معمر فيصل خولي
زار وزير الدفاع التركي يشار أوغلو برفقة رئيس هيئة الأركان متين غوراك، يوم الثلاثاء الفائت العراق، والتقى مسؤولين عراقيين، حيث استقبله الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد قبل أن يلتقيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومن ثم التقى في نظيره العراقي ثابت محمد العباسي.
تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات العراقية التركية حالة من عدم الاستقرار، نظراً لخضوعها لعاملين متناقضين: الأول، حاجة الدولتين -بسبب الجوار الجغرافي بينهما وتشابُك العلاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية- إلى التعاون والتنسيق؛ والثاني، عدم اتفاق أهدافهما في العديد من القضايا الأساسية، وبشكل خاص تلك العمليات العسكرية التركية في شمالي العراق ما يعده العراق انتهاكا لسيادته، وبإدارة ملف صادرات نفط إقليم كوردستان العراق خاصة بعد قرار هيئة التحكيم التجارية الدولية بعدم قانونية سماح تركيا للإقليم بتصدير نفطه عبر ميناء جيهان، وبقضية المياه، وكذلك تباين مواقفهما بشأن العديد من القضايا الإقليمية، وخصوصاً الحالة السورية.
كما، وجاءت الزيارة بعد نحو أسبوعين من زيارتين متتاليتين قام بهما رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن إلى بغداد وأربيل، وعقد خلالهما اجتماعات مكثّفة مع المسؤولين العراقيين وممثلي الأحزاب والعرقيات في العراق، وجاءت أيضًا قبل أيام من تحذير وزير خارجية التركي، هاكان فيدان، من اتخاذ إجراءات جديدة ضد السليمانية، حيث عدّ فيدان في تصريحات له في 4 شباط/ فبراير الحالي أن «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» «عدو» لتركيا، بسبب تعاونه مع «حزب العمال الكردستاني». في المقابل، قال فيدان: «لدينا تعاون كامل مع أربيل في الحرب ضد الإرهاب، إنهم يشاركوننا الحساسيات، خاصة فيما يتعلق بـ(حزب العمال الكردستاني)، نحن نتحسن كل يوم من حيث التعاون معهم… لا أرى أي ضرر في قول ذلك».
وتهدف تركيا من هذه الزيارة في تحقيق عدة مطالب محددة تتلخص في أن تفرض الحكومة الاتحادية سيطرتها على أراضيها، وأن يتم فرض السيطرة على مناطق الحدود العراقية – السورية، واتخاذ خطوات ملموسة لوقف نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني ،ومنع الدعم المقدم لهم بشكل خاص من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي تتهمه تركيا بتوفير ملاذ آمن لعناصر الحزب، والتأكيد على طلب سابق في أن تصنف الحكومة العراقية حزب العمال الكوردستاني منظمة إرهابية، والتوقيع مع العراق اتفاق أمني على غرار الاتفاق الذي وقعته بغداد مع طهران والذي يقضي في نزع سلاح الجماعات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان العراق.
ربما يجبر العراق نتيجة الضغط التركي على إبرام الاتفاق الأمني لكن تطبيقها بشكل فعال من قبله قد يكون أمرًا مشكوك فيه نظرًا لمعارضة قوى السياسية الحليفة لإيران التي تربطها علاقات وثيقة مع حزب العمال الكوردستاني، وعدم رغبة الحكومة العراقية في تطبيقه من جانبها، لأنها لا تضع مواجهته في سلم أولوياتها في علاقاتها مع تركيا وإنما ترى في مشكلة المياه الناشئة من نهري دجلة والفرات هي الأولوية
وقد تدرك تركيا ذلك – لذلك أدرجت قضية المياه على جدول أعمال اجتماع 19 كانون الأول/ ديسمبر الفائت في أنقرة، وتم التأكيد على أن الآليات القائمة لحل المشكلة ستواصل عملها-، فالاتفاقية تعطيها الضوء الأخضر ” الشرعي أو القانوني” في استهداف حزب العمال الكوردستاني في شمالي العراق دون أي معارضة عراقية حكومية، لاسيما بعد تعاظم وجوده في المناطق الجبلية في «قنديل» و«متينا»، وكذلك في سنجار القريبة من الحدود العراقية – السورية ومخمور والسليمانية وكركوك، هذا الوجود يزيد من حالة القلق، وتبرز مجددّا في تركيا ما اصطلح عليه ” متلازمة سيفر”.
إذن في هذا السياق، ومن أجل إنجاح أي تعاون اقتصادي وأمني بين العراق وتركيا، فعلى الأولى أن تأخذ مصادر القلق العراقي فيما يتعلق في قضية المياه بعين الاعتبار، وفي المقابل أن يأخذ العراق القلق التركي القادم من أراضيه بعين الاعتبار. وإن أي تجاهل لهاتين المسألتين سيزيد من حالة التوتر في العلاقات التركية العراقية.
لكن من المفيد الإشارة هنا، أن التعاون الأمني التركي العراقي في شمالي العراق قد يأتي بنتائج إيجابية لكنها ليست سريعة وجذرية لجهة أن الحزب على امتداد أربعة عقود استطاع أن يقيم علاقات قوية مع دول عربية وإقليمية ودولية شكلت له ظهير “لوجستي” مكنته من الاستمرار حتى يومنا هذا، وتركيا تدرك ذلك تمامًا. لذلك ولكي تتخلص تركيا من قلقها الأمني الذي يمثله حزب العمال الكوردستاني، عليها الانفتاح سياسيا وثقافيا واقتصاديا على حقوق القومية الكوردية في تركيا لكى تقطع الطريق على ذلك الحزب.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية