بدأ الإهتمام الدولي والإقليمي لجمهورية السودان بعد الاحتجاجات الشعبية التي طالت نظام الرئيس السابق عمر البشير وأيدتها بعض القيادات العليا العسكرية في الجيش السوداني وأدت للاطاحة به في 11نيسان 2019 وعزله، وهذا التطور الميداني السياسي ادى إلى عودة السودان لدوره العربي والأفريقي بعد سنوات من العقوبات المفروضة عليه باعتباره إحدى الدول الراعية للارهاب العالمي، وتم دعم الحكومة السودانية الجديدة بحزمة من المساعدات الأقتصادية من الدول الغربية والعربية كان أبرزها المساعدة المالية التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة (3) مليار دولار للموقف المؤيد الذي بدأه النظام الجديد من دعم التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في اليمن في مواجهتها لجماعة الحوثيين، كما تمكن السودان من استعادة علاقته الإيجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بدعم مجلس السيادة السوداني الذي حكم البلاد منذ شهر أب 2019، وحينها تم تحيد العلاقات مع دولة قطر وتركيا اللتان كانتا تتمتع ان بعلاقة وثيقة مع نظام البشير.
أصبح السودان يدرك المكانه الإستراتيجية التي يتمتع بها وموقعه في قلب القارة الأفريقية حيث تتصل حدوده بسبع دول أفريقية وعربية هي جمهورية مصر العربية , ليبيا , تشاد , جمهورية أفريقيا الوسطى , جنوب السودان , جمهورية أثيوبيا الاتحادية و إرتيريا كما يفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية، إضافة إلى غناه بالمواد الطبيعية الثروات المعدنية فهو خزين من ( الغاز الطبيعي والذهب والفضة والكبريت والزنك)، ويعتبر السودان واحد من أكبر ثلاث بلدان في القارة الأفريقية من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوفر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بما يقارب ثلث إجمالي مساحته البالغة 1,886,068 كيلومتر مربع، (728,215 ميل مربع)، مما يجعله (سلة غذاء) عالمية،
و ينعم السودان بثروات معدنية هائلة ومتعددة، ففيه خامات للحديد والنحاس (حيث تُقدر الاحتياطيات بحوالي 5 ملايين طن) والفضة (حيث تُقدر الاحتياطيات بحوالي 1500 طن) وهناك الرمال السوداء والذهب (حيث تُقدر الاحتياطيات بحوالي 1550 طن) والرخام وغيرها من المعادن،
الذهب يتصدر أعلى صادرات السودان غير البترولية بنسبة 46.3 بالمئة في العام 2022، طبقاً لبيانات البنك المركزي، وذلك بقيمة 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليار دولار هي إجمالي صادرات البلاد للعام 2022، ويعتبر الدولة الثالثة في العالم بعد ليبيا وغانا المصدرة للذهب إلى أسواق دولة الإمارات حيث بلغت مقدار التصدير عام 2019 ( 16) مليار دولار، وأبرمت روسيا اتفاقاً مع السودان في تشرين ثاني 2020 أمده (25) عاماً يتم بموجبه انشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان تستوعب (300) جندي روسي والسماح بدخول السفن الحربية والطائرات الروسية للسودان، وترى روسيا ان هذا الاتفاق سيتيح لها التدخل في الأوضاع القائمة في ليبيا واعادة دورها الذي فقدته بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011 والاندفاع نحو الدول الأفريقية الأخرى ووصولها إلى كنوز الموارد الطبيعية الثروات المعدنية، وهذا ما دفع القيادة الروسية أن تدعم جماعة (فاغنر) في تزويد قوات الرد السريع بقيادة محمد حمدان دقلو بصواريخ أرض – جو لتعزيز دوره وقدرات مقاتليه، مقابل استمرار تدفق وتأمين كميات من الذهب واليورانيوم من السودان لدعم احتياجات روسيا بسبب العقوبات الأمريكية الأوربية التي فرضت عليها بعد حربها مع أوكرانيا، حيث يمتلك ( حميدتي) استثمارات كبيرة فيه منذ أن منحه الرئيس، السوداني السابق عمر البشير حقوق التنقيب عن الذهب في منطقة جبل عامر.
