كيف يُحكَّم المعيار الأخلاقي في حس هنري كيسنجر السياسي؟ وكيف يوازن الحكم بين إنجازاته وسيئاته وأضراره؟ وأنا أطرح هذه الأسئلة على نفسي منذ أن كان هنري كيسنجر أستاذي، ثم زميلي، في جامعة هارفرد. وفي أبريل (نيسان) 2012، أسهمت في محاورته أمام جمهور غفير بهارفرد، وسألته إذا كان، اليوم، لينتهج نهجاً مختلفاً عن نهجه حين تولى وزارة خارجية الرئيسين الأميركيين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. فقال، للوهلة الأولى، لا. ثم صرح، بعد تفكير، أنه يتمنى لو اضطلع بدور أكثر فاعلية في الشرق الأوسط. لكنه لم يأت على ذكر كمبوديا والتشيلي وباكستان، أو فيتنام. فصرخ متظاهر من آخر الصالة: “مجرم حرب”!
والحق أن كيسنجر كان مفكراً كثير الوجوه. فمثله مثل مهاجرين أوروبيين بعد الحرب، على شاكلة منظر العلاقات الدولية هانس مورجينتاو، أخذ على السياسة الخارجية – الأميركية قبل الحرب العالمية الثانية، مثاليتها الساذجة. إلا أن كيسنجر لم يحل نفسه من التقيد بمعيار أخلاقي. وقال لجمهور هارفرد: “لا ينبغي لنا أن نقصر اعتبارنا على السلطة وحدها”. “والدول تمثل على فكر عن العدالة”.
ولاحظ في كتاباته أن النظام العالمي ينهض على موازنة بين سلطة القوة وحس بالمشروعية. وهو قال يوماً إلى وينستون لورد، مساعده سابقاً والسفير في الصين بين 1985 و1989، إن صفات رجل الدولة الضرورية الأولى هي “الطبع والشجاعة”. فالطبع ضروري “لأن القرارات الصعبة حقاً تبلغ نسبتها 51 في المئة”، وعلى القادة التحلي بـ”قوة معنوية” تخولهم البت فيها. والحاجة إلى الشجاعة يمليها اضطرار القادة إلى “اجتياز شطر من الطريق وحدهم من غير سند”. وهو حسِب، في فيتنام، أنه مكلف بإنهاء الحرب. وأضاف: لم يكن مكلفاً بإنهائها “في شروط تضر بقدرة أميركا على الدفاع عن حلفائها، وعن قضية الحرية”.
ولا شك في أن التقويم الأخلاقي، في مسائل العلاقات الدولية، أمر عسير، وميراث كيسنجر في هذا المضمار بالغ التعقيد. وهو أحرز نجاحات، في أثناء ولايته الحكومية الطويلة، على الخصوص في الصين، والاتحاد السوفياتي، والشرق الأوسط. ولكنه أخفق إخفاقاً ذريعاً في طريقة معالجته الفصل الأخير من حرب فيتنام. وميراثه، على وجه الإجمال، إيجابي. وفي عالم يخيم عليه طيف الحرب النووية، جعلت قراراته النظام العالمي أكثر استقراراً وأمناً.
الحكم المعياري
ولعل المسألة التي تتصدر مشاغل أصحاب السياسة الخارجية ومزاوليها العمليين هي التحكيم في أخلاقية قرارات السياسة العالمية. فالمتحلل الحقيقي من الحكم الأخلاقي يتجنب الخوض في المسألة. وفي أحد الأيام، قال لي دبلوماسي فرنسي إن لا معنى للأخلاق في مجال العلاقات الدولية، وهو عزم على تحكيم مصالح فرنسا وحدها في المسائل التي تعرض. وجلي أن استبعاد المصالح الأخرى كلها من الاعتبار قرار يصدر عن حكم أخلاقي أساسي.
وثمة، في مجال السياسة العالمية، ثلاث خرائط ذهنية، وتجيب كل واحدة منها عن النهج الذي ينبغي على الدول أن تنتهجه، جواباً مختلفاً. فيقبل الواقعيون بعض الفروض الأخلاقية، ولكنهم يرون أن حقيقة السياسة الفوضوية القاسية تقلص هذه الفروض. ورأس الفضائل، على ما يحسب هؤلاء، الحذر. وعلى الطرف الآخر من مروحة المواقف والآراء، هناك الكوسموبوليتيون، ويرون أن على الدول معاملة البشر، من غير استثناء، على قدم المساواة. فالحدود بين الدول لا مسوغ أخلاقياً لها، وهي اعتباطية، وعلى الحكومات مسؤوليات أخلاقية راجحة تجاه الأجانب.
ويتوسط الليبراليون الطرفين، وهم يحملون الدول المسؤولية الثقيلة عن إعمال المعايير الأخلاقية في قراراتها، لكنهم لا ينكرون أن العالم منقسم إلى أمم ودول، ذات دلالات معيارية. وعلى النظام الدولي أن يدرج هذه البلدان في نظام جامع، على رغم أنه ليس ثمة حكومة واحدة تعلو هذه البلدان، على ما يرى الليبراليون. فقد يكون العالم غارقاً في فوضى، إلا أن ثمة ما يكفي من الهيئات البدائية والمثالات العملية – على شاكلة توازن القوى بين البلدان، والمعايير، والقانون الدولي والهيئات الدولية- لإرساء إطار يسع الدول فيه اختيار معايير أخلاقية جلية، في معظم الأحوال، إن لم يكن كلها.
والواقعية هي نهج معظم القادة الذين يفتقرون إلى نهج موثوق. وهذا أمر جيد. فالعالم مؤلف من دول ذات سيادة، والواقعية هي خير خط انطلاق. والمشكلة هي أن واقعيين كثراً يقفون عند هذا الخط، ولا يخطون بعده خطوة، ولا ينتبهون إلى أن الكوسموبوليتية والليبرالية تعينان على التفكير في نهج تناول السياسة الخارجية. والمسألة، غالباً، هي مسألة فروق ودرجات، وعلى القادة ألا يتعسفوا في رفض حقوق الإنسان والمؤسسات. فلا أمن تاماً وراسخاً، وعليهم أولاً تحديد مستوى الأمن الذي تحتاجه دولهم قبل احتساب قيم أخرى، مثل الرخاء، والهوية أو حقوق الأجانب، في صوغ سياستهم. وفي وسعهم، في نهاية المطاف، احتساب العامل الأخلاقي في تناول شطر عريض من القرارات. فمعظم قضايا السياسة الخارجية لا تتعلق بمصائر الدول. والمسائل التي تثيرها هي من صنف معرفة ما إذا كان جائزاً بيع السلاح إلى حلفاء متسلطين، أو هل ينبغي انتقاد مسلك بلد آخر في موضوع الحقوق الإنسانية. وتستتبع هذه المسائل مناقشة إجراءات مثل استقبال لاجئين في وقت مناسب، أو كيفية إنشاء علاقات تجارية، أو طريقة معالجة مشكلات مثل التغير المناخي.
والواقعيون القح يقيسون كل المسائل بمعيار الأمن الوطني، وعلى أضيق معانيه. وهم لا يتورعون عن الإقدام على خيارات ملتبسة أخلاقياً في سبيل تحسين أمن بلدهم. ففي 1940، غداة هزيمة فرنسا أمام النازيين، هاجم رئيس الوزراء البريطاني، وينستون تشرشل، الأسطول الحربي الفرنسي على الشواطئ الجزائرية، وقتل آلاف البحارة، المحايدين إذ ذاك، ليحول دون وقوع الأسطول في يد الألمان. وفي 1945، استعمل الرئيس الأميركي هاري ترومان القنبلة الذرية ضد اليابان، وقتل 100 ألف مدني. فالقادة الواقعيون يتحاشون القضايا الأخلاقية الصعبة حين يتجاهلون التسويات المعقدة.
