تونس – عيّن الرئيس التونسي قيس السعيد فتحي النوري محافظا جديدا للبنك المركزي التونسي خلفا لمروان العباسي، وفق بيان نشرته رئاسة الجمهورية على حسابها في منصة فيسبوك الخميس، في وقت تشهد البلاد تحديات اقتصادية وسياسية عديدة.
ويقول محللون إن التغيير يكشف عمق الخلافات بين مؤسسة الرئاسة والعباسي حول العديد من الملفات خاصة مع تنامي حجم القلق الكبير في الأوساط السياسية والاقتصادية من تردي الأوضاع المعيشية والانعكاسات السلبية على أداء الاقتصاد.
وسيكون النوري المحافظ رقم 14 للبنك المركزي منذ الاستقلال في 1956 والخامس منذ العام 2011 بعد كل من توفيق بكار ومصطفى كمال النابلي والراحل الشاذلي العياري وأخيرا العباسي.
والمحافظ الجديد، الذي أدى اليمين الدستورية أمام الرئيس سعيد هو اقتصادي حاصل على شهادة الدكتوراه في اقتصاد الطاقة، وشغل العديد من المناصب الحكومية منها عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى عضو في مجلس التحاليل الاقتصادية.
كما عمل مستشارا اقتصاديا لدى هيئة السوق المالية، وعضو لجنة السوق المالية في المركزي، وذلك وفقا للسيرة الذاتية التي نشرها البنك على منصته الإلكترونية.
ويأتي تعيين النوري وسط مخاوف تخلف تونس عن سداد ديونها وفقا لوكالة موديز التي توقعت في تقرير حديث أن استحقاقات الديون الكبيرة التي يتعين على البلاد سدادها تزيد من مخاطر إعادة التمويل في غياب تمويل خارجي شامل.
وأوضح خبراء الوكالة في تقريرهم أن البلاد تواجه فجوة في التمويل الخارجي، بسبب ضخامة الأقساط الخارجية المطلوب سدادها.
ورغم تأكيد تونس قدرتها على السداد، أشارت موديز إلى أن البلاد ستفتقر إلى تمويل خارجي شامل إذا لم تحصل على دعم صندوق النقد الدولي، ولم تنل بعد موافقة مجلس إدارة الصندوق على برنامجها المرتقب.
وفي نوفمبر الماضي، قال البنك الدولي في تقرير إن الاقتصاد التونسي يرزح تحت عوامل سلبية عدة، من أبرزها “الجفاف المستمر والتحديات في التمويل الخارجي، مع تواصل تراكم الديون المحلية في أهم المؤسسات العمومية، والعقبات التشريعية”.
ويتعين على الحكومة التونسية سداد حوالي 1.8 مليار دولار خلال العام 2024 ونحو 2.1 مليار دولار في العام المقبل.
وستكون السندات الدولية البالغة 850 مليون يورو (924 مليون دولار) المستحقة هذا الشهر أول اختبار لقدرة تونس واستعدادها للسداد لدائنيها، وفق مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية.
ويثق حاملو السندات في قدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بسداد ديونها خلال العام المقبل، حتى رغم أن مصير خطة الإنقاذ من صندوق النقد على المحك، مما قد يفاقم الشعور العميق بضائقة تضرب البلاد.
وفي يناير الماضي، تم تداول سندات تونس المقومة باليورو المستحقة هذا الشهر بالقرب من معدلها، بعد انخفاضها 46 في المئة خلال أبريل الماضي، بعدما رفض الرئيس سعيد شروط صندوق النقد الدولي لتمويل بقيمة 1.9 مليار دولار.
تونس تمتلك احتياطيات أجنبية كافية للوفاء بالتزامات ديونها دون التسبب في أزمة ميزان مدفوعات
كما ارتفعت السندات الدولارية المستحقة في يناير من العام المقبل بنحو 4.8 سنت على الدولار هذا العام إلى 87.03، مقتربة من أعلى مستوى لها في أغسطس 2021.
وتمتلك تونس احتياطيات أجنبية كافية للوفاء بالتزامات ديونها دون التسبب في أزمة ميزان مدفوعات، وفق باتريك كوران، كبير الاقتصاديين في تيليمر.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن كوران قوله الشهر الماضي، “لقد ساعدت احتياطيات العملات الأجنبية في تغطية نحو أربعة أشهر من احتياجات الاستيراد المقننة، في حين أدى انتعاش السياحة وتحويلات المغتربين التونسيين إلى تعزيز التدفقات الوافدة”.
وبحسب البيانات المنشورة على موقع المركزي التونسي، تبلغ الاحتياطات النقدية أكثر من 26 مليار دينار (8.3 مليار دولار).
وقبل أيام على التعيين الذي لم يتم إيضاح أسبابه، أقرت تونس قانونا يسمح للمركزي بمنح تسهيلات للخزينة العامة للدولة بقيمة سبعة مليارات دينار (2.25) تسدد على مدى 10 سنوات منها ثلاث سنوات سماح، ومن دون فوائد.
ويتخوف أن يساهم القانون الجديد في تفاقم الضغوط على السيولة، وارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الدينار التونسي. لكن وزيرة المالية سهام البوغديري قالت آنذاك أمام البرلمان إن “الأموال التي نطلبها من البنك المركزي لن تصرف في الاستهلاك”.
وأكدت أن المبلغ الذي “سنأخذه من البنك المركزي لن يضاف إلى الكتلة النقدية لأنّ جزءا منه سيصرف في تسديد الدين الخارجي”، مضيفة أنه “سبق وأن صارحنا نواب الشعب بأن سنة 2024 ستكون سنة صعبة بالنظر للعديد من المعطيات”.
وتتوقع الميزانية التونسية لهذا العام أن تصعد تكاليف خدمة الدين إلى 14.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من نحو 13.1 في المئة خلال العام الماضي، و10 في المئة خلال العام السابق له.
وترجح مؤسسة دولية أن يصل تراكم الدين العام للبلاد في 2024 إلى نحو 140 مليار دينار (44.7 مليار دولار)، أي نحو 79.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وسيكون هذا الرقم ارتفاعا من حوالي 40.55 مليار دولار مقدرة في العام الماضي، بما يعادل 80.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و79.83 في المئة خلال العام 2022.
العرب