وأخذ النظام السوداني بالتقرب من دولة الإمارات العربية المتحدة التي سعت في شهر آيار 2020 من استضافت مسؤولين سودانيين بارزين وحققت لهم اجتماعات عديدة مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية وبعد عدة لقاءات وبحضور أمريكي، اتفق الجانببن السوداني والإسرائيلي على تطبيع العلاقات بينهما وبدأت أولى المراحل لرفع العقوبات الإقتصادية عن السودان ورفع اسمها من لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
وسبق لتركيا وأن حاولت زمن علاقاتها مع عمر البشير أن تحظى بموطئ قدم لها في جزيرة سواكن الواقعة في شمال شرق السودان من خلال التوقيع على صفقة بقيمة 650 مليون دولار لتطوير الميناء في عام 2017 وبناء رصيف بحري لغايات عسكرية ومدنية. وقد أثارت خطط أنقرة آنذاك قلق كل من السعودية والإمارات ومصر إزاء رغبة تركيا في بسط نفوذها في البحر الأحمر، وبعد عام وقع السودان على صفقة بقيمة 4 مليارات دولار مع قطر بهدف تطوير ميناء سواكن، مما أشار إلى رغبة الدوحة في دخول معترك البحر الأحمر أيضا كمحاوله لمواجهة الوجود البحري الكثيف للإمارات في منطقة القرن الأفريقي، ولكن التطورات السياسية التي ألت إليها الظروف السياسية في السودان أوقفت العديد من هذه المشاريع بل في بعض الأحيان أعلن عن الغاء الاتفاقيات. بدأ تشكيل مجلس السيادة الذي تولى السلطة في السودان لمرحلة انتقالية بعد إسقاط حكم الرئيس عمر البشير في نيسان 2019، فتولى قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان رئاسة مجلس السيادة بينما تولى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب (حميدتي) منصب نائب رئيس المجلس،
وأخذت الخلافات تظهر للعلن بعد أن اتخذ الجيش تسانده قوات الدعم السريع، قراراً بحل مجلس السيادة الذي يتكون من مدنيين وعسكريين، وإقالة حكومة رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك واستلام السلطة مباشرة في 25 تشرين الأول 2021 من قبل قيادة الجيش.
وبدأت بوادر الإختلاف بين البرهان وحميدتي تأخذ طابع المنافسة على السلطة والتحكم مقدرات البلاد، وكانت أولى الخلافات تتعلق بالجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم السريع في صفوف القوات المسلحة السودانية بموجب الإتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في الخامس من شهر كانون الأول 2022 لحل الأزمة السياسية المستمرة أنذاك في البلاد منذ انقلاب الجيش على حكومة عبد الله حمدوك في تشرين الأول 2021،
و ابتدأ الافتراق عند تشكيل ورشة ختامية بعنوان ( الإصلاح الأمني والعسكري) لم يحضرها ممثل القوات المسلحة مما اُعتبر أنه يمتنع عن الموافقة على مجريات التفاوض بما يتعلق بالجدول الزمني المقترح لعملية دمج قوات الرد السريع في الجيش، كون المقترح كان لمدة عشر سنوات لاستكمال عملية الدمج بينما طالبت القوات المسلحة بزمن أقصاه سنتين، ثم مطالبة حميدتي أبعاد مسألة الإصلاح الأمني والعسكري من النقاش، وهو ما فسر على انه رفض لمقترح القوات المسلحة السودانية ليبقى على استقلاليته وتحكمه واستمرار بسط نفوذه وسلطته الاقتصادية بعيداً عن المؤسسات العسكرية والأمنية، وهذه كانت أولى المحطات التي اشعلت بدايات الحرب الأهلية.
ومنذ يوم 15نيسان 2023 بدأ النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وبين قوات الرد السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتركزت في بدايتها حول العاصمة الخرطوم ثم امتدت لتشمل مدن وبلدات عديدة أهمها ولاية دارفور وأخذت طابع الأشتباكات المسلحة الشديدة، وأسفرت في بدايتها عن مقتل 300 شخص وإصابة 3000 جريح بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية،
وبداية الصراع كان بسبب قيام قوات الرد السريع بالاستيلاء على قاعدة جوية للجيش في مدينة مروي وانتشارها في مناطق عدة من العاصمة الخرطوم دون موافقة القوات المسلحة السودانية أو التنسيق معها.
وقوات الرد السريع أنشأها الرئيس السابق عمر البشير وكانت عبارة عن مليشيات مسلحة تعمل كجيش صغير لمساندته في حربه ضد المتمردين في ولاية دارفور وبتقادم الزمن أصبحت قوة كبيرة وتنافس الجيش السوداني، وقامت بعدة مجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان لتنقلب على البشير وتدعم حركة الجيش باسقاط نظامه، ثم تختلف مع عبد الفتاح البرهان وتسعى في أهدافها لتقسيم السودان واشعال حرب أهلية راح ضحيتها الآلآف من أبناء الشعب السوداني.
كان لغياب قدرة المعارضة السودانية المدنية وعدم وجود قواسم مشتركة تحدد فعلها وديمومة وجودها الأثر الكبير في تصاعد حدة الأحداث وتطورها في السودان، فقوى الحرية والتغيير ( المجلس المركزي) والتحالف الديمقراطي للعدالة الإجتماعية وقوى الحرية والتغيير ( الكتلة الديمقراطية) دعوا للتهدئة ووقف القتال والعودة لطاولة الحوار، فيما أعلنت ( حركة المستقبل للإصلاح والتنمية) وقوفها مع قوات الشعب المسلحة في مواجهة التمرد، كما بين تحالف قوى التغيير الجذري وهو تحالف يضم ( الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السوداني الجناح المنشق وأسر الشهداء واتحاد مزارعي الجزيرة) عن رفضه للتحركات العسكرية بين الطرفين وأكد انه صراع تقوده محاور دولية واقليمية، ووقف التيار الإسلامي بقيادة محمد علي الجزولي مع القوات المسلحة السودانية ضد من أسماهم ( وكلاء المشروع الأجنبي).
تم دعم حركة الجيش السوداني في مواجهته لتمرد قوات الرد السريع بعدة فصائل ومجموعات قتالية وهي ( المقاومة الشعبية التي تمثل كتائب البراء بن مالك وغاضبون بدون حدود وثوريون) ولديها قواعدها ومؤيديها في مدينة الخرطوم ومجاميع أخرى تنتظر الالتحاق بها بعد إكمال تدريبها في معسكرات خاصة بها ثم كتيبة المطمورة في ولاية القضارف شرق السودان،وهناك قوات متدربة من عناصر استخبارات المقاومة في مدينة أم درمان القديمة ويتم دعم المقاومة الشعبية من قبل الحركة الإسلامية، وهناك كتيبة ( البنيان المرصوص) وهي أكبر الكتائب وتضم عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الذين تركوا العمل بعد للاطاحة بنظام عمر البشير.
أما قوات الرد السريع فالتحق بها حركة ( درع السودان) التي تنادي بحقوق أهالي وسط السودان، وقوات الصحوة وحركة غازج، والتحقق معهم أخيراً ( حركة مظلوم التشادية) بزعامة حسين الأمين مع مجاميع أخرى من جنوب السودان، ثم حركة ( شجعان كردفان) وهي المجاميع القبلية التي سبق لها وان قاتلت في الأراضي الليبية لقاء مبالغ مالية وأصبح قسم منها عصابات للقتل والسلب والنهب كما حصل في ولاية الجزيرة.
تداعت القوى الدولية والإقليمية للتدخل لحل الأزمة القائمة بين الجيش السوداني وقوات الرد السريع، فكانت المبادرة السعودية المصرية والتي عقدت عدة اجتماعات في جدة والقاهرة بغية إيجاد حلول لانهاء الصراع بين الأطراف المتحاربة، فالمملكة العربية السعودية حريصة على عدم التصدع المستمر في البيت العربي وتدعو للتهدئة وحل الخلافات بالحوار، وكونها تعتبر أكبر مستثمر في السودان خاصة في القطاع الزراعي، ومصر ترى في السودان عمقها الإستراتيجي وتعدها الحليف الأبرز في صراعها الدائر مع إثيوبيا حول سد النهضة،وان استمرار الصراع سيؤثر على الشراكة التجارية بين البلدين خاصة وأن جزءاً من صادرات السودان الزراعية والحيوانية تصل للأسواق المصرية ومنها يعاد تصديرها لدول أخرى بسبب العقوبات المفروضة على السودان،
وتدخل الاتحاد الأوربي في إنهاء المشكله خشية تعاضمها وكونها تؤثر على عامل الهجرة لأوروبا حيث كانت قوات الرد السريع تتلقى اموالاً لمنع هجرة الأفارقة عبر الصحراء بين ليبيا وتشاد والسودان،
والولايات المتحدة ترى مصلحتها في أن تتعامل مع الطرفين لإنهاء الأزمة، أما الصين فإنها تسعى للحفاظ على استثماراتها بقطاعات النفط والمباني والإنشاءات وتوسيع نفوذها الاقتصادي والابتعاد عن التدخل بشؤون السودان الداخلية.
أما إسرائيل التي ترتبط بعلاقات قوية بطرفي الصراع السوداني، فلم يخرج موقفها عن الدعوة إلى وقف القتال، على اعتبار أن تفجر المواجهات العسكرية قد يؤجل توقيع اتفاق التطبيع مع السودان، حيث تأمل حصول ذلك قبل أن ينتقل الحكم في الخرطوم إلى جهة مدنية، في حين ترى بعض المصادر أن إسرائيل تميل أكثر إلى حميدتي الذي تربطه علاقات قوية بجهاز الموساد.
تمكنت قوات الردع السريع من تحقيق تقدم في عدة محاور من القتال في المدن الرئيسية السودانية لفعالية
جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لقوات الدعم الذي نشط في جمع كل صغيرة وكبيرة عن الجيش ، ورصد أنواع الأسلحة وأماكن توزيعها، وعرف الكثير عن سلبيات المؤسسة العسكرية، هذه المعلومات ساعدت كثيرا في إحراز انتصارات على الجيش، وواحدة من اكبر اخطاء البرهان، انه لم يعترض على تمدد قوات الدعم السريع في العاصمة المثلثة، ولا اعترض علي توسع معسكراتها حتي وصلت إلى مدينة مروي، وسقوط ضباط وجنود أسرى في يد قوات الدعم السريع يدل على عدم خبرة هؤلاء الأسرى باسلوب المناورة والانسحاب التكتيكي او لعدم خبرتهم بجغرافية العاصمة المثلثة.
والحرب التي يخوضها الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع ، اكدت كل الشواهد والأدلة الثابتة على أنه جيش لم يكن مجهز لها تجهيز كافي ، ولا مستعد لخوضها بأي حال من الأحوال ، ولم يسبق لقادة الوحدات العسكرية ان أعدوا خطة حربية كاملة التفاصيل شديدة الدقة قبل شن الحرب منعاً لوجود سلبيات قد تؤدي إلى خسائر في الأرواح والمعدات.
وأمام هذه التطورات الميدانية والعسكرية وعدم وجود أفاق استراتيجية لإيقاف المواحهة العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الرد، اتخذ عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة بالسودان قراراً بالذهابد إلى مدينة بورتسودان، في خروج نادر له من العاصمة الخرطوم منذ بدء القتال
واتخاذها مقراًله منذ اندلاع القتال مع قوات الدعم السريع في منتصف نيسان سنة 2023.
و يعتزم تشكيل حكومة طوارئ لإدارة شؤون البلاد برئاسة نائبه مالك عقار، ويتجه لتسمية بورتسودان عاصمة إدارية للبلاد، وود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد) عاصمة اقتصادية.
ومدينة بورتسودان باتت تشكل مقرا بديلا للحكومة السودانية منذ الأسابيع الأولى لاندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، كما انتقلت إليها بعض البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية.
تبعد بورتسودان نحو 800 كيلومتر عن الخرطوم، وهي ثاني أكبر مدن السودان وأكثرها أهمية اقتصادية، حيث تعد البوابة البحرية الأكبر للبلاد بمينائها الذي يعد منفذاً رئيسياً لاستيراد السلع الإستراتيجية وتصدير نفط دولة جنوب السودان.
أما النظام الإيراني فقد سعى إلى استغلال الأحداث الجارية في السودان لتحقيق مأربه ومحاولته الوصول لساحل البحرالاحمر ومداخل القارة الأفريقية عبر الأراضي السودانية وإيجاد منافذ حقيقية له في تعزيز دوره في العمق الأفريقي وتحقيق الاطلالة البحرية عبر قواعد عسكرية إيرانية تطل على البحر الأحمر لتكون قريبة من الحدود المائية مع اليمن وتحقيق التواصل مع الحوثيين وتنفيذ الأبعاد الاستراتيجية للمشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ عبر طرق المواصلات البحرية والسيطرة على المضائق والممرات المائية والتجارية القريبة من السعودية واليمن وإسرائيل عبر قناة السويس وهذا ما تسعى اليه في تنويع تدخلاتها الدولية والإقليمية لتعزيز مكاسبها وتحقيق ومنافعها في مناطق مهمة ولكي يكون لديها دوراً مفاعلاً في معالجة حالة الخلاف بين طرفي النزاع في السودان.
