هل ينجح السوداني في حل عقدة الصراع على حكومة كركوك؟

هل ينجح السوداني في حل عقدة الصراع على حكومة كركوك؟

مضى على إجراء انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم في العراق نحو شهرين ونصف الشهر من دون أن تتمكن القوى الفائزة في كركوك من تشكيل الحكومة المحلية، بخلاف أقرانها في معظم المحافظات إثر صراع محتدم على المناصب تغذيه تدخلات إقليمية، فيما تتجه الأنظار إلى اجتماع حاسم من المنتظر أن تعقده القوى برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأسبوع المقبل، وسط ترجيحات بالتوصل إلى توافق يفضي إلى اتباع صيغة “المداورة” لإدارة المحافظة.

وتسببت الصراعات السياسية والعرقية في عدم خوض المحافظة الغنية بالنفط انتخابات محلية سوى لدورة يتيمة منذ عام 2005، قبل أن تتمكن من إجرائها في انتخابات المحافظات التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حصد الأكراد خلالها سبعة مقاعد من مجموع مقاعد المجلس المحلي البالغة 16 مقعداً، خمسة منها كانت من نصيب حزب “الاتحاد الوطني” بزعامة بافيل طالباني، ومقعدان لشريكه في حكومة إقليم كردستان “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني، في حين فازت القوائم العربية بستة مقاعد وحاز التركمان مقعدين، وذهب مقعد “كوتا المسيحيين” لحركة “بابليون” الموالية للقوى الشيعية الحاكمة في البلاد.

أبعاد محلية وخارجية

وعلى رغم نجاح 15 محافظة في تشكيل حكوماتها المحلية، إلا أن ثلاث محافظات لا تزال تواجه عقبات في حسمها، وهي كركوك وصلاح الدين وديالى، لكن الأولى تعد الأشد تعقيداً والأكثر أهمية لما لها من أبعاد اقتصادية، لكونها تضم أكبر الحقول النفطية في الشمال، كما لها بعد قومي في صراع يدور على تبعيتها بين الكرد في مواجهة العرب والتركمان، إلى جانب البعد الإقليمي متمثلاً في الدولتين الجارتين تركيا وإيران اللتين تنظران إلى المحافظة من منطلق مصلحتيهما القوميتين، وتشكل إحدى النقاط المحورية في تنافسهما على النفوذ في الساحة العراقية.

ويواجه الأكراد اعتراضاً من التركمان والعرب في استعادة منصب المحافظ الذي كانوا فقدوه منذ عام 2017 إثر تداعيات إجرائهم استفتاء للانفصال. ودفع فشل القوى في حسم خلافاتها، السوداني إلى دعوة الأطراف الفائزة للاجتماع في بغداد الأربعاء الماضي والذي تمخض عنه تشكيل “ائتلاف إدارة كركوك” برئاسته لحين انتخاب محافظ جديد. وتم الاتفاق على أن “تتشكل الحكومة المحلية بناء على الاستحقاق الانتخابي”، وذكرت تسريبات أن “السوداني حذر من تهميش أي طرف أو السماح بفرض أية أجندات إقليمية”، في موقف فسر على أنه تحذير من محاولات تشكيل أي تحالف ضد آخر.

زعيم_عصائب_اهل_الحق_الشيعية_قيس_الخزعلي_في_لقاء_مع_اسر_المغيبين_والمعتقلين_في_ديوان_المحافظة_-_المصدر_مجلس_محافظة_كركوك.jpg
زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في لقاء مع أسر المعتقلين في ديوان المحافظة (مجلس محافظة كركوك)

الحل في تدوير المناصب

ولا تزال الحلول المطروحة مبهمة حول الصيغة المثلى للخروج بنتائج تحقق تقارباً بين الأطراف المتصارعة، ويعتقد الأمين العام لحزب “الهدف الوطني” والمرشح عن “التحالف العربي” إسماعيل الحديدي بأن “الحسم سيكون باللقاء المقبل مع السوداني بعد النظر إلى ما سيقدمه كل طرف من مطالب”، وأوضح أنه “نظراً إلى صعوبة تحقيق أي طرف الغالبية، فإن الأمور تتجه نحو صيغة المناصفة أو المداورة في تولي المناصب ومنها منصب المحافظ. وهناك مقترحان أحدهما ينص على أن ينحصر التدوير بين العرب والكرد، والثاني أن يتم إشراك التركمان أيضاً”. واستدرك أنه “من غير الواضح كيف سيتمكن السوداني من حسم المعضلة، مع الإقرار بأن تدخله كان ضرورياً للغاية”.

وأفرز غياب التفاهمات هواجس من أن يؤدي تعثر المشاورات إلى إلغاء النتائج وإجراء جولة جديدة من الانتخابات، إلا أن الحديدي استبعد ذلك بالقول “في أسوأ احتمال قد تستمر الحال على ما هي عليه، وتعودنا في العراق على مثل هذه الأمور بتمسك كل طرف بمطلبه وعدم تمكن أي جهة من تحقيق الغالبية، لأن العضو المسيحي والحزب الديمقراطي ليسا مستعدين للانضمام إلى التحالف العربي، كما أن الأول لن ينضم إلى تحالف يضم الحزبين الكرديين، والحل الأمثل سيكون التوافق وهذه طبيعة كركوك”. وعن مدى إسهام العوامل الخارجية في تعقيد المشهد، أقر الحديدي بأن “التدخلات الإقليمية لها حضور مؤثر، بخاصة إيران وتركيا، وبناء على ذلك فإن مسألة تدوير المناصب تبدو أكثر مقبولية لدى الجميع باعتبارها أفضل السيئات لأن كل جانب يخشى تقديم أية تنازلات مراعاة لموقف جماهيره”.

غياب المساومة

من جهة أخرى، توقع مصدر مطلع على المشاورات تحفظ على نشر اسمه، أن يتصاعد سقف مطالب القوى خلال لقائها المرتقب مع السوداني، وقال في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “كل طرف يرفض تقديم تنازلات في شأن منصب المحافظ مراعاة لجمهوره، وكذلك بسبب توازن النفوذ الذي فرضته نتائج الانتخابات، لذلك لا نلتمس أي تقدم في المشاورات، على رغم وجود شبه قناعة عامة حول إمكان تطبيق حل منطقي، ألا وهو الاتفاق على إعطاء جهة المحافظ ثلاثة إلى أربعة مديري دوائر فقط، مقابل منح ستة إلى سبعة مديري لرئيس المجلس، و12 مديراً للنائب الأول للمحافظ، ومع جمع الأعمدة الثلاثة فإننا سنكون أمام توازن لن يكون فيه طرف يفرض سلطته على الآخر”.
وكشف المصدر عن أن “التركمان لا يعولون على النتائج بقدر ما يتمسكون بالفقرة 35 من قانون المحافظات التي تنص على أن مصير كركوك لا يبنى على نتائج الانتخابات، أي يجب تقسيم المناصب. وعلى رغم أنهم يطالبون علناً بمنصب المحافظ، لكنهم في الواقع مقتنعون بالحصول على منصب نائب المحافظ الأول وبعض المواقع الأدنى، والإصرار ينحصر بين العرب والكرد. أما حزب بارزاني، فإنه يمارس سياسة اللعب على الحبلين، ويحاول المساومة مع حزب طالباني ومقعد المسيحيين لتشكيل تحالف، والأمر نفسه يفعله مع الأطراف المقابلة”. وأكد أنه “بإمكان المحافظ الحالي راكان سعيد الذهاب نحو إلغاء نتائج الانتخابات وإجراء أخرى مبكرة، وقد هدد بذلك، وفي حال تم ذلك فإن الأمر سيتطلب أكثر من ستة أشهر”. وختم المصدر بالإشارة إلى أن “وقود الصراع المحتدم على منصب المحافظ ناهيك عن أهميته السياسية، يمثل أهمية لأنه يحقق مكاسب مالية للطرف المعني من خلال منح المشاريع والأراضي وغيرها”.

ويعد ملف التغيير الديموغرافي في المحافظة أحد العناصر المسهمة في استمرار الصراع ذي الطابع العرقي، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن النظام العراقي السابق نقل أكثر من 350 ألف عربي من مناطق أخرى وأسكنهم في المحافظة والتي يصفها الأكراد “بعمليات التعريب”. لكن مزاعم التركمان والعرب تقول إن عدد سكانها بعد سقوط النظام عام 2003 كان يقدر بنحو 850 ألف نسمة، ثم سجل العدد قفزة في 2005 مرتفعاً إلى نحو مليون و150 ألف نسمة، متهمين الأكراد باستقدام نحو 300 ألف كردي في عملية معاكسة يطلقون عليها “حملة التكريد”، ثم عاد الأكراد ليتهموا العرب بتنفيذ “حملة تعريب جديدة” تم خلالها استقدام نحو 70 ألف عربي في أعقاب انسحابهم من المحافظة، إثر تعرضهم لإجراءات عقابية على خلفية خوضهم استفتاء لانفصال إقليم كردستان عن العراق، مما ولّد شداً وجذباً بين القوى وشكوكاً متبادلة حول سجل الناخبين.

لا حل سوى التوافق

وتتعدد سيناريوهات تشكيل التحالفات، إلا أن جميع المعطيات لن تخرج عن “التوافق” كمخرج للأزمة، مما يؤكده المحلل إبراهيم علي، إذ قال إن “الكرد يمكنهم الاستحواذ على نصف المقاعد، عبر ائتلاف الحزبين مع العضو المسيحي المرشح عن قائمة بابليون بزعامة ريان الكلداني (منضوٍ في قوات الحشد الشعبي الشيعية)، إلا أن الحزبين لم يعقدا سوى اجتماع واحد اتفقا فيه على أن يكون المحافظ من نصيب الكرد. وتكمن نقطة الخلاف في أن الديمقراطي يطالب بأن يكون مستقلاً، في حين أن الاتحاد يعتبر المناصب استحقاقاً له لحصوله على أعلى عدد من المقاعد”. وأردف أن “هذا الاجتماع أفشل مساعي التوصل إلى اتفاق كان يجري في الكواليس بين العرب والتركمان والديمقراطي، ليصل مجموع مقاعدهم إلى 10 مقاعد، يكون منصب المحافظ للعرب ورئيس المجلس للكرد ومناصب أدنى للتركمان”.

ويتوقع علي أن “تُقسم المناصب وفق الاستحقاق الانتخابي لأن كل طرف يخشى من تداعيات الدخول في تحالف مع الآخر على الانتخابات البرلمانية المقبلة، مثال العرب مع الكرد. وقد تأخذ المشاورات مزيداً من الوقت لكن في النهاية سيكون هناك توافق”، مضيفاً أن رؤيته مبنية على “واقع التشتت الحاصل ليس بين القوى فقط بل داخل كل جهة، فالأطراف العربية على رغم دخولها في تحالف موحد، فإنها تختلف في ما بينها، إذ يؤكد قسم منها عدم تهميش أي قوة في المجلس، والقصد هنا كانت محاولات للاستحواذ على منصب المحافظ من دون حزب الاتحاد. كما هناك صراع بين المقربين من رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر والمحافظ الحالي راكان الجبوري على المنصب وكذا الحال بالنسبة إلى الكرد. كما نجد تنافساً داخل الجبهة التركمانية التي تملك مقعدين، بين زعيمها حسن توران والقيادي فيها النائب أرشد الصالحي، ويحاول كل منهما دفع المقربين منه إلى تولي مناصب”.