الواقعية هي نهج معظم القادة الذين يفتقرون إلى نهج موثوق
وليس في مستطاع القادة، في الوقت نفسه، العمل بقواعد أخلاقية بسيطة. وعليهم ربما الإقدام على خيارات في حل من المعايير الأخلاقية تجنبهم كوارث كبيرة، فليس ثمة التزام حق من حقوق الإنسان في حال حرب نووية. وكل ما يرجى من محاكمة أخلاق القادة الدولية، على قول أرنولد ولفيرز، أحد كبار الواقعيين من أصل أوروبي، هو أن يقوموا بـ”أفضل الخيارات الأخلاقية التي تتيحها الظروف”.
وهذا صحيح، لكن وصية حذر، على هذا القدر من العمومية، لا تحول دون الانتهاكات في الأحوال السانحة. وفي مقدور القادة الزعم أنهم أقدموا على فعلة رهيبة في سبيل حماية بلدهم، بينما الحقيقة هي أن الظروف أفسحت لهم مجال اختيار آخر تركوه. وبدلاً من تصديق ما يقوله السياسيون من أصحاب القرار، على المحللين أن يمتحنوهم في ضوء غاياتهم، ووسائلهم ونتائج هذه وتلك. وفي وسع الخبراء التوسل إلى هذا بحكمة الخرائط الذهنية الثلاث: الواقعية، والليبرالية، والكوسموبوليتية، تباعاً وعلى هذا الترتيب.
وعندما يتفحص المحللون الغايات، عليهم ألا يتوقعوا من القادة الحرص على إحقاق العدالة على الصعيد الدولي، على نحو شبيه بالسعي في إحقاقها في مجتمعاتهم الوطنية. والفيلسوف الليبرالي الشهير، جون راولز، نفسه ذهب إلى أن شروط العمل بنظريته في العدالة تقتصر على المجتمع الوطني وحده. وفي الوقت نفسه، نبه راولز إلى أن ثمة تبعات على مجتمع ليبرالي تتخطى الحدود، وعلى لائحة الواجبات هذه التعاون واحترام المؤسسات التي تضمن الحقوق الإنسانية الأساسية. وهو كتب كذلك قائلاً إن بشر عالم متنوع يستحقون البت في شؤونهم قدر المستطاع. فعلى المحللين، إذاً، التساؤل عن إضمار أهداف وغايات القادة رؤى تصطفي قيماً أثيرة يجمع عليها الناس في البلد وخارجه. وعليهم التساؤل عن مدى موازنة الأهداف والغايات القيم الأثيرة والأخطار المحسوبة. أي إن على المحللين تقويم حظ رؤية القائد من النجاح فعلاً.
وفي وسع الخبراء، حين يقومون الوسائل الأخلاقية، محاكمة القادة في ضوء تراث “الحرب العادلة” المديد. ويقضي هذا التراث بتناسب القوة المستعملة مع قوة الخصم، وبتمييزها المدنيين من المحاربين. وفي وسعهم الأخذ في الاعتبار حرص الليبرالي راولز على التدرج الدقيق في إعمال القوة، احتراماً لحقوق الغير ومؤسساته. وأما في صدد تقويم النتائج يحق التساؤل عن حقيقة نجاح القادة في ترويج القيم الوطنية على المدى البعيد، وعن احترامهم القيم الكوسموبوليتية حين أتيحت الفرصة، وتجنبهم الانكفاء الشديد على النفس وإنزال الخسائر غير المجدية في الأجانب، وعن تربيتهم أنصارهم على التزام الحقيقة والثقة المشرَّعتين على الأفق الأخلاقي.
وهذه المعايير متواضعة، وتترتب على أفكار الواقعية، والليبرالية، والكوسموبوليتية. وهي تشير بنصائح أساسية تتخطى العموميات التي تتناول الحذر. وأسمي هذا التناول “واقعية ليبرالية”. وهو يبدأ من الواقعية، ولكنه لا يقتصر عليها.
النظر في الكتاب الكبير
ما محل كيسنجر من هذه المعايير وترتيبها؟ لا ريب في أنه أحرز انتصارات كبيرة: انفتاح الصين، وإرساء التهدئة مع الاتحاد السوفياتي وإدارة الأزمات في الشرق الأوسط. وهذه الانتصارات أرست عالماً أكثر أمناً. وتحلى نيكسون وكيسنجر في شأن الصين، مثلاً، بالرؤيا والإقدام الضروريين لإبعاد العالم من قطبية الحرب الباردة الثنائية، ودمج بكين في النظام العالمي. وفي هذا السبيل كان عليهما تجاهل طبيعة نظام ماوتسي تونغ البشعة.
وفي إدارة التهدئة وضبط التسلح مع موسكو، اضطر كيسنجر إلى قبول مشروعية نظام شمولي (توتاليتاري) آخر، وانتهاج سياسة أبطأ من تلك التي كان يريدها أميركيون كثر لحمل الكرملين على إجازة الهجرة اليهودية. ولا ريب في أن موقفه أسهم في تقليص خطر الحرب النووية، وفي إنشاء الشروط التي أدت تدريجاً، بالاتحاد السوفياتي إلى التصدع والانهيار. وتخطت المكاسب الأخلاقية، في هذا الأمر كذلك، الأكلاف. وحين غامر برفع تأهب القوات النووية الأميركية إلى مستوى “ديفكون 3″، في أثناء حرب الغفران (أكتوبر) في الشرق الأوسط، بدا أن حسابه في محله الصحيح. ونجح في خفض توترات المنطقة على رغم فضيحة ووترغيت التي أكرهت نيكسون على الاستقالة.
وثمة وجه آخر من الكتاب الكبير. فإخفاقات كيسنجر في مسألة الحس السياسي الأخلاقي تتضمن قصف كمبوديا في 1969 و1970، وإحجامه عن فعل شيء في سبيل لجم العنف الفظ في باكستان، في أثناء الحرب الهندية- الباكستانية في 1971، ومساندته الانقلاب العسكري في التشيلي، في 1973. ففي التشيلي، أولاً، لم تبادر الحكومة الأميركية إلى الانقلاب العسكري الذي أسقط رئيس البلد المنتخب ديمقراطياً، ونصب ديكتاتوراً عسكرياً. لكن كيسنجر أعلن من غير لبس أن واشنطن لا تعارضه. وأنصار موقفه يقولون إن واشنطن كانت مضطرة إلى تأييد الزمرة العسكرية، والرئيس السابق كان يسارياً ووقوعه في دائرة نفوذ الاتحاد السوفياتي مرجح. إلا أن تربع حكومة يمينية في التشيلي لم يكن مسألة حيوية، ولا يضعف صدقية الولايات المتحدة في عالم قطبي ثنائي، وحكومة اليسار لم تتهدد الأمن على قدر يدعو إلى تأييد الانقلاب عليها. والحق أن كيسنجر ذهب، في أحد الأيام، إلى تشبيه التشيلي بالخنجر الموجه إلى قلب القطب المتجمد الشمالي.
وفي أثناء حرب انفصال بنغلاديش عن باكستان، أُخذ على نيكسون وكيسنجر استنكافهما عن إدانة الرئيس الباكستاني يحيى خان على قمعه وسفكه الدماء اللذين أوديا بـ300 ألف بنغالي، وطردا لاجئين كثراً إلى الهند. واحتج كيسنجر لموقفه بالقول إنه اضطر إلى الصمت في مقابل الحصول على مساعدة أيوب خان على إقامة العلاقات بالصين. وأقر بأن نفور نيكسون الشخصي من رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي كان عاملاً آخر، شجعه كيسنجر.
وكان يفترض في قصف كمبوديا، في 1970، أن يدمر طرق تسلل الفيتكونغ. ولكن الهجمات لم تختصر الحرب ولم تنهها، بل أسهمت في استيلاء الخمير الحمر، والإبادة كانت خطته، على السلطة في كمبوديا، وقتلهم 1.5 مليون إنسان. وكانت هذه ثلاثة إخفاقات في سجل من كان يزعم أن الرؤية البعيدة المدى تضطلع برعاية الحرية.
