تسونامي يضرب سوق العمل.. ماذا أعددنا له

تسونامي يضرب سوق العمل.. ماذا أعددنا له

المهارات التقليدية سواء كانت أعمالا يدوية أو أكاديمية أو حتى فنية لن تضمن لك وحدها دخولا سلسا إلى سوق العمل. عليك قبل ذلك أن تتعلم لغة العصر؛ لغة الذكاء الاصطناعي.

ليس بالضرورة أن يتناقص عدد الوظائف، إلا أن وظائف المستقبل ستحتاج إلى مهارات وكفاءات وخبرات في استخدام الذكاء الاصطناعي.

40 في المئة من الوظائف على الصعيد العالمي ستتأثر بسبب انتشار التكنولوجيا الجديدة ودخولها مختلف القطاعات المهنية والعلمية، وفق كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي.

ورغم أن للذكاء الاصطناعي فوائد كبيرة يفترض أن تنعكس على الجميع، إلا أنه وبحسب مختصين، يملك بعض الآثار السلبية التي تؤثر على حياتنا عموما، ولذلك ابتكر ما يسمى “منظومة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”.

مديرة صندوق النقد الدولي لا يقلقها انعكاس هذه المشاكل على الدول الفقيرة، ما يقلقها هو الآثار الاقتصادية التي قد تترتب عن فشل هذه الدول في اللحاق بالركب.

لم يحتج الأمر لأكثر من عام واحد ليحدث الذكاء الاصطناعي انقلابا، هذا إن لم نقل ثورة، في جميع القطاعات المهنية سواء كانت مدنية أو عسكرية أو أمنية. التأقلم مع التحديات التي فرضتها التكنولوجيا الجديدة شكل تحديا بالنسبة إلى الدول الصناعية المتقدمة، ما بالك بالدول التي تفتقر إلى البنية التحتية والقوى العاملة الماهرة، ما هي فرصها للمنافسة والاستثمار؟

جورجيفا ليست متفائلة، وأكثر ما تخشاه أن تُترك تلك الدول لتواجه مصيرها منفردة.

ولكن، بالنسبة إلى البعض، خاصة المسؤولين الحكوميين في الدول الفقيرة الغارق معظمها بمشاكل أمنية وأزمات اقتصادية حادة، يبدو الحديث عن أزمة يخلفها الذكاء الاصطناعي أمرا سابقا لأوانه، لذلك لم تتحرك قيد أنملة في هذا الاتجاه.

لن نتوقع، قريبا على الأقل، أن تهتم دولة المواطن فيها يعيش معركة يومية للحصول على خبزه كفاف يومه، وتنشغل بـ”ترف” اسمه الذكاء الاصطناعي.

هذه الدول اكتفت من الذكاء الاصطناعي بالمسيّرات والدرونات لتخوض حروبها وصراعاتها الإقليمية، أما ما تبقى فهو لا يعنيها بشيء.

في دول الشرق الأوسط باستثناء الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية اللتين زادتا بشكل كبير من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي كجزء من إستراتيجيات تنويع مصادر الدخل، تبدو باقي دول المنطقة في وضع العاجز عن فعل أي شيء لمواجهة تسونامي الذكاء الاصطناعي القادم.

أما في شمال أفريقيا فإن الاستثناء الوحيد حتى هذه اللحظة هو المغرب الذي أعلن إحداث مدرستين للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية في تجربة تعد الأولى من نوعها في البلاد.

ويهدف المشروع إلى تزويد البلاد بنموذج جديد من مدارس المهندسين التابعة للجامعات بغية تكوين رأسمال بشري متخصص قادر على مواكبة التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي والانخراط في مجتمع المعرفة.

ولكن هل هناك حقا ما يستوجب القلق؟ تجارب الماضي تقول إن التغيرات الكبرى تتطلب فترة زمنية طويلة لتحدث تغيرات كبيرة. ونذكر هنا المحرك البخاري والمحرك الانفجاري وحتى المصباح الكهربائي، كلها اختراعات تطلبت وقتا طويلا لتنتشر وتسود.

مع الأسف، الأمر مختلف تماما مع الذكاء الاصطناعي، الذي استطاع خلال عام واحد أن يشغل العالم.

عام 2023 شكل بداية انتشار واسع لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ويتوقع الخبراء أن تتطور هذه الأنظمة بسرعة، لتصبح قابلة للاستخدام في مختلف القطاعات والمجالات، ما ينذر بتغيير نمط حياة البشر في مختلف النواحي.

اليوم كثر الحديث عن المساعد الشخصي. تخيل أن يكون لك مساعد خاص يقدم لك الاستشارات الطبية والقانونية والمالية وحتى الفنية، ويختار لك ما تلبسه وطريقة تسريح شعرك ويرسم لك برنامجك اليومي وأين تقضي السهرة.

ما هو الأثر الذي سيخلفه مثل هذا المساعد، ولن نقول إن وجد، لأن بشائره أصبحت واضحة للجميع؟

الملياردير بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت، لا ينصح بالانتظار.. لم تعد أمام الحكومات والشركات فرصة لترف التروي. وهو ما عبر عنه بوضح خلال مؤتمر”مستقبل الذكاء الاصطناعي 2023”.

عدد غيتس الابتكارات الصحية المحتملة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، قائلاً إن التكنولوجيا يمكن أن تؤدي إلى نوع من الأدوية القادرة على علاج مرض الزهايمر والأمراض المماثلة.

وتطرق إلى مخاطر فقدان الوظائف المحتملة التي تشكلها التكنولوجيا، محذرا من أن الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ستؤثر على العاملين من ذوي الياقات البيضاء والزرقاء على حد سواء، لأن كلفة استخدام الروبوتات ستكون أقل بكثير من كلفة توظيف البشر.

المخاوف نفسها عبر عنها خبير الذكاء الاصطناعي البروفيسور غاري ماركوس، وهو من النقاد البارزين وشارك في تأسيس مختبر أوبر ومركز جيفرسون للذكاء الاصطناعي، حيث تحدث ماركوس خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأميركي عن المخاطر الهائلة التي تتعرض لها الوظائف التي تقدمها هذه التكنولوجيا. وقال “أعتقد على المدى الطويل أن الذكاء الاصطناعي العام سيحل حقاً محل جزء كبير من الوظائف البشرية”.

والسؤال ماذا يقصد ماركوس بالمدى الطويل؟ هل يتحدث عن مئة عام؟ أم عن عقد من الزمان؟ أم عن بضع سنوات؟ غالبا، ومقارنة بما شاهدناه حتى اليوم، المدى الطويل لن يكون أكثر من عشر سنوات.

قبل تسع سنوات استحوذت غوغل على شركة “ديب مايند”، واليوم يعمل مؤسسها، مصطفى سليمان، وهو بريطاني من أب سوري على شركة ذكاء اصطناعي جديدة، “إنفليكشن إيه آي” أثارت إعجاب غيتس الذي اعتبرها تجسيدا لفكرته عن مساعد ذكاء اصطناعي شخصي، قائلا إن شركات مثل أمازون وغوغل ستكون مهددة للفائز من الشركات بتقديم أول مساعد شخصي رقمي.

والسؤال: في عالم متغير مثل هذا، هل هناك مجال للانتظار؟

غوغل التي أطلقت “مبادرة فرصة الذكاء الاصطناعي لأوروبا” بهدف توفير التدريب على مهارات استخدام الذكاء الاصطناعي لا تعتقد أن هناك مجالا للانتظار. وتستهدف غوغل مساعدة الناس في الاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، في ضوء وضع أوروبا الجيد لريادة هذا المجال.

وتتشارك غوغل مع حكومات ومنظمات المجتمع المدني والشركات في الاتحاد الأوروبي لتوفير تدريبات الذكاء الاصطناعي للشركات الناشئة المحلية والمجتمعات المحرومة التي تواجه خطر التخلف، في ظل استمرار نمو استخدامات الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل.

غوغل تعتقد أن هناك فجوة في المهارات الرقمية تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي، ويتطلب سدها تدريب المهنيين على استخدام الذكاء الاصطناعي ومساعدتهم على تطوير سيناريوهات جديدة لأماكن العمل.

إذا كان هذا هو حال الدول “المترفة”، فما هو حال دول فقيرة غارقة بالمشاكل الاقتصادية والأمنية؟ هل لديها أي فرصة لمواجهة تسونامي الذكاء الاصطناعي؟

العرب