استغلت الادارة الأمريكية الوضع العربي خلال مرحلة التحول الديمقراطي، وبدأت تبحث عن مصطلح جديد يصف المرحلة إذ عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوند اليزا رايس): انها حالة فوضى تسود العالم العربي نتيجة التدخل الأمريكي، وأنه لا يوجد خوف من حالة الفوضى لأن الشعوب تمتلك عناصر حيوية تمكنها من الامتزاج والتفاعل والوصول إلى قوانين جديدة تنظم المجتمع، وذكرت أيضا: ( أن الوضع الحالي ليس مستقرا، وان الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي فوضى خلاقة ربما تنتج وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حاليا ً) .
وركز بعض المفكرين الأمريكيين على ضرورة تبني نظرية الفوضى الخلاقة حيث أكد ذلك المفكر الأمريكي المعاصر (شارانسكي): ” أنه يجب التدخل في العالم العربي من أجل نشر الديمقراطية، وأن العرب والمسلمين ليسو مهيئين للديمقراطية ، الأمر الذي يستوجب نقلهم إلى الديموقراطية” .
وكذالك ساهم المفكر الأمريكي ( جوزيف شومبيتر) من خلال وضع كتاب يحمل عنوان (الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية) في وضع أسس نظرية الفوضى الخلاقة حيث ذكر في كتابة (أن المنافسة الهدامة …. هي أيضاً تدمير هدام يساهم في خلق ثورة داخل البنية الأقتصادية عبر التقويض المستمر للعناصر الشائخة و الخلق المستمر للعناصر الجديدة) .
وساهم أيضاً (ناتان شرانسكي) من خلال وضع كتاب يحمل عنوان (قضية الديمقراطية ) حيث كان له تأثير كبير على الرئيس الأمريكي السابق ( جورج بوش الابن) الذي اعتبر كتاباته جزءاً من السياسة الخارجية الأمريكية .
وكان أبرز ما كتب في الفترة الأخيرة عن الفوضى الخلاقة ما قدمه الكاتب الأمريكي المعاصر ( جين شارب ) ونشرته لجنة استعادة الديمقراطية في روما في بانكوك عام 1993م ، ثم صدرت له طبعة اخرى بعنوان ( المقاومة اللاعنيفة ) في شهر تموز/يوليو 2011 م ، وسعى من خلال هذا الكتاب إلى محاولة تقديم إرشادات ونصائح من أجل التفكير والتخطيط لخلق حركات تحررية أقوى لتحقيق الديمقراطية، وحسب وجهة نظرهم انه تم الأخذ بها في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر .
وتعد نظرية الفوضى الخلاقة من الأفكار الأمريكية التي أوجدها مفكرو المحافظين الجدد، الذين سيطروا على الفكر الأمريكي خلال فترة رئاسة ( جورج بوش الأبن ) مما ساهم في اعتبار هذا المصطلح من ضمن مبادئ ومرتكزات الاستراتيجية الأمريكية ابان تلك الفترة ، وعبر عن ذلك المفكر الأمريكي ( مايكل لادين ) قائلاً: ” التدمير البناء هو أخص صفاتنا …. سواء داخل مجتمعنا أو في العالم الخارجي، فنحن نمزق النظام القديم كل يوم، من التجارة إلى العلوم، والآداب، والفنون و المعمار، والسينما إلى السياسة والقانون، وإن أعدائنا قد كرهوا منا هذه الريح الخلاقة التي تهدد تقاليدهم أياً كانت، وتشعرهم بالخزي لعدم قدرتهم على مجاراتنا، وحين يشاهدون أميركا تفكك المجتمعات التقليدية فإنهم يخافونها، لأنهم لا يرغبون في تفكيك مجتمعاتهم ولا يمكنهم الشعور بالأمن ما دمنا متأهبين من أجل وجودنا، مثلما يجب علينا أن ندمرهم من أجل دفع مهمتنا التاريخية للأمام) .
وعلى هذا الاساس فان المفكرين الامريكيين ينظرون إلى مصطلح الفوضى الخلاقة على انه يشكل مدخلاً للعمل على تفتيت العالم العربي بالاعتماد على تعدد الأديان والثقافات والأطياف والأعراق، لخلق حالة من الضعف تمهيداً لتقسيمه إلى دويلات صغيرة وضعيفة يسهل السيطرة عليها .
د. حمزه السلامات