القاهرة- وضع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أظهر حماسا في دعم إسرائيل بلا حدود بصفته الشخصية كيهودي، والدبلوماسية كوزير خارجية، سقفا مسبقا لنتائج جولته العربية، ولم يجد ما يتمناه من دعم سياسي في غالبية المحطات التي قام بزيارتها، بشأن إدانة ما قامت به حركة حماس باتجاه إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري.
وشجبت الدول العربية التي زارها العنف تجاه المدنيين من الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، وطالبت بالتهدئة ووقف التصعيد المتبادل ورفع الحصار عن غزة.
وأكد وزير الخارجية الأميركي الأحد في القاهرة أن حلفاء الولايات المتحدة العرب “متمسكون بألا يتسع نطاق النزاع مع إسرائيل” بعد جولة قام بها في ست دول عربية.
وقال قبيل مغادرته القاهرة في طريقه إلى إسرائيل “لا ينبغي أن يصب أحد الزيت على النار في مكان آخر”، فيما أثار القصف المتبادل على الحدود بين لبنان إسرائيل مخاوف من أن تتحول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية إلى نزاع إقليمي. وأضاف أن الدول العربية التي زارها “تستخدم قنواتها الخاصة للتأكد من أن ذلك لن يحدث”.
وفي مسعى للتهدئة، أكد بلينكن أنه واثق من أن المساعدات الإنسانية ستعبر من مصر إلى غزة. وقال إن معبر “رفح سيفتح”، و“إننا نضع مع الأمم المتحدة ومصر وإسرائيل آلية لإيصال المساعدات إلى من يحتاجون إليها”.
واستبقت القاهرة زيارة بلينكن لها برفض مقترح يسمح لرعايا الولايات المتحدة في غزة بالخروج عبر معبر رفح المصري، مشترطة أن يتم ذلك في إطار موافقة على إدخال المساعدات الإنسانية والدوائية إلى القطاع بعد قيام إسرائيل بقطع المياه والكهرباء والغاز وتجويع سكانه وعدم التوقف عن القصف المتواصل للمدنيين.
وبدا أن هناك تباعدا في الرؤيتين المصرية والأميركية على وقع التصعيد في غزة، وقد تتزايد الفجوة في الأيام المقبلة عقب تمسك واشنطن بمنح ضوء أخضر للقيادة الإسرائيلية بالإسراف في العنف تجاه غزة وتوفير مساندة سياسية وعسكرية لها.
ورأس الرئيس عبدالفتاح السيسي الأحد اجتماع مجلس الأمن القومي، وتم استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية، والتصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، والتأكيد على أن أمن مصر القومي “خط أحمر ولا تهاون في حمايته”.
تباعد في وجهات النظر بين مصر والولايات المتحدة على وقع التصعيد في غزة، وقد تتزايد الفجوة في الأيام المقبلة في ظل تمسك واشنطن بمنح ضوء أخضر لإسرائيل بالإسراف في العنف
وأشار استخدام عبارة الخط الأحمر هنا إلى صرامة الموقف عندما يتعرض الأمن القومي إلى تهديدات إقليمية، ما يحوي مضمونا بعدم استبعاد اللجوء إلى خيارات غير مسبوقة في هذه الحالة، وهي إشارة تردّ على من روّجوا بقبول مصر توطين فلسطينيي غزة في سيناء أو أن قيادتها سوف تقبل أيّ إملاءات أميركية في هذا الاتجاه.
وعلى الرغم من اللهجة الحاسمة، وربما الخشنة في هذه المسألة، إلا أن الدبلوماسية كانت حاضرة في الخطاب المصري كدليل على التمسك بالحلول السياسية في حل القضايا الإقليمية، والبحث عن طاقة أمل توقف طوفان العنف في الأراضي المحتلة.
وتمخض اجتماع مجلس الأمن القومي عن توجيه مصر دعوة إلى استضافة قمة إقليمية – دولية من أجل تناول تطورات القضية الفلسطينية ومستقبلها، ومواصلة الاتصالات مع الشركاء لخفض العنف ووقف استهداف المدنيين وإيصال المساعدات.
ويرمي طرح القمة إلى إيجاد حل جماعي لحرب غير تقليدية بين إسرائيل والفلسطينيين، يمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية، مع تلميحات بانخراط إيران في دعم حركة حماس على نطاق واسع، واحتمال تدهور الأوضاع على جبهة لبنان ودخول حزب الله المعركة وفتح جبهة ثانية على إسرائيل، علاوة على وصول حاملة طائرات أميركية إلى شرق البحر المتوسط وانتظار وصول حاملة أخرى إليه قريبا.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن القمة المقترحة، حال التوافق بشأنها، من المتوقع أن تضم إلى جانب مصر كلاّ من الولايات المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وتركيا والسعودية والأردن والإمارات، بهدف إيجاد زخم سياسي في خضم الحرب أملا في التوصل إلى تهدئة عسكرية قريبا.
وذكرت المصادر ذاتها أن القاهرة أجرت حوارات حول القمة مع دول عديدة، وتلقت إشارات إيجابية من دول غربية تتحسب من تعرض مصالحها إلى خسائر كبيرة مع تزايد حدة الانتقادات الموجهة إليها واتساع نطاق المظاهرات ضدها، لكنها لا تزال مترددة خشية أن تتعرض إلى لوم من القيادة الإسرائيلية المندفعة بقوة نحو الحرب.
وقال الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” إن اجتماع مجلس الأمن القومي المصري رسم بوضوح المنهج الذي تسير عليه الدولة رسميا، وبعث بإشارات تحمل صرامة ومرونة أيضا، ما يعني أن مصر مستعدة لمجابهة كل الخيارات، لكنها تتمسك بخيار السلام، والذي يحتاج إلى تكاتف إقليمي ودولي، وتخلي القوى المعنية به عن تأييد لهجة التصعيد التي تتبناها إسرائيل.
وأوضح أن توقيت الاجتماع الذي عُقد برئاسة السيسي يشير إلى خطورة الأوضاع في المنطقة، فهي قابلة لتخرج عن المسارات السابقة التالية للحروب بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وهذه حرب لها خصوصية ما يجعلها في حاجة إلى جهود كبيرة لكبح تحركات القيادة الإسرائيلية التي وجدت في الدعم الغربي فرصة للتمادي في العنف.
وحذر فؤاد أنور في حديثه لـ”العرب” من المضي في هذا الطريق، لأن الدخول فيه لا يضمن لإسرائيل أن تحقق بنك أهدافها، ومن أبرزها القضاء على حماس وهندسة الخارطة الجيوسياسية في غزة والمنطقة، معتبرا أن المقاومة الفلسطينية غير محصورة في حماس فقط، وأن انتهاء حماس عسكريا قد يفضي إلى ظهور أكثر من حماس.
العرب