محنة التضخم تُضيّق فرص التيسير النقدي في مصر

محنة التضخم تُضيّق فرص التيسير النقدي في مصر

القاهرة – تحولت أنظار المحللين إلى ما سيكون أحد المعارك النقدية الصعبة للبنك المركزي المصري، بالنظر إلى الارتفاع الكبير في التضخم، والذي يعتبر أحد العوامل المزعجة للحكومة وسط وضع اقتصادي لا تحسد عليه الدولة جراء ارتداد الصدمات الخارجية.

وتدفع أسعار الاستهلاك صانعي السياسة النقدية إلى الاستعداد لفتح جبهة جديدة في المعركة المستمرة لكبح التضخم وإنعاش الاقتصاد، الذي تضرر جراء الحرب في أوكرانيا وجعل الشركات والمستهلكين في وضع أشد قسوة.

وتوقعت بنوك استثمارية استطلعت آراءهم بلومبرغ الشرق، في مسح نشر الأحد، أن يتجه البنك المركزي المصري خلال أول اجتماعاته هذا العام الخميس المقبل إلى زيادة الفائدة بما يتراوح بين إثنين وثلاثة في المئة.

والبنوك التي توقعت الزيادة هي سي.آي كابيتال وزيلا كابيتال ونعيم المالية وبلتون وثاندر وكايرو كابيتال، في حين رجح كل من بنك إي.أف.جي القابضة وأتش.سي والأهلي فاروس والعربي الأفريقي، الإبقاء على أسعار الفائدة.

وكان المركزي قد رفع الفائدة بمقدار 11 نقطة مئوية على مدى ست مرات خلال آخر عامين، منها 8 نقاط مئوية على 4 مرات في 2022، قبل أن يرفعها 3 نقاط مئوية على مرتين في 2023.

هامش رفع أسعار الفائدة من 200 إلى 300 نقطة أساس أكثر ترجيحا خلال اجتماع البنك المركزي هذا الأسبوع

ووصل مستوى الفائدة حاليا إلى 19.25 في المئة للإيداع و20.25 في المئة للإقراض، وذلك بهدف مواجهة الضغوط التضخمية، بينما يبلغ سعر الفائدة الحقيقي أي معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه التضخم سالب 14.45 في المئة، وفق أحدث البيانات المصرفية.

وتوقع أحمد حافظ رئيس قطاع البحوث لدى بلتون القابضة، أن تقرّ لجنة السياسات النقدية بالمركزي زيادة الفائدة بنحو 200 نقطة أساس لمواجهة التضخم، بعد زيادة أسعار بعض السلع والخدمات مؤخرا، مثل الكهرباء والنقل وخدمات الهاتف المحمول والإنترنت.

وقال حافظ إن “الأحداث المتسارعة في البحر الأحمر سيكون لها تأثير سلبي على إيرادات قناة السويس، مما قد يزيد من الضغوط على الاقتصاد”.

وبدأ المسؤولون السنة الجديدة بزيادة أسعار عدد من الخدمات الرئيسية والتي فرضت ضغوطا إضافية على المستهلكين، ضمن سعي الحكومة إلى زيادة إيراداتها وتعظيم فرصة رفع قيمة حزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي.

وارتفعت أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي بنسب تراوحت بين نحو 16 و26 في المئة، وفقا لشرائح الاستهلاك، بحسب جهاز تنظيم مرفق الكهرباء. وقد رُفعت أسعار الكهرباء أيضا على القطاع الصناعي بنسبة 20 في المئة تقريبا.

كما أن أسعار تذاكر المترو وسكك الحديد سترتفع هي الأخرى، فيما سترفع الشركة المصرية للاتصالات التي تديرها الدولة أسعار باقات الإنترنت بنسبة تتجاوز 30 في المئة.

وتأتي الزيادات بعد أقل من شهر على إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، كاشفا عن استعداد السلطات لتحمل بعض ردود الأفعال، وهي تتقدم في تنفيذ إجراءات ستتسبب في المزيد من الضغوط المؤلمة على المستهلكين.

ويكافح سكان مصر الذين يبلغ تعدادهم حوالي 105 ملايين نسمة فعلا محنة تدهور القدرة الشرائية، بعدما بلغ التضخم ارتفاعا قياسيا عندما تجاوز 35 في المئة في العام الماضي.

وتضاعفت تقريبا أسعار سلع أساسية مثل السكر، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لردع ما تزعم أنه تلاعب بالأسعار من جانب التجار والموزعين.

وتسلط زيادة الأسعار الأضواء على الأزمة التي تواجه البلد، بعد خروج الأموال الساخنة من سوقه في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع 2022.

وترتب على ذلك تعرض البلاد لأسوأ أزمة نقص في الدولار، منذ عقود، ودفعت بعض المحللين إلى إثارة احتمال التعثر في سداد الديون أو إعادة هيكلتها.

ورجح محمد أبوباشا كبير الاقتصاديين في إي.أف.جي القابضة إبقاء الفائدة دون تغيير، في ظل تراجع مستويات التضخم، لكن في حالة توصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد يعني ذلك رفع الفائدة بين 200 و300 نقطة أساس.

كان المركزي قد رفع الفائدة بمقدار 11 نقطة مئوية على مدى ست مرات خلال آخر عامين، منها 8 نقاط مئوية على 4 مرات في 2022، قبل أن يرفعها 3 نقاط مئوية على مرتين في 2023

سجل المعدل السنوي للتضخم رقما قياسيا خلال العام الماضي، قبل أن يتباطأ في ديسمبر الماضي ليسجل 33.7 في المئة على مستوى المدن، ولكن لا يزال بعيداً عن مستهدفات البنك المركزي عند 7 في المئة، بزيادة إثنين في المئة خلال الربع الأخير من 2024.

ويزور فريق من صندوق النقد القاهرة منذ أسبوعين، لمناقشة المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج الإصلاحات عبر “تسهيل الصندوق الممدد” البالغة قيمته 3 مليارات دولار.

وترى سارة أحمد، محللة الاقتصاد الكلي في الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، بدورها أن “أي رفع لسعر الفائدة مستقبلا، مرهون بتحريك سعر الصرف في المقام الأول، وقد يفضل المركزي التثبيت حتى إشعار آخر مرتبط بسعر الصرف”.

ويتوقع كثير من المحللين والاقتصاديين أن تقدم السلطات في الربع الأول من 2024 على تعويم الجنيه للمرة الرابعة منذ بداية 2022، وسط دعوات سابقة من صندوق النقد بأن تتبنى القاهرة نظاما أكثر مرونة في أسعار الصرف.

لكن عمرو الألفي، رئيس إستراتيجيات الأسهم في شركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، توقع أن يلجأ المركزي إلى أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس، بعدما قام أكبر بنكين في مصر برفع الفائدة على شهادات الادخار إلى 27 في المئة.

وأشارإلى أن زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات مطلع العام الحالي، إلى جانب الاضطرابات الجيوسياسية وأزمة البحر الأحمر، وتأثيرها الأكبر على زيادة التكاليف التأمينية للبضائع العابرة، تعد جميعا دوافع لتشديد السياسة النقدية.

العرب