دلالة فيتنام
وأخيراً ثمة حرب فيتنام. وكان كيسنجر وصف سياسته في أثناء النزاع بنجاح جائز أو ممكن. ووصف قراراته بأنه كان في وسعها أن تنقذ جنوب فيتنام ومجتمعها الحر، لولا ووترغيت وقرار الكونغرس سحبه تأييد الانخراط الأميركي. وهذه رواية مغرضة لتاريخ أكثر تعقيداً، وكان كيسنجر ونيكسون أملا، أصلاً، في ربط مراقبة التسلح بمسألة فيتنام، والضغط بواسطة الاتحاد السوفياتي على هانوي، والحؤول بينها وبين مهاجمة الجنوب. وحين تكشف هذه الآمال عن أوهام اختارا المفاوضة على حل ينجم عنه ما سماه كيسنجر “مرحلة وسيطة تتستر على الوقت الفاصل بين الانسحاب الأميركي وانهيار حكومة سايغون”. ووقعت الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية، في نهاية المطاف، اتفاق سلام بباريس، في ديسمبر (كانون الأول) 1973، أجاز لفيتنام الشمالية إبقاء جيشها في الجنوب. وحين سئل كيسنجر، على حدة، عن الوقت الذي يحسب أن في وسع حكومة جنوب فيتنام الصمود فيه، أجاب: “إذا حالفهم الحظ قد يصمدون سنة ونصف السنة”. ولم يبعد تكهنه من الإصابة. (صمد الجنوب سنتين وبعض السنة).
والحق أن نيكسون وكيسنجر أنهيا الحرب في فيتنام، ولكن ثمن جهودهما الأخلاقي كان باهظاً. وقتل في أثناء أعوام ولايتهما الثلاثة 20 ألف أميركي، في مقابل مقتل 36756 في ولاية جونسون، و108 في أثناء ولاية كينيدي. وعدد القتلى في الهند الصينية كان ثقيلاً: قتل في أثناء ولايتهما ملايين من الفيتناميين والكمبوديين. واستمر كيسنجر ونيكسون يكافحان في سبيل المحافظة على صدقية واشنطن- وهي سمة مهمة في ميزان العلاقات الدولية، ولكن من غير الواضح أن كسب “مرحلة وسيطة تتستر” (على الهزيمة) يستحق هذه الكلفة الساحقة.
وقد تكون الخيارات الأخلاقية الأقل شراً. ولو أخذ كيسنجر ونيكسون بنصائح شيوخ أميركيين مثل ويليام فولبرايت وجورج إيكين، وانسحبا باكراً، وقبلا هزيمة سايغون، لكانت القوة العالمية الأميركية تضررت قليلًا، ولكن الضرر الذي لحق بها بعد سقوط سايغون، في 1975، فادح. والقبول بالهزيمة، وإعلان الانسحاب في 1969 لكان قراراً شجاعاً، ومرتفع الكلفة سياسياً. وأظهر كيسنجر ونيكسون مثل هذه الشجاعة في شأن الصين، على خلاف حالهما في فيتنام. وبدلاً من ذلك، لم تغير خياراتهما النتيجة الأخيرة، وكان الثمن من البشر، ومن الصدقية، مكلفاً.
ولم يكن كيسنجر، في بعض الأحيان، على مستوى فضائله الأخلاقية، طبعاً وشجاعة. وبعض وسائله مشكوك فيها. ولا شك في أن العلاقات الدولية دائرة تمتحن الأخلاق امتحاناً عسيراً، والسياسة الخارجية عالم تسوده التسويات بين القيم. وفي ميزان النتائج، خدم حسه السياسي العالم، وعوضت نجاحاته إخفاقاته.
* جوزيف أس. ناي جونيور، أستاذ شرف متقاعد من هارفرد، وكاتب هل للأخلاق قيمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية منذ ديلانو روزفلت إلى ترمب. تصدر مذكراته سيرة حياة القرن الأميركي في يناير (كانون الثاني) 2024.