منذ انطلاق ثورة الاتصالات والفضائيات بات العالم اشبه بقرية صغيرة ، واصبحت المعلومة تطوف ارجاء كوكبنا خلال بضع ثواني ، ومن هنا برز دور الاعلام كأداة لتوجيه السياسات العامة ، وبات سلطة بحد ذاته(السلطة الرابعة )، وبالرغم من كثرت الفضائيات العربية وتعدد الصحف والجرائد واختلاف المسميات ولكن الاعلام العربي مازال اعلاما سلطويا مرتبط بالنظام والسلطة، وتقوم السلطات في دعم الكثير منها لخدمة اغراضها ومتطلبات استمراريتها وبقائها ، وقد ادى هذا الواقع الى فقدان الثقة بين الاعلام والجماهير في الكثير من الاحيان .
وعلى الرغم من التطور المطرد في وسائل الاعلام الحديث، وتنوع أساليبه، الا ان الاعلام العربي مازال اعلام تقليدي يخضع لوجهات واهواء السلطة والمصالح الشخصية ،ولا يمثل الا نفسه او فئة معينة من المجتمع ، وهنا تكمن الخطورة نتيجة غياب المهنية وهيمنة الاجهزة الحكومية على الادوات الاعلامية ، الى ان اصبحت الشعوب العربية لا تثق بمؤسساتها الاعلامية ،وذلك نتيجة تبعية هذه المؤسسات اما لأجندة خارجية او لرقابة داخلية ، الى ان وصل الأمر بهذه المؤسسات الاعلامية سواء كانت محطات فضائية او صحف او وسائل تواصل اجتماعي ، ان تصبح مطبخا للأخبار والتوجهات ، ضاربة بالأسس المهنية ، وقواعد العمل الاعلامي عرض الحائط من اجل حفنة دولارات او للحصول على مكاسب سياسية ، وفي منطقتنا العربية تعج الدول بمثل هذه المؤسسات ، والفضائيات ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، تعتبر المحطات الطائفية التي تأجج الصراع الطائفي من اخطر هذه الوسائل ، وهنا نذكر ان هذه القنوات كانت موجودة ، لكن نشاطها اصبح واضحا بشكل ملفت بعد دخول القوات الاميركية للعراق عام 2003 ، وانشار القنوات والمحطات التابعة للدولة الايرانية التي لا يختلف احد على دورها في الحض على العنف والكراهية والطائفية ،وشاهدنا كيف تعاظم دور هذه المحطات بعد قيام الثورة في سوريا ، والتي بات الاعلام احد ابرز اللاعبين وأخطرهم الى جانب الة الدمار والفتك، وهنا لا نحصر المسألة في العراق بل باتت معظم الدول العربية تحتضن مثل هذه القنوات .
لقد كانت رياح ما يسمى بــ(الربيع العربي )نقطة تحول في عمل الاعلام العربي ، فقد تكشفت حقائق غائبة وزوايا مظلمة بقيت لعقود دفينة طيات الاروقة الاعلامية ، ونظامها الداخلي ، وسنرد هنا على سبيل المثال بعض المقتطفات من تعامل هذه المؤسسات مع بعض القضايا المهمة في المنطقة:
– القضية الفلسطينية : لا يختلف مواطن عربي على كون القضية الفلسطينية محور القضايا العربية ، واهمها منذ عقود طويلة ، وهي جوهر الازمات التي تلم بالمنطقة برمتها ، ومع ذلك تفاجئ المواطن العربي من طريقة تناول الاعلام العربي لهذه القضية ، فنراه يهملها ويعتبرها مجرد صراع حتمي لايمكن ان يتناوله بشكل دوري ، بل باتت اخبار القضية الفلسطينية من الاخبار المهملة التي توضع احيانا لمليء وقت البث المخصص للنشرة ، حتى المصطلحات والمسميات لم تسلم من التحريف والتبديل ، وهنا نذكر استخدام كلمات مثل (قتيل أو شهيد ، وانتحاري أو فدائي ، هجوم أو عدوان، الخ..) وهذه كلها مؤشرات على دور الاعلام في تسيير الامور على خطه وهواه .
– الصراع في سوريا : وهنا نتأمل الدمار والخراب الذي لحق بسوريا وقتل المدنيين الابرياء ، وتشريد اهلها ، هذا كله لم يسلم من محاولة وسائل الاعلام الموالية للنظام السوري تجميل الصورة وبأن النظام يقود حملة مقدسة لمواجهة الارهاب والاستكبار العالمي ، واخر هذه المسخ الاعلامي ظهرت هذه الابواق الاعلامية لتبرر قصف سلاح الجو الروسي للأحياء المدنية ، وقتل المدنيين العزل ، وليس هذا ال غيض من فيض .
– الارهاب والشباب: هنا لا بد من الامعان بالرابط العجيب بين الشباب والارهاب ، فالإرهاب عامل جذب للشباب بسبب افكاره وخططه التي تحاكي عقول الشباب ، وهذا ما عجز الاعلام العربي عن فعله ، بسبب غياب البرامج الشبابية التوعوية ، والاقتصار على نقل اخبار الجماعات الارهابية ،وكيف تفكر دون اعطاء الشباب سبل الوقاية لمواجهة هذه الافكار المشوهة ، وتحصينهم من الانقياد وراءهم ، فالشباب فئة عمرية مهمة جدا في عملية البناء والتنمية ، لكنها تصبح فئة خطرة وقنبلة موقوتة اذا تركناها دون ارشاد وتوعية ، خوصا مع انتشار البطالة والفقر والاضطهاد ، الذي تمارسه الحكومات على هذه الفئة ، مما يجعلها لقمة سائغة للإرهاب وأهله ، لذلك فالدور على الاعلام كبير ومهم في نشر الوعي والمعرفة الحقيقية .
اما المشكلة للأعلام العربي
– غياب الشفافية والمهنية في ايصال المعلومة ، واتباع سياسات معينة بعيدا عن اسس العمل الاعلامي .
– التخلف عن ركب التطور الذي يشهده الاعلام العالمي ، والضعف في التعاطي مع التكنولوجيا الحديثة ، الذي تعاني منه وسائل الإعلام وعدم توفر التقنيات لديها.
– ضعف المناهج الخاصة بالأعلام ، والاعتماد على المناهج القديمة في تدريس النشء الجديد .
– غياب حرية التعبير وضيق المساحة المتاحة لوسائل الإعلام الخاصةوفرض الرقابة الحكومية الصارمة .
– تدني المستوى الثقافي والعلمي لدى المتلقي العرب
– سيطرة الحكومات بشكل أو بأخر على كافة وسائل الإعلام الحكومي منها والخاص.
في الحقيقة مازال الاعلام العربي بشقيه العام والخاص ، يعاني من التخلف والتبعية بشكل لافت ، بالإضافة الى اتباع سياسات خاصة لا تمت للعمل الاعلامي لا من قريب ولا من بعيد وتسخر من عقل المتلقي العربي ، وهو ما ادى الى نفور المواطن العربي من متابعة الاخبار ، والاتجاه الى الاعلام الغربي للحصول على المعلومة ، وهو امر يعد بغاية الخطورة على المدى المتوسط والطويل ، وهو ما يفرض عليه اللحاق بركب الاعلام العالمي لإعادة ثقة مواطن العربي من جديد .
وحدة الدراسات الاعلامية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية