الاقتصار على التعاطي الأمني والعسكري لن يوقف نسل داعش

الاقتصار على التعاطي الأمني والعسكري لن يوقف نسل داعش

_69039_dach3

في سبتمبر عام 2014 خرج جون كيري في قمة الحلف الأطلسي بمدينة ويلز قائلا “لدينا المقدرة على تدمير داعش” واستدرك بأن الأمر “قد يستغرق عامين وقد يستغرق ثلاثة أعوام لكننا عاقدون العزم على تنفيذ ذلك”، وفي نفس التوقيت قال أنتوني جيه بلينكن نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما لقناة سي ان ان “سوف يستغرق الأمر وقتا، وربما قد يستمر لما بعد الإدارة الحالية حتى نصل إلى نقطة الهزيمة”.

والأسبوع الماضي وعقب الإعلان السعودي عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، خرج الجنرال جيمس تيري قائد القوات الأميركية التي تقاتل تنظيم داعش قائلا إنه يعتقد أن دحر تنظيم “داعش” سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل.

إذن، إن التحالف الأميركي لقتال داعش يراوح مكانه وتقديراته على الرغم من مرور عام وشهرين، وها هي روسيا تدخل على الخط منذ ثلاثة أشهر، ثم فرنسا وبريطانيا، والمحصلة صفر طبقا لما هو قائم على الأرض، فماذا سيفعل التحالف الإسلامي المكون من 35 دولة؟

لا أظن أنه سيقدم جديدا في الأفق، وعلى افتراض أنه تم طرد داعش من سوريا والعراق، فما النتائج التي ستترتب على ذلك؟ فالواقع والشواهد القريبة والبعيـدة يـؤكدان زيادة تعداد التنظيمات والجماعات والخلايا، حيث سيصعب تعقب العنـاصر وما يمكن أن يتشكل منها من تنظيمات وجماعات وخـلايا هنا أو هناك على المستـوى العالمي وخـاصة العربي والإسـلامي، ليظـل التهـديد قـائما دومـا وأبـدا.

ولنذكر أنه بعد ضرب تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان واليمن لسنوات طويلة لا يزال التنظيم حيا في هذه البلدان وتمدد ليصل إلى العراق ولبنان وسوريا والجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بل إلى الغرب وأميركا نفسها، ولنذكر أيضا أنه تكوّن من بعض عناصره تنظيم “داعش” و“جبهة النصرة” و“أنصار بيت المقدس” و“أنصار الشريعة” وغيرها، الأمر الذي سيتكرر مع تنظيم “داعش” ليؤول إلى ما آلت إليه “القاعدة”، ومن ثم يخرج من عناصره تنظيم أو تنظيمات جديدة، لندور في حلقة مفرغة، حيث لن يتوقف نسل هذه التنظيمات الإرهابية إقيليميا أو عالميا، لأن أحدا لم يفكر في اقتلاع الفكرة وقتلها، فكرة “الخلافة” أو “الدويلات الإسلامية الأصولية” في الذهنية الإسلامية.

بعد ضرب تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان واليمن لا يزال التنظيم حيا في هذه البلدان بل وتمدد أكثر

إن من طور ورسخ هذه الفكرة التي انطلقت عقب سقوط الخلافة العثمانية عام 1922 وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 بعد فشل مؤتمر الخـلافة في القاهرة عام 1924، هو التعامل الأمني والعسكري معها أولا في ظل الأوضاع المتردية تحت وطأة الاستعمار ثم عسكرة الـدولة الوطنية الناشئة.

وقد كانت محاولات جمال عبدالناصر لوأدها باءت بالفشل ـ كما يبدو الأمر الآن ـ حيث تشتت أعضاء الجماعة الأم “الإخوان المسلمون” في أكثر من 80 دولة حول العالم، وتم احتضانهم ورعايتهم، ليبنوا إمبـراطـوريتهم الاقتصـادية والسيـاسية والفكرية، وما بقي في مصر انقسم لتخرج منه جماعات كالتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية والجهاد، فضلا عن العشرات من الخلايا، وقد شهدت عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات الكثير من العمليات الإرهابية التي شكلت تطورا نوعيا في أداء تلك الجماعات، خاصة وأن الجماعة الأم لعبت دورا بارزا في الحرب الأفغانية السوفييتية بمباركة وتمويل وتدريب عربي وإسلامي، ليتشكل ما أطلق عليه “المقاتلين العرب” الذين عاد بعضهم إلى بلدانهم والبعض الآخر إلى أوروبا بخبرات فكرية حماسية وقتالية عالية المستوى، ومن هؤلاء أيضا كانت البذرة الأولى لتكوين تنظيم القاعدة.

الآن وبعدما فجرت ثورات ما أطلق عليه “الربيع العربي” الأرض، انكشف ما كان خفيا ومستورا من أمر هذه الفكرة، فهي لم تعد قصرا أو حصرا على ذهنية الجماعات والتنظيمات المتطرفة وأعضائها والمتعاطفين معها بل تعشش في ذهنية قطاعات واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية منها من أقنعته ومنها من تبناها كردة فعل على الواقع المزري خاصة في المستوى الثقافي والتعليمي والتربوي والفكري.

محمد الحمامصي

صحيفة العرب اللندنية