انتخابات العراق المحلية.. لا مفاجآت كبيرة وانقسامات كثيرة

انتخابات العراق المحلية.. لا مفاجآت كبيرة وانقسامات كثيرة

لم تسفر النتائج الأولية لانتخابات مجالس المحافظات التي جرت مؤخرا في العراق عن مفاجآت كبيرة، وأشّرت بوضوح على بقاء المعادلات والتوازنات السياسية القائمة على حالها مع تبدلات قد تكون بسيطة إلى حد ما.

فعلى صعيد المكون الشيعي تصدر تحالف نبني المؤلف من منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وحركة عطاء التي يتزعمها من الناحية الفعلية رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وقوى أخرى صغيرة، النتائج في عدد من محافظات الجنوب والفرات الأوسط، فيما تصدر ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي النتائج في محافظات أخرى، في حين حل تحالف قوى الدولة الوطنية المتشكل من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وحركة إنجاز بزعامة الوزير السابق باقر جبر الزبيدي، بالمركز الثالث في بعض المحافظات، فيما حصل كل من ائتلاف الأساس العراقي بزعامة النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، وتحالف أبشر يا عراق بزعامة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي همام حمودي، وتجمع أجيال بزعامة النائب السابق محمد الصيهود السوداني، وتحالف قيم المدني، على مقاعد متفرقة في بعض المحافظات.

اختيارات أعداد لا يستهان بها من الناخبين، أشّرت على أن المواطن بات يشخص ويميز بين الأقوال والشعارات من جهة، والأفعال والأعمال من جهة أخرى، وهذا ربما يمثل بداية إيجابية ومشجعة لتصحيح المسارات السلبية

وأغلب هذه القوى هي في الواقع تشكل الإطار التنسيقي الشيعي، وقد قررت خوض الانتخابات المحلية منفردة أو من خلال تحالفات ثنائية وثلاثية، لتعود إلى التحالف من جديد بعد الانتخابات، مثلما حصل في الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول – أكتوبر 2021، لتتولى تشكيل الحكومات المحلية الجديدة فيما بينها أو مع الأطراف الأخرى، وفق معطيات الأرقام الانتخابية.

وبالنسبة إلى المكون السني فإن قواه التقليدية الرئيسية الأربع حصدت القسم الأكبر من مقاعد المحافظات ذات الأغلبية السنية، مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين، حيث تصدر حزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي النتائج في الأنبار، بينما حصد كل من حزب الجماهير الوطنية برئاسة أحمد الجبوري، وحزب السيادة برئاسة خميس الخنجر، والعزم الوطني برئاسة مثنى السامرائي، وتحالف الحسم الوطني برئاسة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، نتائج متفاوتة في نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى، وكذلك العاصمة بغداد التي نجح حزب تقدم في إحراز مراتب متقدمة فيها.

أما بالنسبة إلى القوى السياسية الكردية التي خاضت غمار التنافس الانتخابي بعدد من المحافظات التي فيها وجود اجتماعي متفاوت للمكون الكردي من حيث حجمه وتأثيره، مثل كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، فإنها – أي القوى السياسية الكردية – وبسبب انقسامها وتشظيها لم تحقق النتائج المرجوّة، بل إنها تراجعت بشكل واضح. فمن بين خمسة وسبعين مقعدا للمحافظات المشار إليها، لم يحصل الأكراد وفقا للنتائج الأولية إلا على خمسة عشر مقعدا، سبعة في كركوك، وستة في نينوى، وواحد في ديالى ومثله في صلاح الدين.

وقد فقد الأكراد جراء انقسامهم وتشتتهم الكثير من الأصوات، ناهيك عن أنهم لن يكونوا قادرين على إشغال مواقع تنفيذية مهمة في تلك المحافظات، كما كان عليه الحال في السابق، وحتى إذا تحقق ذلك، فإنه لا بد أن يكون عبر توافقات وتحالفات صعبة ومعقدة ومشروطة مع أطراف عربية أو تركمانية.

