من أين يجب أن يبدأ العراق بعد “المحادثات الخضراء” في “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”)؟

من أين يجب أن يبدأ العراق بعد “المحادثات الخضراء” في “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”)؟

يتعين على ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة “أوبك” أن يثبت كيف سيحقق التوازن بين أهدافه المتمثلة في خفض الانبعاثات، وزيادة إنتاج النفط الخام، والاستمرار في استخدام الوقود السائل الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت في قطاع الطاقة.

سلّط العراق الضوء على خطته الرامية إلى تحقيق التحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل بصمته الكربونية في “مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”) الذي عُقد مؤخراً. وتشمل أهدافه الوصول إلى مستوى الصفر من حرق الغاز بحلول عام 2028، وتوليد 12 غيغاواط من الطاقة من مصادر متجددة في السنوات القليلة المقبلة، وتركيب أنظمة لالتقاط انبعاثات غاز الميثان واكتشافها في منشآت النفط والغاز، وإنشاء بنك أخضر للتنمية المستدامة، استناداً إلى البيانات التي تمت مشاركتها خلال مؤتمر المناخ.

والآن بعد أن انتهت “المحادثات الخضراء” في مؤتمر “كوب 28″، يحتاج العراق إلى اتخاذ إجراءات فورية لتصميم إطار قانوني يمكنه أن يسهل تحويل مشهد الطاقة لديه. ففي الوقت الراهن، لا تزال الحكومة العراقية تعمل على صياغة قانون للطاقة المتجددة كان ينبغي إقراره منذ سنوات وفقاً للخبراء.

وفي الوقت نفسه، بما أن العراق عارض خطط التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، يجب على ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة “أوبك” أن يُظهر كيف سيحقق التوازن بين خططه لخفض الانبعاثات من جهة وزيادة إنتاج النفط الخام ومواصلة استخدام الوقود السائل عالي الكبريت في قطاع الطاقة لديه من جهة أخرى.

العمل بسرعة فيما يخص الإطار القانوني
في جلسة عقدت حول الطاقة في “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”)، أعلنت وزارة النفط العراقية عن خطة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بحرق الغاز بنسبة 34.2 مليون طن سنوياً بحلول عام 2028. ولتحقيق هذه الغاية، أعدت البلاد ستة مشاريع على الأقل، بما في ذلك مبادرات أساسية من تنفيذ “شركة غاز البصرة”، وهي مشروع مشترك بين “شركة غاز الجنوب” العراقية وشركتي “شل” و “ميتسوبيشي”. وتم تحقيق بعض التقدم في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن العراق يحرق 1200 مليون قدم مكعب قياسي يومياً من الغاز بينما يستورد 1000 مليون قدم مكعب يومياً من إيران المجاورة.

وفي عام 2021، أعلنت وزارة النفط عن خطة استثمارية بقيمة 3 مليار دولار أمريكي حتى عام 2025 لـ “شركة غاز البصرة” تهدف إلى زيادة إنتاج الغاز بنسبة 40 في المائة. وقال مسؤولون عراقيون إن الهدف هو الوصول إلى إنتاج قدره 1400 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز المصاحب الذي يتم جمعه من حقول “غرب القرنة 1″ و”الزبير” و”الرميلة”، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الانبعاثات.

وفي خطوة أبعد من ذلك، كشفت وزارة النفط في تشرين الأول/أكتوبر عن خطط لتمويل مشروع “تجريبي” لالتقاط 12 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز في حقل نفط “شرق بغداد”، وذلك باستخدام أرصدة الكربون في إطار جهودها الرامية إلى خفض الانبعاثات. ففي مقابلة أجريت في وقت سابق من هذا الشهر مع عبد الباقي السلايط، مستشار وزارة النفط العراقية الذي يقود أيضاً جهود نزع الكربون، قال إنه سيتم استخدام الغاز المحتجز لتوليد الطاقة. وأضاف السلايط أن كندا والنرويج وشركتين محليتين تَقدموا بعروض للمشروع. ورغم أهمية هذه المبادرات، إلا أنها تحتاج إلى الحماية. ولا يمكن القيام بذلك من دون إطار تنظيمي حديث قادر على تمكين الجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات وتسريعها.

ويفتقر العراق، خلافاً لبعض جيرانه، مثل الأردن، إلى قانون للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والذي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في تعزيز تطوير مصادر الطاقة النظيفة وتكاملها واستخدامها. يتعين على البلاد أن تعمل بسرعة على إعداد قانون يشجع الاستثمار في الطاقة المتجددة، ويضع حوافز لتبني الممارسات المستدامة، ويساهم في وضع معايير واضحة لحماية البيئة والحد من الانبعاثات.

وإلى جانب غياب قانون للطاقة المتجددة، لم يقم العراق بعد بصياغة وإصدار تشريع لتنظيم انبعاثات الكربون من حقول النفط والغاز، لا سيما في محافظة البصرة الجنوبية. فقد كشفت تقارير استقصائية كيف تم إلقاء اللوم على بعض الشركات الأجنبية العاملة في حقول النفط العملاقة على خلفية إصابات بالسرطان في المجتمعات التي تعيش بالقرب من المنشآت التي تقوم بحرق الغاز المصاحب بدلاً من احتجازه. وفي هذا السياق، حثّ تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” نُشر في وقت سابق من هذا العام الحكومة العراقية على “سن وإنفاذ لوائح صارمة” للحد من حرق الغاز.

بالإضافة إلى ذلك، يفتقر العراق إلى قانون ينظم انبعاثات أكاسيد النيتروجين والكبريت من محطات الطاقة الكبيرة والقديمة التي تعمل بالنفط والتي تحرق النفط الخام عالي الكبريت وزيت الوقود الثقيل. ولم يتمكن العراق من تحقيق قدرة التوليد الكاملة لتلبية الطلب لعدة أسباب، من بينها قِدم محطاته وتدهور الكفاءة.

ومن شأن وجود مثل هذه القوانين أن يضمن عدم انتهاك اللوائح المتعلقة بالانبعاثات، كونها تحمي أيضاً سكان البلاد وبيئتها التي تواجه مخاطر عالية بسبب التلوث وتغير المناخ.

في خضم “المحادثات الخضراء”، لا تزال الطموحات النفطية قائمة
بينما يتخذ العراق خطوات صغيرة نحو التحوّل في مجال الطاقة، إلّا أنه لا يزال غير قادر على التخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري. فضلاً عن ذلك، كانت معارضته لمثل هذه المقترحات عالية وواضحة في “مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”). وقد قال السلايط في وقت سابق: “نحن متفقون على التخلص التدريجي من الانبعاثات، والتخفيض التدريجي للانبعاثات، وليس الوقود”، مشيراً إلى أن عائدات النفط والغاز تُموِّل أكثر من 90 في المائة من الميزانية السنوية للحكومة العراقية، على الرغم من محاولات التنويع.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بلغ إنتاج النفط الخام 4.18 مليون برميل يومياً بينما بلغ إجمالي صادرات الخام 3.43 مليون برميل يومياً. وتتجه معظم الشحنات إلى الصين والهند، كما تُظهر بيانات شركة “كبلر”. وقد حصل العراق على حوالي 8.512 مليار دولار الشهر الماضي من إجمالي صادراته من النفط الخام، بناءً على بيان نشرته وزارة النفط العراقية.

وعلى الرغم من التحديات الفنية المختلفة، أعاد العراق التأكيد على خططه الرامية إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط إلى حوالي 6 إلى 7 ملايين برميل يومياً في السنوات القليلة المقبلة، انطلاقاً من طاقته القصوى الحالية البالغة حوالي 5 ملايين برميل يومياً. وتتطلب هذه الزيادة مشاركة شركات نفط عالمية.

في الشهر الماضي فقط، أعلنت شركة “لوك أويل” الروسية عن توقيعها اتفاقية تكميلية مع “شركة نفط البصرة” العراقية لتمديد عقد حقل “غرب القرنة 2” في جنوب العراق لمدة عقد آخر، حتى عام 2045. ويُفترض أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى مضاعفة إنتاج الحقل بحيث يستقر عند مستوى 800 ألف برميل يومياً. وقد بدأت شركة “لوك أويل” الإنتاج التجاري في عام 2014، وتقول إن حقل “غرب القرنة 2” ينتج الآن 9 في المائة من إجمالي إنتاج العراق.

وفي غضون ذلك، أعلن العراق عن جولات تراخيص لمشاريع النفط والغاز الجديدة في جميع أنحاء البلاد، في إشارة أخرى إلى أن الاقتصاد سيظل معتمداً على الهيدروكربونات لسنوات قادمة.

التوازن
رحّب العراق بالإجماع على ضرورة التغيير في “مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين المعني بتغير المناخ” (“كوب 28”)، لكنه أعرب عن تحفظاته بشأن “أحد بنود” الاتفاقية النهائية الذي يدعو إلى “الانتقال من الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة”.

وتعود أسباب معارضة العراق للتخلص التدريجي الفوري من الوقود الأحفوري إلى اعتماده الكبير على الهيدروكربونات. وبينما تعترف البلاد بتأثير تغير المناخ على سكانها وبيئتها، قال مستشار وزارة النفط لتغير المناخ عبد الباقي خلف لمؤتمر “كوب 28” إن سياسة العراق المتعلقة بتغير المناخ “تقوم على التحوّل العادل ومنع الافتقار إلى الطاقة”. وتشكل ضغوط العراق ضد التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أيضاً جزءاً من موقف “أوبك” بشأن ضرورة تركيز العالم على خفض الانبعاثات وعدم اختيار مصادر الطاقة.

ولا ينبغي توقع ابتعاد العراق عن موارده الطبيعية الهائلة، ومن بينها حقول الغاز العملاقة التي لا تزال غير مستغلة. ولكن لكي تثبت البلاد جديتها بشأن التحوّل في مجال الطاقة، من الضروري أن تتخذ الخطوة الرئيسية الأولى في هذا الاتجاه، وهي التزود بالأطر القانونية الحديثة اللازمة.

نعوم ريدان