تتأخذ السياسة الخارجية في إيران من الدبلوماسية والعلاقات الدولية مساراًمهماً يحدد الأطر الميدانية التي يضعها المرشد الأعلى على خامنئي وتعتبر ملفاً سيادياً هاماً يحتوي الخطوط العريضة للتعليمات والتوجيهات الصادرة من القيادة الإيرانية والتي تهتم بمضمون المشروع الإيراني في نشر فكر وعقيدة الثورة الإسلامية التي نص عليها دستور الدولة واتباع سياسة التمدد والنفوذ لتحقيق أهداف المشروع السياسي الإيراني، ومن بديهيات الأمور التي يسعى النظام إليها هي توسيع نفوذه في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية لقربها من حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر والمدخل الجنوبي عند باب المندب ومدخله الشمالي من جهة قناة السويس باعتبار أن البحر الأحمر شريان الحياة الواصل بين أرجاء العالم وحلقة الوصل المحورية لشريان التجارة العالمية، وهو المنطقة الأكثر أهمية في اقتصاديات الأقطار العربية وخاصة جمهورية مصر العربية حيث العوائد المالية والاستثمارات التجارية عبر قناة السويس.
ولهذه الأسباب كانت الأهداف الإيرانية تتجه نحو تحقيق حلمها في السيطرة والهيمنة والتنافس حيث تواجد القوى الدولية والإقليمية من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وإسرائيل وتركيا ولتحقق لها اغراضاً سياسة و دافعاً لها في التأثير الإقليمي وعند حدوث اي متغيرات قادمة في المنطقة، وترى ان من أهم توجهاتها نحو الهيمنة على الدول العربية والإسلامية إنما يبدأ حيث انتشار وتأثير نفوذها في القارة الأفريقية التي من خواصها المجتمعية وجود ظواهر ( المرض والجوع والبطالة والضعف) ووجود الثروات الطبيعية الهائلة فيها من معادن( الذهب والنفط واليورانيوم والكوبالت) التي تستخدم في الصناعات الثقيلة النووية.
ومن خواص الدول الأفريقية التي تهم الجانب الإيراني أن معظم شبابها من الذين يمكن استيعابهم في سوق العمل الإيراني واستخدام التنمية المجتمعية أساس في التعامل وبناء علاقات مع جهات حكومية وغير حكومية للتغلب على العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وعبر هذه الفعاليات التجارية يمكن لها أن توجد
موطئ قدم تستطيع فيه من أن تكون عاملاً رئيسياً في السيطرة على الممرات المائية في البحر الأحمر التي تمثل احد الأهداف الاستراتيجية في العقيدة الايرانية عبر تنويع علاقتها مع دول ( ارتيريا والسودان جيبوتي إثيوبيا والصومال) والتي تشكل العصب الحقيقي لدول أقصى شرق أفريقيا العليا.
تأمل إيران في سعيها الحثيث لتحقيق مشروعها السياسي في منطقة الشرق الأوسط كقوة إقليمية تسعي للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمي الجديد، وهو ما قد تبين من خلال مهام الحرس الثوري الإيراني وأعماله الخارجية في دول الجوار الإفريقي والعربي، لاسيما اثناء أحداث ثورات الربيع العربى تلك التي مهدت للأذرع الإيرانية الاندفاع بقوة نحو منطقةالشرق الاوسط من جهه كما هو واضح في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان والبحرين.
يتم تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية عبر إيجاد مفاعيل حقيقية تتمثل في المساعدة بمعالجة بعض الأزمات والمشاكل التي تعاني منها معظم الدول الأفريقية حيث الصراعات السياسية والاختلافات الجوهرية في تسيد أمور الحكم وهيمنة المؤسسات العسكرية والأمنية على القرار السياسي والأمني في معظم الدول الأفريقية وهي حالة مكنت إيران من استغلالها ودفعت جهودها في عملية التغلغل عبر الوسائل والأدوات التي تمكنها من التواجد على ساحل البحر الأحمر بإنتاج وسائل سياسية وإقتصادية وثقافية للوصول إلى أهدافها وتكوين محور معادي للغرب عبر مد جسور العلاقات مع الدول الأفريقية لكسب ولاءها ولتأيد المواقف الإيرانية في المحافل الدولية والإقليمية وكسب أوراق عديدة للمساواة عليها عند مناقشة أي ملفات تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والعالم ويتم ذلك عبر تقديم الخبرات الإيرانية في قطاعي النفط والتكنولوجيا والمجال العسكري المتخصص في برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، مقابل تحقيق أهداف استراتيجية لإيران في دعمها وتأييدها بتطوير برنامجها النووي وإيجاد قواعد عسكرية وتواجد إقتصادي مهم على سواحل البحر الأحمر.
ويبقى الهدف الأهم تصدير معالم الثورة الإسلامية التي تعبر عن الأهداف العقائدية الدستورية من خلال المؤسسات والمراكز الثقافية التي انشأها النظام الإيراني والتي تشرف عليها سفاراته في الخارج وعبر البعثات الدينية والتعليمية الخاصة بنشر التشيع المذهبي الذي يتوافق والعقيدة الدينية الإيرانية وتسخير الأموال لتعزيز فعالية الأنشطة الثقافية والفنية وتفعيل دور المراكز الثقافية بقيام معارض الكتب والإصدارات والنشريات عبر الأسابيع الثقافية وبجهد أمني واستخباري متابع من قبل الأجهزة الامنية التابعة للحرس الثوري الإيراني لتشمل مفتاح الدخول لعنق الجبهة الداخلية للمجتمع الإفريقي واستغلال ظاهرة الحاجة المادية وتقديم يد المساعدة والعون للعديد من العوائل والتجمعات السكنية التي تعتبر أرض خصبة لتوطيد علاقة أجهزة النظام الإيراني بهم طريقاً لنشر أفكار الثورة الإيرانية وتحقيق أهداف المشروع الإيراني في التمدد والنفوذ وإنشاء بؤر طائفية تتغلغل في المجتمعات الأفريقية مستغلة الجانب الإنساني العاطفي في حب ( أل البيت) واعدام الهوية الوطنية وتعزيز الجانب المذهبي الطائفي الذي يخدم أحلام النظام الإيراني.
وتعزيز الوجود والهيمنة في منطقة القرن الإفريقي في مسعى إيراني لتكوين واستكمال الدوائر المفرغة من الهلال الشيعي الذي لا يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبي من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية ودعم التيارات المعارضة وتأجيج الفتن والصراعات على أسس عرقية مذهبية ضد الدول الإفريقية والعربية على حد السواء، وهو الأمر الذي يشكل تهديداً واضحاً وصريحاً للأمن القومي العربي.
اتبعت إيران العديد من الاستراتيجيات لدعم تواجدها في أفريقيا أبرزها استراتيجية التغلغل الناعم داخل المجتمعات الإسلامية الأفريقية ومحاولة تأطيرها بالمذهب الشيعي ، وذلك عبر العديد من الوسائل والأدوات الثقافية والتعليمية والدينية، ومن أبرز تلك الأدوات جامعة المصطفى العالمية التي تم إنشاؤها في عام 2007 وتمتلك حاليًا 17 فرعًا داخل الدول الأفريقية، أغلبهم في غرب أفريقيا خاصة نيجيريا.
وتمتلك الجامعة حاليًا 17 فرعًا داخل الدول الأفريقية ويقع المقر الرئيسي للجامعة في مدينة قم الإيرانية، ومقرها الرئيسي في أفريقيا يقع في نيجيريا، ويدير المقر الرئيسي في نيجيريا 17 مقرا آخرين منتشرين في دولة غانا والسنغال والنيجر، وتدير الجامعة أيضا نحو 100 مدرسة وحوزة علمية في أفريقيا موزعة تقريبا على نحو 30 دولة أفريقية، فضلًا عن الروابط الثقافية والطلابية، ومدرج نحو 7 آلاف طالب أفريقي في جامعة المصطفى العالمية.
وتستقدم إيران آلاف الطلاب الأفارقة للتعلم في إيران على شكل منح دراسية،
وبالإضافة إلى جامعة المصطفى العالمية يبرز دور جامعة آزاد الإسلامية للعلوم، وهي جامعة متخصصة في العلوم التطبيقية والتكنولوجية، وافتتحت الجامعة فرعًا لها في تنزانيا، وتنظر إلى فتح مقرات جديدة لها في أفريقيا.
وهناك اعتبارات ميدانية وسياسية وأمنية أخرى حول أبعاد التوجه الإيراني نحو القارة الأفريقية تتمركز في حرص إيران على مواجهة الحصار الدولي على خلفية مشروعها النووي وفتح أبواب لعلاقات سياسية مع دول خارج محيطها الآسيوي والعربي وتفعيل إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية لتحقيق أغراضها وأهدافها وتعزيز بنيتها النووية بالوصول إلى معادن اليورانيوم الذي تحتاجه في المشروع النوري عبر صفقات ثنائية مع عدد من الدول الأفريقية، وتعزيز الوجود الإيراني بالتوجه إلى المياه الساحلية للمحيط الهندي بعد مياه الخليج العربي والتقرب من مضيق باب المندب وكسر أي حصار إقتصادي قادم لإيران ومد نفوذه سلاحها البحري إلى أبعد نقطة من منطقة الخليج وبحر العرب وتوحيد الأهداف بين تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي عبر الاتفاقيات الثنائية وتقديم الخبرات الإيرانية والأنشطة الثقافية وبين نشر التشيع والاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية وحركة التجارة في البحار الأفريقية.
وكانت أولى الخطوات الإيرانية الانفتاح على جمهورية أرتيريا، حيث الساحل الارتيري المطل على البحر الأحمر والذي يحتوي على عدد من القواعد الصاروخية بطول الساحل، ووجود القاعدة الإيرانية في ميناء عصب بحجة مكافحة القرصنة البحرية في موانئها عبر قوات عسكرية إيرانية بحرية ولكن في حقيقة تواجدها لحماية السفن الإيرانية ومصفاة تكرير النفط والوصول إلى باب المندب، ووفق التعاون العسكري والأمني بين البلدين قامت إيران بإرسال مئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية الإيرانية والخبراء العسكريين في الحرس الثوري الإيراني للإشراف على هذه القواعد والتواجد على طول الساحل البحري.
ثم بدأ الانفتاح نحو جمهورية جيبوتي بتوقيع عدة اتفاقيات نصت على إعفاء مواطني البلدين من تأشيرات الدخول وتقديم قروض مالية من البنك المركزي الإيراني إلى جيبوتي وإعطاء منح دراسية للطلبة الجيبوتين للدراسة في الجامعات الإيرانية، وهو أسلوب اتبعته الأجهزة الأمتية بالتنسيق مع المؤسيات التربوية الإيرانية للاستفادة من اختيار عد من هؤلاء الطلبة وتجنيدهم للعمل مع الأجهزة الأمنية خدمة لأهداف الأمن القومي الإيراني وإيجاد بؤر وقواعد تنظيمية تنطلق منها نحو دول أفريقية اخرى حال عودة الطلبة من دراستهم في إيران.
ثم اتسمت العلاقة بشكل أوسع مع دولة الصومال عبر التعاون الأمني والاستخبازي والسماح بوجود بوارج إيرانية في المياه الصومالية واستخدامها ورقة لتحقيق التوازن الدولي والإقليمي في علاقه إيران مع المحيط العالمي، وتستخدم الصومال مركزاً لنقل الأسلحة والمعدات إلى شركائها وو كلاها عبر الشبكات العاملة لصالح النظام الإيراني في ( اليمن وكينيا وجنوب السودان وتنزانيا وموزمبيق) وتهريب النفط الإيراني للموانئ الصومالية وبيعه في جميع انحاءالقارة الأفريقية للالتفاف على العقوبات الإقتصادية والحصول على الأموال بالعملة الصعبة لمعالجة الأزمات الإجتماعية التي يعاني منها النظام، وتعزيز هذه الإجراءات ببناء ممرات برية لها القدرة على نقل المقاتلين والإمدادات لأي ساحة تشهد نزاعات طاىفية عرقية تخدم الأهداف الايرانية وتحقق لها مزيداً من النفوذ والهيمنة على الدول التي بسطت وجودها فيها عبر المساعدات العسكرية والأمنية.
واستغلت إيران ظهور معدن الألمنيوم عام 2007 في دولة غينيا لتعمل على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 147٪ خلال ثلاث سنوات والاستفادة من الحصول على هذا المعدن الثمين الذي يدخل في عملية تطوير البرنامج النووي الإيراني واتساع البنية التحتية للصناعات العسكرية النووية.
ثم جاءت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في العاشر من تموز 2023 لتشمل ثلاث دول ( كينيا وأوغندا زيمبابوى) في أول زيارة لرئيس إيراني منذ (11) عاماً في حملة لإعادة العلاقات الدبلوماسية التي أطلقتها إيران على الساحة الدولية، خاصة بعد التهدئة التي حدثت في علاقتها مع الاقطار العربية وتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني والهدوء في الميدان اليمني وبغية تقليص عزلتها الدولية بسبب العقوبات الغربية والأوربية، وأول بوادر هذه الزيارة زيادة حجم التبادل التجاري بين هذه الدول لتصل إلى خمس مليار دولار وإيجاد شركاء جدد داعمين للسياسة الإيرانية وفرصة للنظام للاستثمار في هذه البلدان بمجالات الطاقة والزراعة والتقنيات العلمية والتكنولوجيا كونها من الدول التي تحتوي على كنوز من المعادن والثروات الطبيعية، وتم إعادة نشاط وفعالية القوة الناعمة الإيرانية في دولة زيمبابوى عبر مكتب الهلال الأحمر الإيراني والمؤسسات الدينية ( جامعة المصطفى ودائرة المرشد) التي تقوم بنشاطات متعددة وتقدم خدمات اجتماعية مجانية عبر شبكة واسعة من المستشفيات ودور رعاية الايتام مع (100) مدرسة دينية، وتم تقديم (200) جرار زراعي إيراني هدية للحكومة وتدشين خط إنتاجي للجرارات فيها، أما على صعيد العلاقات مع كينيا فقد تم إزاحة الستار عن طائرة مسيرة إيرانية تسمى ( بليكان 2) مخصصة للأغراض الزراعية وتمتلك برنامجاً ذكياً للكشف عن مسار التحليق وتطبيقات مزدوجة لرسم الخرائط ومعالجة الصور، وإنشاء منشأة في مدينة مومباسا الساحلية لتصنيع عربة إيرانية باسم ( وحيد القرن)، أما في دولة أوغندا فقد تم الاتفاق على بناء مصفاة لتكرير النفط ومد خطوط لنقل الطاقة بطول 1443كم وبإمكانيات إيرانية تساهم في تعزيز الدعم الثنائي وبناء مستشفى تحت إشراف الهلال الأحمر الإيراني.
أسست هذه الزيارة مرتكزات انطلقت منها إيران في توقيع اتفاقيات إقتصادية وتجارية وتوسيع التبادل التجاري، وتضمنت اتفاقيات في المجال الصحي والاتصالات والصيد البحري والبحث والعلوم والتكنولوجيا، وعكست الزيارة حقيقة التوجهات الإيرانية التي تعتبر أفريقيا أنها قارة الفرص المستقبلية.
وبدأت إيران منذ سنوات بالوصول إلى منطقة الساحل والصحراء الغربية في شمال أفريقيا والعمل على تكوين قواعد تنظيمية وإنشاء محطات أمنية في عدد من المدن العربية وخاصة في الجزائر التي ترتبط معها بعلاقات وثيقة واتفاقيات أمنية وتجارية واستثمارات مالية ومواقف سياسية موحدة، وأبتدأ التحرك الإيراني بخطى ثابتة في منطقة الساحل والصحراء مدعوم بغطاء ديني لاختراق عدد من العواصم العربية والأفريقية نتيجة تراجع النفوذ الفرنسي في القارة السوداء وتسارع إيران لإيجاد موطئ قدم لها في مناطق شمال وغرب أفريقيا واستغلال الفراغ الأمني للتوغل في المنطقة وتنفيذاً لأهداف السياسية الخارجية الإيرانية ومشروعها في الهيمنة والنفوذ ولتنافس محاولات التواجد التركي والصيني والروسي والأمريكي ضمن سياسة تبادل المصالح والمنافع والأهداف الدولية في ضوء عمليات التجاذبات السياسية والمتغيرات الدولية.
وأبتدأت أولى ملامح هذا المخطط بتركيز النشاط الإيراني في مناطق عديدة في جمهورية الجزائر، منها العاصمة ومدن ( باتنة وتبسة وسيدي بلعباس وتيارت وخشلة) وعملت على بناء علاقات إقتصادية ومدها باستثمارات مالية لتحويلها بعد ذلك إلى فصائل مسلحة وأذرع مذهبية لدعم المشروع الإيراني كما حصل في أقطار المشرق العربي ( العراق وسوريا واليمن ولبنان)، وسعت إلى تأسيس أولى خطوات حزب الله المغاربي واعتبرت مدينة ( سيدي خالد) جنوب الجزائر مركز روحي للتشيع الجزائري وأصبحت الطقوس الشعائر المذهبية تمارس سنوياً في بعض البيوت والاماكن الخاصة، وساهمت العلاقة السياسية الوثيقة بين الجزائر وإيران على عملية الاختراق المذهبي وبدأت بتشكيل الهياكل التنظيمية للمراحل الأولى لاختراق المجتمع الجزائري والتأثير على حالة التماسك المجتمعي فيه، ووجهت أدوات الاختراق بشكل أساسي للعاملين في المؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية ومنهم التدريسين ورجال العلم والمعرفة في الجامعات والمعاهد الجزائرية والعاملين في المؤسسات الاعلامية والصحف والمجلات ومراكز البحوث.
استغلت إيران حالة الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب حول عائدية الصحراء الغربية وطبيعة الأعمال التي تقوم بها جبهة البوليساريو ومطالبتها بالانفصال عن المغرب وإعلان الجمهورية العربية الصحراوية والدعم الجزائري لعناصرها، مَكن الايرانيون من فتح مجالات واسعة لتقديم العون والمساندة لعناصر البوليساريو عبر عمليات التدريب والاعداد العسكري في معسكرات فتحت لهم داخل الأراضي الجزائرية وتزويدهم بالأسلحة والمعدات وبموافقة الحكومة واشراف الحرس الثوري الإيراني، وهذا ما أتفق عليه الجانبين الإيراني والجزائري كونها على خلاف شديد مع المملكة المغربية، فإيران سعت لمحاولة إيجاد قواعد تنظيمية لحزب الله المغاربي في الرباط والقيام بعمليات تستهدف حالة الأمن والاستقرار في المدن المغربية والتي تم مواجهته من قبل الأجهزة الامنية المغربية عام 2009 ثم قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، ودعم مقاتلي جبهة البوليساريو وتدريبهم واعدادهم القتال القوات المغربية، وتعود اسباب الخلاف بين البلدين إلى موقف المغرب الرافض للأنشطة الإيرانية في البحرين واعلان التضامن مع الشعب العربي البحراني.
ان التصريحات الإيرانية حول غلق مضيق جبل طارق إنما تأتي نتيجة الأجواء والبرامج التي تمكن النظام الإيراني من إيجادها على الأرض وتحديداً في الجزائر وتوسيع علاقته مع موريتانيا ورفع للتسيق المشترك بينهما إلى مستويات عالية وبدعم جزائري للتأثير على المغرب مع استمرار الدعم المقدم للحركة الإسلامية في نيجيريا ودعم فصائلها المسلحة بالمال والأسلحة واستقبال قياداتها في طهران ، وإنشاء إيران لشبكات مذهبية نجحت في خلقها ببعض الدول الأفريقية ( كينيا وتنزانيا وموزمبيق) بالاعتماد على عناصر حزب الله من الجالية اللبنانية التي تتواجد في أفريقيا.
وسعى النظام الإيراني إلى استغلال الأحداث الجارية في السودان لتحقيق مأربه ومحاولته الوصول لساحل البحرالاحمر ومداخل القارة الأفريقية عبر الأراضي السودانية وإيجاد منافذ حقيقية له في تعزيز دوره في العمق الأفريقي وتحقيق الاطلالة البحرية عبر قواعد عسكرية إيرانية تطل على البحر الأحمر لتكون قريبة من الحدود المائية مع اليمن وتحقيق التواصل مع الحوثيين وتنفيذ الأبعاد الاستراتيجية للمشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ عبر طرق المواصلات البحرية والسيطرة على المضائق والممرات المائية والتجارية القريبة من السعودية واليمن وإسرائيل عبر قناة السويس وهذا ما تسعى اليه في تنويع تدخلاتها الدولية والإقليمية لتعزيز مكاسبها وتحقيق ومنافعها في مناطق مهمة ولكي يكون لديها دوراً مفاعلاً في معالجة حالة الخلاف بين طرفي النزاع في السودان.
رأيت إيران في هذه الأحداث فرصة ثمينة لتعميق دورها الميداني في التواجد على الأرض التي تشكل لها تربة خصبة لتوسيع نفوذها اعتماداً على حالة التفكك التي يشهدها ويعيشها السودان وإستثمار أثار العلاقة التاريخية التي تربطها مع مجموعة ( الكيزان) وهي المفردة التي أطلقها الشعب السوداني على المنتمين للحركة الإسلامية التي تزعمها حسن الترابي زهاء نصف قرن من الزمن وكانت تحت مسميات عدة منها ( الجمعية الإسلامية القومية والمؤتمر الشعبي وجمعية الميثاق الإسلامية واخيراً المؤتمر الشعبي)، وهم المجموعة التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة ثم تعاونت مع عمر البشير وبمباركة حسن الترابي وباقي قيادات الحركة الإسلامية في السيطرة على السودان عام 1989، حيث بقيت العلاقة مع قيادة الحركة الإسلامية وإيران مستمرة وظهر تأثيرها في عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران وتواصل عبد الفتاح البرهان مع القيادة الإيرانية وطلب المعونة العسكرية منهم مستنداً على عمق العلاقات السابقة التي كانت تربط النظام السوداني بايران عبر العديد من الفعاليات والجهد الأمني والعسكري الذي قامت به إيران في تسعينيات القرن الماضي والذي شهد أولى مراحل التغلغل الإيراني في بناء مجمع مصانع اليرموك بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وهو مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والذي أقيم لخدمة إيران وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة إلا أن ذلك المصنع قصفه الطيران الإسرائيلي فجر الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 2012،
وسبق لإيران ومؤسساتها الدينية والثقافية أن أنشأت مكتبات عامة في بعض المراكز الثقافية، كالمركز الثقافي في العاصمة السودانية الخرطوم ومكتبة الإمام جعفر الصادق بمنطقة العمارات ومكتبات أخرى في مدينة أم درمان، ومن أبرز المؤسسات التعليمية التي أقيمت مؤسسة الإمام علي بن أبي طالب و مدرسة فاطمة الزهراء بالعاصمة السودانية الخرطوم، ومعهد الإمام علي للقراءات بمنطقة الفتيحاب.
قام النظام الإيراني بتسليم عدد من الطائرات المسيرة للجيش السوداني بعد عدة أشهر من إستئناف العلاقة بين البلدين والتي أخذت انعطافاً هاماً في طبيعة النزاع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الردع السريع الذي أوقعت فيه خسائر كبيرة وتم استعادة عدد من المدن في وسط البلاد وغرب مدينة كردفان وتقدم الجيش في ولايات الجزيرة دارفور وأم درمان والخرطوم البحري وإيقاف الزحف الميداني الذي حققته قوات الردع في الأشهر الماضية، وتحققت هذه الإنجازات العسكرية بعد قيام النظام الإيراني بتزويد الخرطوم بالمعدات العسكرية المتطورة ومنها طائرة مهاجر (6) المسيرة ذات التقنية العالية والتي تم تصميمها عبر شركة القدس للصناعات الجوية الإيرانية بمواصفات متقدمة عبر حملها لذخائر موجهة.
أهم الأسباب التي أدت إلى اتساع النفوذ الإيراني هو الغياب العربي لسد الفراغ السياسي في أفريقيا وبتفعيل العلاقات التي كانت قائمة بين الاقطار العربية والدول الأفريقية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي والغياب الأمني بين دول شمال أفريقيا والخلافات السياسية بينهم، كما وان نجاح إيران في تعزيز علاقتها مع الجزائر وموريتانيا واخيراً عودة العلاقات مع السودان كان له الدور البارز في تدعيم المشروع الإيراني في أفريقيا ونجاحها في تهدئة الأوضاع في المشرق العربي بعد الإتفاق السعودي الإيراني وعودة العلاقات الخليجية الإيرانية وتهدئة التوتر في اليمن، كما أن إيران سعت لفتح جبهة بوابتها عبر الجزائر للتخفيف من أزمتها الاقتصادية والالتفاف على العقوبات الاقتصادية الدولية.