جفاف حاد يعمّ سوريا والعراق وإيران

جفاف حاد يعمّ سوريا والعراق وإيران

بغداد – أدّى الاحترار المناخي الناجم “بشكل رئيسي” عن حرق البترول والغاز والفحم إلى “جفاف حاد” ومتواصل في السنوات الأخيرة في العراق وسوريا وإيران، كما كشف تقرير خبراء الأربعاء.

وتشير دراسة لشبكة “وورلد ويذر أتريبيوشن” التي تعنى بتحليل الرابط بين العوامل الجوية والتغير المناخي، إلى أن درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن التغير المناخي قد “زادت من احتمالية حدوث الجفاف أكثر بـ25 مرّةً في سوريا والعراق، و16 مرة في إيران”.

ويفيد خبراء أن العام الحالي سيكون الأكثر ارتفاعا في درجات الحرارة منذ 125 ألف عام بعدما أظهرت بيانات أن شهر أكتوبر الماضي كان الأشد حرارة في العالم خلال تلك السنوات.

ويزيد تغير المناخ تأجّج ظواهر الطقس شديد السوء المدمرة، لذلك يؤكدون أنه “يجب ألا نسمح بأن تكون الفيضانات المدمرة وحرائق الغابات والعواصف وموجات الحر التي شهدناها هذا العام هي الوضع الطبيعي الجديد”.

وتتحدّث الدراسة أيضاً عن دور “سنوات من النزاع وعدم الاستقرار السياسي” في شلّ قدرة البلدان على مواجهة الجفاف ما تسبّب “بكارثة إنسانية”.

وفي ظل الظروف الحالية، يزداد خطر أن تتحوّل فترات الجفاف إلى أمر اعتيادي، وأن تأتي على الأقلّ مرّة في كلّ عقد.

ويشرح خبراء الشبكة أنّ “الجفاف ما كان ليحدث لولا التغير المناخي الناجم أساسا عن حرق النفط والغاز والفحم”.

الإنتاج الزراعي تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة في العراق وسوريا لاسيما في المناطق التي كانت غنية بالقمح

وتغطي الدراسة الفترة الممتدة بين يوليو 2020 ويونيو 2023 في منطقتين كانتا معرضتين كثيرا لتداعيات التغير المناخي وهما إيران ومنطقة حوض نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا ويعبران من سوريا والعراق.

ويشير البيان الذي نشر إلى جانب الدراسة إلى أن “المنطقتين تشهدان حاليا ‘جفافا حادا’ وفقا للمقياس الأميركي لرصد الجفاف”.

وتوضح الدراسة أن “التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري قد زاد من حدّة الجفاف، ولو كانت حرارة العالم أقلّ بـ1.2 درجة مئوية”، أي ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية “ما كان الأمر ليكون بهذه الحدّة”.

وتقول فريدريك أوتو عالمة المناخ في معهد غرانثام من إمبريال كوليدج في لندن إنه “بعد معدل أمطار وحصاد جيدين في 2020، مرّت ثلاث سنوات كانت الأمطار فيها ضعيفة ودرجات الحرارة عالية، ما أدى إلى جفاف كانت له تداعيات قاسية على إمكان الحصول على المياه (…) للزراعة”.

وخلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، دعا عالم المناخ محمد رحيمي من جامعة سمنان الإيرانية إلى إدارة أفضل للموارد.

وقال “في منطقتنا، لم نحظَ يوما بأمطار كثيرة وهذا أمر عادي. لكن ما هو جديد ارتفاع درجات الحرارة”.

وتابع الخبير المشارك في الدراسة “نفقد جزءا كبيرا من مياه الأمطار بسبب التبخر، وإذا ما ارتفعت الحرارة أكثر في السنوات المقبلة، بإمكاننا توقع المزيد من التبخر ونتح النبات”. ويضيف “لست متفائلاً جداً بالمستقبل”.

وفي العراق الذي يعدّ من أكبر منتجي النفط في العالم، وكذلك في سوريا التي دمّرتها الحرب، تطال تداعيات التغير المناخي والجفاف خصوصاً أكثر المجتمعات فقراً.

وقد تراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة في البلدين لاسيما في المناطق التي كانت سابقاً غنية بالقمح. فضلاً عن ذلك، أثّر تراجع منسوب الأنهار وتلوّثها على مهنة صيد الأسماك.

وحتى سبتمبر 2022، تسبب الجفاف بنزوح نحو مليوني شخص في سوريا ممن يعيشون في المناطق الريفية، وفق الدراسة. وفي إيران، يتسبب نقص المياه بـ”توترات” مع الدول المجاورة، كما أنّ تدنّي المحاصيل أدّى إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية.

وفي العراق حيث يبلغ عدد النازحين جراء التغير المناخي عشرات الآلاف، يرتفع كذلك مستوى التوترات الناجمة عن توزيع المياه. ففي البلد الذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، يعيش عراقي من كل خمسة في منطقة تعاني من نقص المياه، بحسب تقرير للأمم المتحدة.

وتقف خلف “أزمة المياه المعقدة” في الشرق الأوسط الكثير من العوامل التي يلعب الإنسان فيها دورا أهمّها أساليب الريّ القديمة، والنمو السكاني السريع، لكن أيضاً “المحدودية في إدارة ملف المياه وفي التعاون الإقليمي” لاسيما في ما يخص إدارة السدود وتفاوت مستوى مياه الأنهار في دول المنبع والمصبّ.

أما بالنسبة إلى فترات الجفاف الطويلة، فهي لن تكون بعد اليوم “حدثاً نادراً”، بحسب الخبراء، إذ أن مواسم الجفاف “قد تحلّ على الأقلّ مرة كل عشر سنوات في سوريا والعراق، ومرتين كل عشر سنوات في إيران”.

ويحذر الخبراء من أن فرضية حدوث الجفاف قد تتضاعف “في حال ازداد الاحترار العالمي بدرجتين إضافيتين عما كان عليه في فترة ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما قد يحصل في العقود المقبلة ما لم يتم التخلي سريعاً عن الوقود الأحفوري”.

العرب