لليوم الثاني على التوالي، تواصلت معركة استعادة مدينة الرمادي من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، بحيث انتقلت المعارك، أمس، إلى داخل الأحياء السكنية الطرفية بالرمادي، مثل البكر والحميرة والملعب والضبط وشارع ستين وضفاف نهر الفرات.
وغلبت صفة معركة الشوارع على تلك الأحياء والمناطق، بسبب ضيق أزقتها، وتعذّر دخول المدرعات أو الدبابات إليها، وهو ما زاد من صعوبة المهمة على القوات العراقية. وكان أداء الأخيرة في اليوم الأول من المعارك أفضل بكثير من يومها الثاني.
في المقابل، ازداد تنظيم “داعش” شراسة، في معركة وصفت بأنها الأخيرة لمقاتليه الذين باتوا في وضع لا يمكنهم الانسحاب فيه من المدينة، ولم يعد لهم من خيار ثالث؛ فإما القتال أو الاستسلام.
وقالت مصادر عسكرية عراقية في محيط الرمادي، لـ”العربي الجديد”، إنّ توغل القوات بات أبطأ بسبب طبيعة تلك الأحياء السكنية، وهي من أحياء الرمادي القديمة.
وبيّنت أنّ “تنظيم داعش فخخ المنازل والطرق وأعمدة الإنارة وكل ما وصلت إليه يداه، وكبّد ذلك قواتنا خسائر، دفعتنا إلى إبطاء الحركة بالتدخل، وعدم السماح للتنظيم بجرّنا إلى منطقة قتل”.
وقُتل نحو 23 من القوات العراقية والعشائر في اليوم الثاني من المعارك، فيما تحدثت مصادر عن مقتل نحو 30 عنصراً من “داعش”، وجُرح آخرون، فيما تم تدمير مقرّ للتنظيم يحتوي على متفجرات وأسلحة وذخيرة، وسط المدينة من قبل طيران التحالف.
في غضون ذلك، مدّت القوات الأميركية عبر تقنية حديثة جسر حديد قرب نقطة الورّار، بعد تفجير “داعش” الجسر الوحيد في المنطقة، لمنع عبور الدبابات العراقية، وهو ما أكّده عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة الأنبار فلاح الدليمي، لـ”العربي الجديد”.
وبيّن الدليمي أنّ الجسر فتح الطريق لعبور الدبابات إلى المدينة عبر نهر الفرات، وهو جسر مؤقت نُصب على طوافات بمساعدة قوات التحالف.
وتجري المعارك على بعد 3 كيلومترات فقط من المجمّع الحكومي في قلب الرمادي، حيث يقع حي البكر الذي شهد أعنف المعارك بين الجيش والعشائر وتنظيم “داعش”.
وقال قائد قوات الجيش في الأنبار اللواء إسماعيل المحلاوي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “التقدّم بات واضحاً، ونقلنا المعركة من أطراف الرمادي إلى داخلها، ودمرنا حقول الألغام وخطوط دفاع العدو. والآن ستكون معركة مباشرة مع إرهابيي داعش، وصاحب النفس الطويل هو من سيكسبها، وبالتأكيد نحن”.
وبيّن أنّ “العشائر والجيش أمسكت المناطق التي تمت السيطرة عليها، فيما تتولى قوات خاصة أخرى مسؤولية المعارك مع داعش”.
وفي هذا السياق، تحدّث السياسي المستقل عن محافظة الأنبار، الشيخ غانم العيفان، لـ”العربي الجديد”، عن تفاصيل المعركة، وقال إنّه “بعد استكمال تحرير منطقة التأميم (جنوب غرب) قبل فترة، مدّت القوات الأمنيّة جسوراً عبر ناظم الورّار، وعبرت إلى الضفّة الثانية من نهر الفرات، جنوب مدينة الرمادي، لتبدأ معركة الرمادي في أحياء البكر والضباط وشارع 60”.
وأوضح أنّ “القوات الأمنيّة استطاعت الوصول إلى هذه النقاط، لكنّها فوجئت بمقاومة عنيفة جدّاً وشرسة من قبل داعش، أعاقت التقدّم المتوقّع، كما أنّ المنطقة مفخّخة بشكل كامل؛ إذ إنّ التنظيم فخخ حتى المناطق الزراعيّة والطرق النيسميّة (طرق ترابية)، والتي لا يمرّ أحد بها ليجعل من الرمادي منطقة ملغومة بالكامل”.
وأكّد أنّ “هدف القطعات الأمنيّة هو الوصول إلى مركز الرمادي السابق (مقرّ المحافظة)، باعتباره يمثل رمزاً معنوياً كبيراً للقطعات المقاتلة، لكنّ المقاومة العنيفة تعيق الوصول إليه حاليّاً”. وبيّن أنّ “الوصول إلى المركز لن يتم خلال الأيّام المقبلة، وقد يحتاج وقتاً قد يمتد حتى نهاية الشهر الحالي”.
وأشار المصدر نفسه إلى أنّ “الوصول إلى مركز المدينة لا يعني أنّ الرمادي قد تحرّرت، إذ إنّ هناك مناطق في شمال الرمادي وشرقها ينبغي اختراقها، وهي مناطق كبيرة تقع تحت سيطرة داعش بالكامل”. وشدّد على أنّ “المعركة صعبة للغاية وستستغرق وقتاً طويلاً”.
وأثنى العيفان على “الدور الكبير للتحالف الدولي في المعركة، وله الدور الأبرز في أيّ تقدّم أُحرز وسيحرز، فهو مساند ومواكب للمعركة أولاً بأول”.
في المقابل، رأى الخبير الأمني واثق العبيدي، أنّ “داعش لا يزال يسيطر على الشريان الرئيس للمعركة، وهو طريق إمداداته بين الرمادي والفلوجة عبر جزيرة الخالدية، وهو نافذ ويعزّز من قواته في الرمادي”. وبيّن أنّ “لدى داعش أعداداً كبيرة من المقاتلين والقادة في الفلوجة، وهي الشريان الرئيس الذي يغذي المعركة ويمدّهم بالدعم اللوجستي الكامل”.
وأوضح العبيدي، خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، أنّ “جزيرة الخالدية من نهر الفرات إلى الخط السريع فيها عمق كبير ومساحات شاسعة، وهي تحت سيطرة داعش، وكان ينبغي على القوات الأمنيّة أنّ تنفّذ عملية لتحريرها قبل تحرير الرمادي”، مشيراً إلى أنّ “إهمال هذا الموقع الحيوي هو بحد نفسه فشل في التخطيط الأمني والاستراتيجي للمعركة”.
وأضاف أنّ “داعش يمتلك عقيدة كبيرة للقتال، وهم مقاتلون أشدّاء ويبحثون عن الموت لا عن الحياة، بالإضافة إلى ما يمتلكه التنظيم من قدرات لوجستيّة، وتخطيط وقوة ميدانية ومعرفة في المنطقة؛ وكل هذه الأمور تعقّد معركة الرمادي، التي بدأت تتكشف عن تخطيط ليس بالمستوى المطلوب من قبل القوات العراقيّة”.
كما حذّر من “خطورة تخطيط داعش لاستدراج القوات من عمق المدينة، ليطبق عليها بين مقاتليه وحقول إلغامه، الأمر الذي يحتاج إلى دراية كبيرة وتخطيط استراتيجي لتنقّل القوات المقاتلة وتحركها بين الجبهات”.
وكانت القوات العراقية قد بدأت، الثلاثاء، عملية تحرير مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، من سيطرة تنظيم “داعش”، فيما تمكنت القوات المشتركة من العبور إلى داخل المدينة عبر نهر الفرات.
أكثم سيف الدين
صحيفة العربي الجديد