تستعد إيران لخوض الانتخابات النيابية لمجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة في الأول من آذار 2024 في خضم أحداث ميدانية واسعة تعيشها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتلقى بظلالها على الأبعاد السياسية والاقتصادية لهذا الحدث السياسي الإيراني وتبعياته الداخلية والخارجية، فالانتخابات القادمة من أهم المحطات التي ستعيشها الشعوب الإيرانية ولها دلالاتها الإستراتيجية على المدى القريب والبعيد حول أبعاد السياسة الإيرانية وطبيعة تعاملها مع الأحداث الجارية وهي أول مواجهة تحدث للحكومة الإيرانية مع شعوبها بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في منتصف أيلول 2022 ووفاة الشابة الكردية ( مهسا أميني).
تأتي أهمية الانتخابات الإيرانية كونها ستقرر كيفية أيجاد الموازنة التي يستشعرها النظام بشأن الخشية من الإقبال المنخفض على صناديق الاقتراع وبين الاستراتيجية السياسية التي يعدُها ويعمل عليها بعد الإنتهاء من الانتخابات التي يراها أنها تحدد مسارات شرعيته السياسية ومدى الإصلاحات التي قد تحدث في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية، خاصة بعد الاستطلاع الذي أجرته وكالة الأنباء الحكومية في 25 تموز 2023 أكد ان هناك 68٪ من الإيرانيين لا يشعرون بالرضا من أداء البرلمان وأعضائه، وهي سابقة خطيرة انتبه إليها مسؤولي النظام ويعملون جاهدين للتغلب عليها واستيعاب المرحلة التي يمر بها المجتمع الإيراني.
تعمل التيارات السياسية من المحافظين والإصلاحين والمعتدلين على استخدام الأحداث الجارية في قطاع غزة لتكون في أولويات برامجهم الانتخابية ولتصعيد حالة المواجهة السياسية في أروقة النظام الإيراني وفضح التوجهات التي مارستها الأجهزة الرسمية والدبلوماسية في طبيعة الوقوف أمام تطور المواقف الميدانية في غزة والأبعاد السياسية الخارجية لإيران في التعامل الميداني مع ما يحدث من مواجهات حقيقية على الأرض الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية والتي لم تتلائم والمواقف الإيرانية المعلنة قبل السابع من تشرين الأول 2023 التي شهدت أولى المواجهات في محيط غلاف غزة، وأكد هذا التوجه محمود عباس زادة عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني يوم 14 تشرين ثاني 2023 بقوله ( أن البرلمانيين بدأوا في إجراءات استجواب وزير الخارجية عبد اللهيان) ومنتقدين تصريحات الجهات الدبلوماسية ومواقفها من البيان الختامي القمة الإسلامية العربي الذي عقد في العاصمة السعودية ( الرياض) في 11 تشرين ثاني 2023 وتضمن تبني ( حل الدولتين) وإقامة دولة فلسطين والذي يتناقض والموقف الرسمي الإيراني، وهذه واحدة من المواقف التي تستخدم من قبل بعض القيادات السياسية الإيرانية في تيار المحافظين وعدد من الفاعلين في التيار الإصلاحي والمعتدل الذي يرى ان النظام الإيراني قد أبتعد كثيراً في توجهاته تجاه القضية الفلسطينية والأحداث الجارية في المنطقة، وهذا ما جاء في الرسالة التي وجهها السفير أمير سعيد إيرواني الممثل الإيراني الدائم في الأمم المتحدة بتاريخ الخامس من كانون الأول 2023 إلى الأمين العام أنتونيو غوتيرش ولمندوب دولة الإكوادور لدى الأمم المتحدة الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية في مجلس الأمن الدولي بشأن العمليات ضد القوات الامريكية في الشرق الأوسط بقوله ( أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تشارك بأي عمل أو هجوم ضد القوات الأمريكية).
