قبل خمسة أيام من مجزرة مشفى المعمداني، أطلق جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، تصريحا على منصة «إكس» قال فيه إن «حماس هي الخطر الأعظم للشعب الفلسطيني. إنهم يختبئون في المشافي والمدارس، مستخدمين النساء والأطفال كدروع بشرية. خسارة أي مدني هي مأساة. فلسطينيا كان أم إسرائيليا ـ حماس هي سبب هذه الخسارة».
يتضمن هذا التصريح، سواء تقصد الوزير ذلك صراحة أم لم يتقصد، تحريضا على قصف المشافي والمدارس، وإبراء لذمة إسرائيل من قتل النساء والأطفال بإعلانه، سلفا، أن «حماس هي السبب».
غير أنه على عكس كليفرلي، الذي «حرّض على القتل ثم شارك في الجنازة» عبر تقديمه العزاء للسلطات الفلسطينية بمقتل المئات من المدنيين الأبرياء، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي زار إسرائيل بعد جرائم الحرب في مشفى الأهلي العربي المعمداني، قدم إبراء فعليا لذمة إسرائيل من ارتكاب المجزرة، وقام بتحميلها لمن سماه «الجانب الآخر».
كما فعل في تجاهله للمنطق البسيط في ترديد مزاعم ذبح «حماس» لأطفال إسرائيليين، فقد اعتمد بايدن، ببساطة، رواية إسرائيل، التي استخدمت مقطع فيديو يزعم أنه يوثق استهداف المشفى بصواريخ فاشلة من حركة حماس، وهو شريط فيديو يعود لتاريخ 6 آب/أغسطس 2022.
الوزير اليوناني السابق للاقتصاد، والمفكر المعروف، يانيس فاروفاكيس، علّق على التسلسل الآنف بالقول إن الإسرائيليين تفاخروا باستهداف خلية لحماس عبر قصف المشفى، ولكنهم حين لاحظوا حجم الكارثة البشرية قاموا بحذف التغريدات وحاولوا وضع المسؤولية على «حماس» و«الجهاد». في تغريدة لاحقة، اعتبر فاروفاكيس أن بايدن شارك في جرائم الحرب الإسرائيلية بزيارة إسرائيل بعد المذبحة.
تراكمت عدة أدلة على مسؤولية إسرائيل، منها الرد الفعل الإسرائيلي الأولي الذي اعترف بقصف المشفى بدعوى أن مقاتلين من «حماس» كانوا يختبئون بداخله، وكذلك اعتراف الناطق الرقمي باسم بنيامين نتنياهو بقصف المشفى، ثم حذفه التغريدة والاعتذار عنها، وكذلك ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية التي كشفت عن مؤشرات تقول إن القذيفة المستخدمة في القصف أمريكية، وحركة «الجهاد» التي اتهمت لاحقا بالمسؤولية، لا تملك قذائف أمريكية.
سبق لإسرائيل أن أقرّت بقصف مرآب المستشفى قبل أيام مما أدى لجرح أربعة أشخاص، كما أن جيش الاحتلال هدد 22 مشفى بالقصف، ومنهم المشفى المعمداني، كما قصف، كما أكدت منظمة الصحة العالمية، 57 مرفقا صحيا، وقصفت 23 سيارة إسعاف، مما أدى لمصرع 20 من المسعفين.
يمكن ربط القصف، بداية، بهذه التهديدات، وبرغبة حكومة «الإرهاب اليهودي» (كما كانت أدبيات المعارضة الإسرائيلية تصفها) في إخلاء مناطق شمال غزة، كما يمكن اعتبارها محاولة لقياس ردود الفعل العربية والدولية على هذا المسار المتواتر والمتصاعد لحجم المجازر.
لم يكن ممكنا حدوث مجزرة مشفى الأهلي العربي المعمداني، لولا مواقف الدعم المطلق التي تلقّتها إسرائيل من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وما زالت مواقف هذه الدول، بعد هذه المأساة الكبرى، متماسكة في دعم حكومة نتنياهو، وفي تبرير جرائم الحرب التي تقوم بها.
إشارة بعض الباحثين إلى أن عدد من قتلتهم إسرائيل في مجزرة المعمداني هو ضعف من قامت بذبحهم في مجزرة دير ياسين توضّح الرابطة التاريخية المستمرة في مجازر إسرائيل، وهي إرهاب المدنيين لتنفيذ خططها في التطهير العرقي للفلسطينيين.
بهذا المعنى، فإن إسرائيل، ما تزال تعتمد «سياسة القتل» الجماعي لحسم الصراع على الأرض، وهذا، كما يتكشّف لنا، هو أحد أهداف ما قاله نتنياهو عند إعلان الحرب على غزة من أن العملية ستقوم بـ«تغيير الشرق الأوسط».