بون (ألمانيا)- يصنف صندوق سولك للتهديدات العالمية أزمة المناخ بأنها من بين القضايا ذات الأولوية في الاهتمام العالمي، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد السلاح النووي والصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
لكن، وفيما تبقى قضيتا السلاح النووي والصراع في الشرق الأوسط محدودتين بالحسابات الجغرافية وعدد الدول المتأثرة بإحدى هاتين القضيتين، فإن أزمة المناخ أزمة عالمية تهدد كوكب الأرض بشكل أشمل.
وتتفق الدراسات ومختلف القراءات على أن تغيّر المناخ يشكل تحديا للأمن القوميّ، لكن تأخر الحل والتردد في توقيع الاتفاقيات مرده، وفق خبراء في مؤسسة راند البحثية، أن التحدّيات الناتجة عن التغيرات المناخية، من منظور الولايات المتحدة والبلدان الغنيّة الأخرى هي تحديات غير مباشرة في أغلبها مقارنة بالبلدان الأكثر فقرا، هذا بالإضافة إلى الأسباب السياسية والاقتصادية التي تجعل قضية المناخ قضية استراتيجية لا فقط قضية بيئية.
ويقول خبراء في مؤسسة راند إنه يمكن التفكير بتغيّر المناخ وتأثيراته من خلال ثلاث محطّات في كل منها سلسلة من الآثار. الأولى هي التغيّر المباشر في متوسّط حرارة سطح الأرض إضافة إلى التغيّر في أنماط الطقس، الذي لعلّه أكثر أهمّيّة، بحيث تنتُج عنه ظواهر مناخية أكثر عنفا.
والمحطة الثانية هي تأثير تغيّر المناخ على العوامل الأساسيّة الحرجة بالنسبة للبشر كالمياه والزراعة والأمراض. وستدفع آثار المحطتَين الأولى والثانية البشرَ إلى الاستجابة، مما سيقود إلى سلسلة الآثار في المحطة الثالثة، أي التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمؤسّساتيّة، التي ستؤثّر بدورها على الاقتصادين الإقليميّ والدوليّ وعلى البيئة الأمنيّة. وهاتان السلسلتان الثانية والثالثة هما ما يثير مخاوف الأمن القوميّ.
لاجئون بسبب المناخ
كشف خبراء عسكريون أميركيون أن تأثيرات التغير المناخي قد تتسبب في نزوح حوالي عشرين مليون إنسان على مدى السنوات العشرين القادمة. وضمّن الخبراء ملاحظتهم في دراسة صدرت عن مؤسسة العدالة البيئية، وركزت بشكل رئيسي على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
وذكرت أن سوريا مثلا شهدت أسوأ موجة جفاف منذ 900 سنة. وأدت تلك الموجة إلى خسارة الفلاحين مصادر رزقهم وسبل عيشهم، وأجبر حوالي مليون سوري على ترك أراضيهم والرحيل عنها بسبب الجفاف، وذلك قبل أن تندلع الحرب.
ويذهب أحد الخبراء إلى حد القول إن “أوروبا تعتقد أنها تعاني من مشكلة كبيرة من الهجرة اليوم، غير أن عليها الانتظار عشرين سنة لترى موجة الهجرة الضخمة من أفريقيا وخصوصا من المنطقة المحاذية للصحراء الكبرى في أفريقيا”، فيما نقلت وكالة دوتشيه فيلله الألمانية عن العميد في الجيش الأميركي ستيفان تشيني تأكيده أن “المسألة تتطلب الاستجابة السريعة والوافية لتحدي المناخ” وتأثيراته على التوازن البيئي على كوكب الأرض وعلى الكثير من الكائنات الحية: حيوانات ونباتات وأيضا البشر.
وذهب في نفس السياق، المستشار العلمي السابق للحكومة البريطانية، ديفيد كينج، بتأكيده أن تغيرات المناخ التي ستطرأ على أجزاء من قارة أفريقيا ستقود بطبيعة الحال أعدادا هائلة من البشر للبحث عن ملجأ آخر لهم. و”ما نتحدث عنه الآن هو تهديد وجودي لحضارتنا على المدى الطويل، ويتطلب استجابة بشرية على مقياس لم يتحقق من قبل”.
ودق المجتمعون في مدينة بون الألمانية، ضمن فعاليات مؤتمر المناخ العالمي (16 – 17 نوفمبر) ناقوس الخطر، مشيرين إلى أن التغيرات المناخية بدأت تلامس أسوأ السيناريوهات.
ويقدر العلماء أن درجة حرارة الأرض سترتفع في القرن الحالي إلى معدلات تتراوح بين 3 و4 درجات مئوية؛ ما يعني ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 88 سنتيمترا؛ الأمر الذي يهدد بغرق بعض المناطق المتاخمة للبحار والمحيطات في الكثير من المناطق حول العالم.
ومن المنتظر أن تتحدد بنهاية المؤتمر ملامح الإجراءات التي ستتفق عليها 195 دولة من أجل المضي قدما في تطبيق اتفاقية باريس الدولية لحماية المناخ المبرمة في 2015. وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الدول الصناعية “من الفشل في تحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ، بأن تكون الزيادة القصوي في درجة حرارة الأرض بنهاية القرن الحالي درجتين مئويتين”.
ويرمي اتفاق باريس إلى احتواء ارتفاع معدل درجات الحرارة بوضوح دون الدرجتين المئويتين مقارنة بمستويات درجات الحرارة في الحقبة ما قبل الصناعية، ومواصلة تنفيذ الخطوات الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
ولتحقيق هذه الغاية، ينصّ الاتفاق على أن تراجع جميع البلدان التزاماتها كل خمس سنوات بغية خفض انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بها. ويجب أن تسجّل كل مساهمة من المساهمات المحدّدة وطنيا تقدما مقارنة بالمساهمة السابقة.
كما التزمت الأطراف في الاتفاق بالوصول إلى ذروة انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى العالمي في أقرب وقت لكي يتسنى تحقيق التوازن بين الانبعاثات والتعويض عنها في النصف الثاني من القرن الحالي. كما التزمت الدول بزيادة جهودها في ما يخص التخفيف وخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
ويقرّ الاتفاق أيضا بإمكانيات الجهات الفاعلة غير الحكومية كالمنشآت والبلديات والجمعيات على وجه الخصوص. وتتجلى مشاركتها في المبادرات المتنوعة التي تقوم بها في سياق برنامج العمل الذي يُعدّ ركنًا من أركان اتفاق باريس بشأن المناخ. وتتيح التزامات الجهات الفاعلة غير الحكومية تجسيد النقلة النوعية التي يسعى اتفاق باريس بشأن المناخ إلى تحقيقها والتي تتمثّل في الانتقال إلى اقتصاد خفيض الكربون. ولا تحل هذه الأنشطة الطوعية التي تنظّمها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني محل أنشطة الدول الأطراف، بل إنها تُسهم في تسريع وتيرتها وترسيخها.
زيادة الانبعاثات
من المقرر أن تعمل وفود الدول المشاركة في المؤتمر خلال هذا الأسبوع على صياغة مسودات للإجراءات المنتظر اتباعها، والتي من بينها على سبيل المثال تحديد آليات قياس الانبعاثات الكربونية وتسجيلها، خصوصا بعد أن كشفت أحدث الدراسات عن ارتفاع في انبعاثات الكربون العالمية.
وخلال المفاوضات بشأن تفاصيل اتفاقية باريس للمناخ كشفت دراسة أن انبعاثات الكربون العالمية ستسجل ارتفاعا جديدا هذا العام بنسبة اثنين في المئة، مما يوجه ضربة للآمال في أن الانبعاثات بلغت بالفعل ذروة لن تتخطاها.
وكانت مستويات انبعاثات الكربون مستقرة تقريبا بين عامي 2014 و2016 لكنها سترتفع هذا العام فيما يعود بالأساس إلى زيادة الانبعاثات في الصين بعد تراجع استمر عامين. وتمثل النتائج خطوة إلى الوراء في طريق تحقيق الهدف العالمي المتمثل في كبح الانبعاثات لتجنب المزيد من الأمطار الغزيرة والموجات الحارة والارتفاع في منسوب البحار.
وجاء في النتائج التي توصل إليها (مشروع الكربون العالمي) الذي يضم 76 عالما من 15 دولة “لم يكن الارتفاع المسجل العام الماضي ذروة الانبعاثات”.
وأفادت النتائج أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الوقود الأحفوري والنشاط الصناعي، وهما المصدران الأساسيان للغازات المسببة للاحتباس الحراري، في طريقها لتسجيل زيادة اثنين في المئة في 2017 مقارنة مع 2016 لتبلغ ارتفاعا قياسيا عند نحو 37 مليار طن.
وقال جلين بيترز أحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة من مركز أبحاث المناخ العالمي في أوسلو إن الانبعاثات في الصين ستسجل ارتفاعا قدره 3.5 في المئة بسبب زيادة الطلب على الفحم مع نمو اقتصادي أقوى. والصين مصدر 30 في المئة من الانبعاثات على مستوى العالم وتأتي في المركز الأول تليها الولايات المتحدة.
وستسجل الانبعاثات في الولايات المتحدة تراجعا نسبته 0.4 في المئة في 2017 وهو تراجع ضئيل مقارنة بالأعوام الأخيرة يتسبب فيها أيضا حرق المزيد من الفحم. وقال بيترز إننا على مستوى العالم “على الأرجح نسير في اتجاه تصاعدي للانبعاثات خلال السنوات المقبلة بدلا من الحفاظ على مستوياتها أو تقليلها”.
وأرجعت الدراسة الاتجاه المتزايد لاستخدام الفحم إلى ارتفاع سعر الغاز الطبيعي الذي جعل استخدام الفحم أرخص في محطات توليد الكهرباء وليس بسبب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤيدة لاستخدام الفحم.
وتجدد الجدل حول توجه واشنطن نحو زيادة إنتاج الوقود الأحفوري حين قال مسؤول في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة تأمل في ترويج استخدام أوسع نطاقا للوقود الأحفوري، مما يعكس الانقسام بين واشنطن وباقي العالم بشأن قضية ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وقال المسؤول للصحافيين في إفادة إن إحدى ثلاث أولويات للإدارة الأميركية هي “الوصول عالميا لمصادر طاقة رخيصة ويعتمد عليها بما يشمل الوقود الأحفوري عالي الكفاءة”. وأضاف أن الأولويتين الأخريين هما “دعم وجود أسواق طاقة مفتوحة وتنافسية تعزز أمن الطاقة والابتكار والتكنولوجيا وفك الارتباط بين تزايد الانبعاثات الضارة والتنمية الاقتصادية”.
وأكد تقرير نشر على هامش المؤتمر أن الولايات المتحدة ستفوت التزامات تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة التي قطعتها في اتفاقية باريس. وأوضح التقرير أن الجهود المتزايدة على المستوى الداخلي لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأميركية لن تكفي في مواجهة قرار ترامب إلغاء سياسات سلفه المناخية والاستعاضة عنها بتعزيز استخدام الوقود الأحفوري. وجاء في التقرير أنه “نظرا إلى السياسات المعلنة للإدارة الأميركية الحالية، لا تكفي الالتزامات غير الفيدرالية الراهنة للوفاء بالتزامات الولايات المتحدة المقطوعة في اتفاقية باريس”.
العرب اللندنية