واللافت في الانتخابات المحلية الأخيرة أن بعض القوائم الانتخابية التي يرأسها محافظون حققت نتائج متقدمة جدا، كما هو الحال مع تحالف تصميم برئاسة محافظ البصرة أسعد العيداني، وتحالف إبداع كربلاء برئاسة محافظها نصيف جاسم الخطابي، وقائمة واسط أجمل برئاسة محافظة واسط محمد جميل المياحي، وقائمة نينوى لأهلها برئاسة المحافظ المستقيل نجم الجبوري. وهذا يؤشر على أن هناك قدرا من الرضا والقبول الشعبي عن أداء هؤلاء المحافظين، مما سيتيح لهم البقاء في مناصبهم بعيدا عن اشتراطات القوى التقليدية الكبيرة. ولعل هذه إحدى أبرز حقائق الانتخابات الأخيرة ومعطياتها.

الخلافات والتقاطعات استفحلت على مدار الأعوام العشرة الماضية بدرجة أكبر داخل البيت الواحد، مثلما هو حاصل بالنسبة إلى المكون الكردي، وكذلك المكون السني.

والحقيقة الأخرى، أنه بينما سارع الإطار التنسيقي إلى تشكيل لجنة خاصة تتولى إدارة ملف تشكيل الحكومات المحلية، سواء داخل مظلة الإطار نفسه أو عبر التواصل والتفاوض مع الأطراف الأخرى، فإن صورة المشهد في المحافظات ذات الأغلبية السنية تنطوي على قدر غير قليل من الغموض والتعقيد لسببين، الأول هو تقارب النتائج في المجمل بين القوى المتنافسة، والسبب الثاني يتمثل في حدة التقاطعات والخلافات فيما بينها، لاسيما بعد إخراج رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي من البرلمان، واحتدام الصراع حول رئاسة البرلمان.

والحقيقة الثالثة هي، رغم أن قوى الإطار حققت نتائج جيدة تتيح لها تشكيل حكومات محلية في عدد من محافظات الجنوب والفرات الأوسط بأريحية، إلا أنها – أو البعض منها – لا تريد تجاوز التيار الصدري، رغم أنه قاطع الانتخابات واعتبر أنها بمثابة إعادة تدوير وإنتاج للفساد والفاسدين، لذلك قد تتجه إلى فتح قنوات تفاوض وحوار معه، تتمحور حول إرضائه واستيعابه من خلال الإبقاء على وجوده في المواقع التنفيذية العليا في بعض المحافظات، مثل ميسان والنجف، اللتين حصل فيهما تحالف نبني على المركز الأول.

والحقيقة الرابعة، ترتبط بمحافظة كركوك التي جرت فيها الانتخابات المحلية الأخيرة، بعد ثمانية عشر عاما من آخر انتخابات شهدتها تلك المحافظة ذات النسيج الاجتماعي المتنوع، والمتنازع عليها بين قوميات وعناوين ومسميات سياسية مختلفة، لما تمتلكه من خصائص وميزات.

ولأنه لم يتمكن أيّ من المكونات والقوى المجتمعية والسياسية فيها من إحراز فوز كبير، فإنه في نهاية المطاف لا سبيل أمام الجميع إلا التفاهم والتوافق ولو بالحد الأدنى، علما أن الخلافات والتقاطعات استفحلت على مدار الأعوام العشرة الماضية بدرجة أكبر داخل البيت الواحد، مثلما هو حاصل بالنسبة إلى المكون الكردي، وكذلك المكون السني، دون أن يعني ذلك أن المكون التركماني يخلو من المشاكل والأزمات.

ولعل الحقيقة الأهم، هي أنه رغم المشاركة الضعيفة في الانتخابات، إلا أن اختيارات أعداد لا يستهان بها من الناخبين، أشّرت على أن المواطن بات يشخص ويميز بين الأقوال والشعارات من جهة، والأفعال والأعمال من جهة أخرى، وهذا ربما يمثل بداية إيجابية ومشجعة لتصحيح المسارات السلبية.

العرب