رأيت إيران في هذه الأحداث فرصة ثمينة لتعميق دورها الميداني في التواجد على الأرض التي تشكل لها تربة خصبة لتوسيع نفوذها اعتماداً على حالة التفكك التي يشهدها ويعيشها السودان وإستثمار أثار العلاقة التاريخية التي تربطها مع مجموعة ( الكيزان) َوهي المفردة التي أطلقها الشعب السوداني على المنتمين للحركة الإسلامية التي تزعمها حسن الترابي زهاء نصف قرن من الزمن وكانت تحت مسميات عدة منها ( الجمعية الإسلامية القومية والمؤتمر الشعبي وجمعية الميثاق الإسلامية واخيراً المؤتمر الشعبي)، وهم المجموعة التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة ثم تعاونت مع عمر البشير وبمباركة حسن الترابي وباقي قيادات الحركة الإسلامية في السيطرة على السودان عام 1989، حيث بقيت العلاقة مع قيادة الحركة الإسلامية وإيران مستمرة وظهر تأثيرها في عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران وتواصل عبد الفتاح البرهان مع القيادة الإيرانية وطلب المعونة العسكرية منهم مستنداً على عمق العلاقات السابقة التي كانت تربط النظام السوداني بايران عبر العديد من الفعاليات والجهد الأمني والعسكري الذي قامت به إيران في تسعينيات القرن الماضي والذي شهد أولى مراحل التغلغل الإيراني في بناء مجمع مصانع اليرموك بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وهو مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والذي أقيم لخدمة إيران وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة إلا أن ذلك المصنع قصفه الطيران الإسرائيلي فجر الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 2012،
وسبق لإيران ومؤسساتها الدينية والثقافية أن أنشأت مكتبات عامة في بعض المراكز الثقافية، كالمركز الثقافي في العاصمة السودانية الخرطوم ومكتبة الإمام جعفر الصادق بمنطقة العمارات ومكتبات أخرى في مدينة أم درمان، ومن أبرز المؤسسات التعليمية التي أقيمت مؤسسة الإمام علي بن أبي طالب و مدرسة فاطمة الزهراء بالعاصمة السودانية الخرطوم، ومعهد الإمام علي للقراءات بمنطقة الفتيحاب.
قام النظام الإيراني بتسليم عدد من الطائرات المسيرة للجيش السوداني بعد عدة أشهر من إستئناف العلاقة بين البلدين والتي أخذت انعطافاً هاماً في طبيعة النزاع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الردع السريع الذي أوقعت فيه خسائر كبيرة وتم استعادة عدد من المدن في وسط البلاد وغرب مدينة كردفان وتقدم الجيش في ولايات الجزيرة دارفور وأم درمان والخرطوم البحري وإيقاف الزحف الميداني الذي حققته قوات الردع في الأشهر الماضية، وتحققت هذه الإنجازات العسكرية بعد قيام النظام الإيراني بتزويد الخرطوم بالمعدات العسكرية المتطورة ومنها طائرة مهاجر (6) المسيرة ذات التقنية العالية والتي تم تصميمها عبر شركة القدس للصناعات الجوية الإيرانية بمواصفات متقدمة عبر حملها لذخائر موجهة.
وتبقى المنطقة الأكثر خصبة لتقبل المد الإيراني هي معقل الجيش السوداني في شرق السودان بوجود قبائل (البجا) ودعمها للحركة الإسلامية والقوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان وهي التي جعلت من مدينة بورتسودان مكاناً مريحاً وبداية جيدة للسيطرة على الميناء الاستراتيجي، ويرأس هذه المجموعة ( محمد الأمين ترك) عضو المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ومن الموالين للبرهان وتعمل معه(قوات العمل الخاص) التابعة للجيش والتي تتكون من عناصر سابق لها وان عملت مع مديرية الاستخبارات في عهد الرئيس البشير وتشاركها القوات الخاصة والصاعقة، وهي جماعات تنشط في ولايتي كسلا والخرطوم.
تتحدد مجمل الغايات الإيرانية في انها تنظرللسودان بشكل جيو سياسي استراتيجي من موقع اهتمامها لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر واعتباره مدخلاً للقارة الأفريقية وتعزيز نفوذها في المنطقة عبر البوابة السودانية.
اما الأهداف السودانية فإن قيادة عبد الفتاح البرهان ترى في التعاون العسكري مع إيران سبيلاً لمواجهة التمرد المسلح لقوات الردع السريع والتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على السودان منذ عقدين من الزمن وهذا ما يجعله يسارع في شراكات سياسية عسكرية مع إيران ويرى فيها مجالاً لتعزيز كفته في النزاع القائم مع قوات الردع السريع.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية