ضد بعضها البعض والتأثير على التطورات والنتائج، بما في ذلك من خلال أدوار الوساطة وحفظ السلام.

ويثير الجمع بين شراكة روسيا النامية مع أذربيجان وعلاقتها الوثيقة مع تركيا (أقوى حليف لأذربيجان) التساؤل حول ما إذا كانت الدول الثلاث قد نسقت مؤخرا بنشاط ضد أرمينيا. وفي حين أنه لا يمكن إنكار صورة التقارب بين الدول الثلاث، فإن طبيعة علاقاتها مع بعضها بعضا معقدة.

ويقول جوشكون إن تركيا وروسيا في تنافس مستمر، وهو ما حدث تاريخيا في أماكن مثل القوقاز وآسيا الوسطى، على الرغم من أن ذلك لم يتضح على الفور في ظل تقاربهما الأخير.

ومن شأن تطبيع العلاقات في جنوب القوقاز أن يفتح آفاقا جديدة للتعاون والتواصل في المنطقة، مما يسمح لتركيا بتولي دور قيادي وجني فوائد سياسية واقتصادية وتجارية كبيرة. وهذا من شأنه أن يترجم إلى نفوذ جيوسياسي متزايد للبلاد، ومن منظور موسكو الصفري، من المرجح أن ينظر إليه على أنه يأتي على حساب روسيا.

وتدرك روسيا هذا الخطر ويمكن توقع أن تحاول تعويضه بطريقتين، أولا من خلال إعادة نفوذها على أرمينيا من خلال بديل مماثل لباشينيان. ونفور موسكو من باشينيان آخذ في الازدياد، لذا فإن افتراض أن روسيا سترحب بتغيير الحرس في يريفان، وربما تفكر في طرق لتسهيل ذلك، لن يكون بعيد المنال.

والهدف من ذلك هو عكس مدار أرمينيا نحو الغرب وضمان عدم انخراطها بشكل هادف في تعزيز التطبيع الإقليمي، الأمر الذي ستعتبره موسكو مفيدا في المقام الأول لتركيا.

ويركز خط الجهد الثاني لروسيا على استرضاء تركيا وأذربيجان واغتنام الفرص لتعميق خط الصدع بينهما وبين الغرب. ويتم بذلك من خلال الرسائل والإجراءات التي من شأنها أن يتردد صداها بشكل إيجابي. ولم يكن اختيار روسيا أن تغض الطرف عندما استولت أذربيجان على ناغورني قره باغ مصادفة. لقد كانت طريقة لضرب عصفورين بحجر واحد من خلال معاقبة أرمينيا الموالية للغرب ومكافأة أذربيجان ذات التفكير المماثل والطاعة بشكل متزايد.

وصرح أردوغان مؤخرا بأنه يثق بروسيا بقدر ما يثق به حلفاؤه الغربيون. وربما كانت نيته تتعلق بازدراء الغرب أكثر من الإشادة بروسيا، لكن هذا لا يغير حقيقة أنه لا يثق في أي من الجانبين. وتكمن ميزة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قدرته على الحصول على أفضل ما لدى أردوغان من خلال اللعب على خصومته غير السرية مع الغرب.

من شأن تطبيع العلاقات في جنوب القوقاز أن يسمح لتركيا بتولي دور قيادي وجني فوائد سياسية واقتصادية كبيرة

والمشكلة بالنسبة إلى أنقرة هي أن روسيا تجد أنه من الأسهل اتخاذ القرارات وفرض إرادتها عندما تكون تركيا معزولة. وأردوغان ليس غريبا على هذا الواقع ويجب أن يعرف ذلك بصورة أفضل.

ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا قد وضعت بالفعل ثمنا لموافقتها الصامتة على الهجوم الأذري الأخير على ناغورني قره باغ. والحقيقة هي أن دورها في حفظ السلام والمسؤولية التي تحملتها “للإشراف على روابط النقل”، بما في ذلك بين ناختشيفان وأذربيجان الغربية، يمنحها نفوذا كبيرا.

ويتساءل جوشكون إذا كان القرن الحالي هو بالفعل “قرن تركيا”، كما تحرص آلة الدعاية التابعة لحكومة أردوغان على تذكير الأتراك وبقية العالم به، فلماذا لا نبدأ هذه الحقبة بالسعي إلى السلام في جنوب القوقاز؟ وإذا تقدمت تركيا إلى مستوى المسؤولية، فينبغي على حلفائها الغربيين أن يحذوا حذوها.