كثيراً ما تساءل الإيرانيون حول سر امتلاك إسرائيل قدرات نووية في حين يثار تخوف المجتمع الدولي من اتخاذ طهران الخطوة نفسها.
واقع الأمر أن أهم الكوابح الإقليمية للمشروع الإيراني للهيمنة تنبع بشكل أساس من طبيعة وسمات هيكل القوة بالشرق الأوسط، إذ يتسم بتشتت مصادر القوة وعدم تركيزها لصالح إحدى القوى الإقليمية، فضلاً عن كونه بيئة صراعية، وليست تعاونية، لذا فالشرق الأوسط ليس أحد النظم الإقليمية التي قد تشهد استقراراً بتأسيس نظام قائم على الهيمنة أو تفوق وسيادة لإحدى وحداته بلا منازع، بل يشهد سعياً للتوازن بين وحداته، وأحياناً التحالفات لموازنة طموح الدول الساعية للهيمنة.
واعتادت الدول حال سعي دولة بالإقليم إلى تغيير توازن القوى الذي يدعو إلى الاضطراب أن تعمل على التحالف والاتحاد في مواجهة العاصمة الساعية إلى تغيير التوازن، فتوازن القوى أكثر استقراراً من نظام قائم على الهيمنة الفردية.
وتمثل القدرات النووية أهم أدوات تغير ميزان القوى بين دول الإقليم، فقد استقر الشرق الأوسط على توزيع هيكل القوة على نحو لم يجعل قوة إقليمية واحدة تستأثر بوضع الأفضلية للتربع على قمة هيكل توزيع القوة بين دول الشرق الأوسط. وتعد إيران إحدى القوى الإقليمية الساعية ليس فقط إلى الهيمنة، بل إلى إحداث خلل في توازن المنطقة القائم منذ سنوات طويلة.
وفى إطار سعيها إلى الهيمنة والنفوذ سعت إيران إلى استفزاز دول الإقليم باتباع استراتيجية عدة الأبعاد، فكان هناك تدخل في شؤون الدول الداخلية على النحو الذي جعلها تعزز قوة الجماعات والفاعلين أمام سلطة الدولة المركزية، وتعزيز الانتماءات الأولية من دون الانتماء إلى الدولة الوطنية.
من جهة أخرى تمارس إيران استعراض القوة، سواء في مياه الخليج العربي، دون مراعاة لحسن الجوار عبر إجراء كثير من التجارب الصاروخية، واستعراض قدراتها الهجومية، مع إطلاق التهديدات بإمكانية مهاجمة أهداف إقليمية مجاورة، كل ذلك يثير ما يسمى في العلاقات الدولية والصراع الدولي المعضلة الأمنية.
ويؤدي بناء بعض الدول قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية مع التشكك في نواياها إلى إثارة التخوفات لدى جيرانها الإقليميين على نحو يدفعهم إلى تعزيز قدراتهم العسكرية أيضاً وبشكل أكثر تفوقاً.
وكلما كثفت إيران من سياستها التوسعية خارج حدودها بما يتصادم مع مصالح دول الإقليم يتباهى العسكريون الإيرانيون بنفوذ طهران على حساب مصالح دول المنطقة.
من ثم فإن تطوير إيران قدراتها النووية تستهدف منه ليس فقط استعراض القوة، وإنما تغيير توازن القوى الإقليمي القائم وخلق توازن قوى جديد بما يصب في صالحها، ومن المرجح أن تؤدي إيران المسلحة نووياً إلى إشعال سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو سباق من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار، فضلاً عن تعميق سياسة طهران التوسعية والعدوانية تجاه دول الإقليم والقائمة على الشعور بالتميز والاستثنائية وليس حسن الجوار ومراعاة مصالح الآخرين.
لذا يعد المشروع النووي الإيراني هاجساً لكل دول المنطقة التي تسعى إلى إبقاء الوضع الراهن لتوازن القوى الإقليمي كما هو عليه، ذلك أن تحول طهران لقوة نووية يعني تغير ميزان القوى القائم لصالح الأخيرة، وفي الوقت ذاته ستسعى الدول الخليجية والعربية إلى امتلاك قدرات نووية أعلى في حالة الاعتراف بإيران كدولة عتبة نووية.
الخلاصة أنه لا توجد دولة تسعى إلى امتلاك السلاح النووي لاستخدامه، إنما لتغيير ميزان القوى وزيادة قدرات الردع لديها، وهو ما ستسعى إليه دول المنطقة في مواجهة إيران.