أتسمت سياسة النظام الإيراني بعد أحداث غزة بالبرغماتية واتباع أسلوب التهدئة وعدم التصعيد والبقاء على حافة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حفاظاً على بقاء النظام السياسي وانتظار النتائج القادمة ومعالجة الأزمات الداخلية من انخفاض العملة الوطنية وزيادة نسبة التضخم والانطلاق نحو بناء علاقة جيدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وابقاء ملف البرنامج النووي بعيداً عن أروقة مجلس الأمن الدولي واستغلال استمرار الحرب القائمة في غزة واستخدامها للمقايضة الدبلوماسية التي تبديها إيران تجاه الإدارة الأمريكية، وكلما امتد زمن المواجهة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية كلما تمكنت إيران من تقليل الضغظ الذي يمارس عليها في الملف النووي وضبط أنشطة وفعاليات الحرس الثوري الإيراني الفصائل المسلحة المرتبطة به وبرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.
تتحدد مهمة انتخاب مجلس خبراء القيادة الذي يتكون من 88 عضو جميعهم من رجال الدين في اختيار مرشد أعلى جديد لإيران في حالة الوفاة أو الإقالة في حال عدم القدرة على أداء الواجب ويمنح الشرعية في عملية الخلافة والمرشح النهائي لها، وتتم عملية الانتخابات فيه بالاقتراع لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات، وتشكل عملية انتخاب مجلس الشورى الإسلامي أهمية بالغة لدى المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يرى فيها استمرار للنظام وتأكيد شرعيته والموافقة على أوجه سياسته الداخلية والخارجية وجاء قوله في لقائه مع وفد أهالي مدينة قم الإيرانية بتاريخ التاسع من كانون الثاني 2024 ليشير إلى ( أن عدم المشاركة في الانتخابات يمثل السياسة الإستراتيجية للعدو الذي يسعى إلى خلق القطبية الثنائية في البلاد) وهو يعني بذلك محاصرة نفوذ المعتدلين أمام تيار المحافظين الذي يحظى بدعمه ومساندته مع تكريس لدور الأصوليين في انتخابات شهر آذار القادم، ودعم قرار مجلس صيانة الدستور الذي قام بأبعاد واقصاء 48٪ من المرشحين غالبيتهم من التيار المعتدل الإصلاحي.
إن أهمية الانتخابات أنها تأتي في خضم تطورات وأزمات داخلية وخارجية يعاني منها النظام الإيراني وأهمها الأحداث الجارية في غزة والضغوط التي يحاول تجنبها في عدم توسيع دائرة المواجهة خارج الأراضي الفلسطينية والتي تتلائم وتوجيهات السياسة الامريكية والدول الغربية، وأن الإستخدام النيابية لدورة انتخابية أخرى لمجلس الشورى الإسلامي جاء بعد ما عانه المشهد السياسي الإيراني من تظاهرات واحتجاجات شعبية ضد مؤسسات وأجهزة التظام وسياسته منتصف شهر أيلول 2022، كما أنها تعني له الاستعداد القادم للانتخابات الرئاسية التي يسعى فيها الرئيس ابراهيم رئيسي لولاية أخرى بدعم واضح من المرشد الأعلى والقيادات الأمنية والعسكرية في الحرس الثوري الإيراني.
يدرك القادة الايرانيون وأبناء الشعوب الإيرانية أن نتائج الانتخابات القادمة سوف لا تشهد أي متغيرات جوهرية تتعلق بسياسة النظام الخارجية وبالمشهد العام الداخلي، حيث المبدأ الرئيسي الذي يسيطر عليه المرشد على خامنئي يتمثل في توحيد التوجهات مع السلطة التشريعية والحكومة الإيرانية بما يضمن عدم وجود أي اعتراضات هامة أو انتقادات كبيرة تجاه النظام وسياسته وخضوع أجهزة القرار السياسي الهيمنة ونفوذه المرشد الأعلى.
يبدو أن إيران تتجه نحو تبني سياسة تتسم بالهيمنة والتعامل الجاد مع القضايا التي تعنى بالأوضاع الداخلية والخارجية على نحو قد يكون تمهيداً لتعزيز سيطرة تيار المحافظين الأصوليين على مجلسي الشورى وخبراء القيادة في الانتخابات القادمة، وإن كان هذا التوجه لا ينفي او يضعف من احتمالات الحفاظ على قنوات تواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أن ذلك يمثل اختياراً استراتيجياً يمكن أن يؤدي في النهاية للوصول إلى صفقة بين الطرفين.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة