ديون تونس لدى ليبيا ما زالت عالقة بعد سنة على تعهد الدبيبة بخلاصها

ديون تونس لدى ليبيا ما زالت عالقة بعد سنة على تعهد الدبيبة بخلاصها

لا تزال السلطات التونسية تنتظر تنفيذ حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لتعهداتها بشأن تسديد ديون متخلدة تتعلق بالصحة والنقل الجوي والكهرباء، كان قد أعلن عنها رئيس الحكومة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة سابقا، لكن مراقبين يرون أن التلكؤ في خلاصها يعود أساسا إلى حالة الغموض السياسي في ليبيا.

تونس- أجرى وزير المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا محمد سالم الشهوبي ورئيسة الديوان بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية أحلام الباجي مناقشات حول الآلية المناسبة لتسوية الديون المستحقة على ليبيا لصالح تونس، تهمّ قطاعات الكهرباء والطيران المدني والعلاج، كان يفترض خلاصها منذ فترة.

ويأتي ذلك بعد مرور ما يزيد عن سنة على تعهّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بتسديد كافة الديون التونسية المتخلّدة بذمّة ليبيا.

ويرى مراقبون أن تلكّؤ الحكومة الليبية في خلاص تلك الديون مفاده أن الدبيبة لا يأخذ الأمر على محمل الجدّ، بقدر ما هو مناورة سياسية جديدة يهدف من خلالها إلى تخطي العقبات التي تعترضه في الحكم، أو ربّما كان الرجل صادقا في نواياه ولكنه اصطدم بواقع صعب وبالتزامات مالية أهم، جعلته يعيد ترتيب الأمور من جديد.

وأشاروا إلى أنه لا يوجد شريك إستراتيجي لتونس في ليبيا التي تشهد صراعات متجدّدة وحالة من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي، كما أن حالة الحكم المؤقتة لا تحترم العلاقات التقليدية بين الجارين كرافد من روافد التقدم والشراكة بينهما.

واستقبل الشهوبي أحلام الباجي بمقر الوزارة في طرابلس الأحد، وذلك بصفته رئيس اللجنة المشكلة بموجب قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة رقم 562 لسنة 2022 بشأن حصر ومراجعة الديون المستحقة على الدولة الليبية لصالح الجهات العامة والخاصة بالجمهورية التونسية.

وقالت وزارة المواصلات إن لقاء الشهوبي مع المسؤولة التونسية تمحور “حول الديون المستحقة على الدولة الليبية لصالح الدولة التونسية والمتمثلة في ديون استهلاك الكهرباء والطيران المدني وديون مصحات العلاج بتونس”، موضحة أن “النقاش كان حول الآلية المناسبة لتسوية هذه الديون”.

وحضر الاجتماع كل من السفير التونسي لدى ليبيا الأسعد العجيلي والسفير الليبي لدى تونس مصطفى بن قدارة ومدير عام الشركة التونسية لصناعات التكرير.

وكان الدبيبة أعلن في ديسمبر العام 2022 أن بلاده تعتزم تسديد ديون مستحقة لتونس، إضافة إلى توحيد نقطة الجمارك الحدودية بين البلدين، وقال خلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن إن “الحكومة الليبية ستسدد 250 مليون دولار ديونا مستحقة لتونس قبل نهاية العام الجاري- 2022 – وهي متعلقة بديون علاجية لمرضى ليبيين ومستحقات الكهرباء”.

واعتبر المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل أنه “لا توجد حكومة فعلية في ليبيا حتى تفي بتعهدات البلاد، وليبيا ما زالت في حالة صراع وإفلات من العقاب، كما أن الضغوط المالية كبيرة جدا، ويتوقّع أن الآلاف من المرتبات تدفع بطريقة مزدوجة”.

ولم يستبعد في تصريحه لـ”العرب” أن “يكون الدبيبة قد تعهّد فعلا بخلاص تلك الديون، لكنه اصطدم بإكراهات وظغوط مالية كبيرة في البلاد”، لافتا إلى أن “الكل في ليبيا يعتقد أنه طارئ وأنه سيرحل في كل يوم وهذا ما يكرّس الإفلات من العقاب”.

وأفاد عزالدين عقيل أن “تونس هي الملاذ والصدر الحنون الذي يستقبل الليبيين، ويبدو أن حكومة الدبيبة لا تدرك مدى إستراتيجية العلاقات بين البلدين”، مشيرا إلى أن “السياسي غالبا ما يقول الشيء ويقصد عكسه، لكن في المجمل وعود السياسيين لا تصدّق».

ويعتقد عقيل أن “الدبيبة يدرك أنه مهما قدّم من التزامات فإن ذلك لن يفيده، بل هدفه كيف يبقى على رأس السلطة، ولا تهمه العلاقات الإستراتيجية مع تونس بقدر ما يهمه الحفاظ على العلاقات مع تركيا وقطر وغيرهما”.

وأثناء الحروب التي عاشتها ليبيا خلال السنوات الماضية، كانت مستشفيات تونسية تستقبل الجرحى الليبيين، فيما ربطت ليبيا شبكتها الكهربائية في غرب البلاد مع تونس لتعويض نقص الإنتاج بسبب تضرر أبراج نقل التيار.

وقدرت مصادر مالية تونسية ديون المستشفيات التونسية لدى الليبيين الذين تلقوا العلاج في تونس إثر ثورة 2011، 218 مليون دينار تونسي خلال سنة 2017 (نحو 80.7 مليون دولار)، ومن المتوقع أن تكون تلك المبالغ قد ارتفعت لتبلغ 250 مليون دينار تونسي( 80.81 مليون دولار).

الدبيبة لا يأخذ الأمر على محمل الجدّ، بقدر ما هو مناورة سياسية جديدة يهدف من خلالها إلى تخطي العقبات التي تعترضه في الحكم

واستبعد وزير المالية الأسبق في تونس حسين الديماسي أن “يكون هناك تلكّؤ من الجانب الليبي في خلاص تلك الديون، لأن الوضع السياسي في ليبيا ما زال غامضا”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “تلك الديون تخصّ المؤسسات الاستشفائية (المصحّات الخاصة)، باعتبار أن تونس استقبلت الكثير من الليبيين من جرحى جاؤوا ليتلقوا العلاج بالمستشفيات التونسية بعد انتفاضة 17 فبراير 2011 ضدّ نظام العقيد الليبي الرحل معمر القذافي”.

ونفى الديماسي أن “تكون هناك أرقاما حقيقية بشأن تلك الديون، نظرا لكونها مرتبطة بالأفراد وليس بالدولة والمؤسسات في ليبيا، وهذا ما يزيد من التقصير في تحمل المسؤوليات”.

وبدأ الإلحاح التونسي على حكومة الوحدة في طرابلس لسداد ديونها بالكامل منذ عامين، حين كشف سفير تونس لدى ليبيا الأسعد العجيلي أن “الديون الليبية لصالح المستشفيات التونسية وصلت إلى 200 مليون دينار (65 مليون دولار تقريبا)”. وأوضح أن “دفعة أولى من الديون سددت سابقا”.

العرب