تهتم الأوساط الأمريكية بالمراحل المتطورة التي وصلت إليها التقنية العلمية في برنامج الصواريخ الإيرانية ومنها الفضائية ذات البعد الأمني والاستخباري المتعلق بأهداف العقيدة العسكرية والطموح الإيراني في الوصول لمديات من التطور العلمي لخفايا الفضاء وأهداف النظام الإيراني في تعزيز الأمن القومي له ورصد جميع الأهداف الدولية والإقليمية التي تحاول معرفة أبعاد ترسانة الصواريخ البالستية التي تملكها المؤسسات الدفاعية والعسكرية الإيرانية والتي أصبحت أحدى سمات الدفاع الميداني الذي يعزز عملية بقاء واستمرار النظام وتنفيذ مشروعه في التمدد والهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط والوطن العربي.
إن سياسة التحوط الإستراتيجي التي بدأت إيران تتبعها في سبيل دعم إمكانية التقدم الحاصل في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة لتحقيق حالة من التوازن في ميزان القوى الذي يشكل الأهمية الميدانية لمستقبل المنطقة وبما يعزز الدور الإيراني والسلوك العقائدي القائم على تصدير الثورة الإيرانية وتحجيم دور بعض الأنظمة والحكومات وتنفيذ سياسة إيران الإقليمية في دعم الجماعات والفصائل المسلحة المرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
هذا النهج والسلوك الإيراني يأخذ أبعاد كثيرة ويعتمد أسس ومرتكزات مهمة قوامها ان إيران لديها القدرة على التنافس الإقليمي وأنها تسعى لاثبات نفسها كقوة إقليمية لها امتداداتها وتأثيراتها بل دورها الحيوي في تحديد العديد من السياسات والأهداف التي تحقق لها أغراضها ومنافعها الميدانية.
ولهذا سعت المؤسسات الإيرانية العسكرية والعلمية لتطوير الصناعات المحلية واحتلالها المركز السادس عشر بين أكبر بائعي الأسلحة والمعدات الحديثة في العالم بعد رفع الحظر وانهاء فعالية القرار الأممي 2231 في الثامن عشر من تشرين الأول 2023 والذي يسمح لإيران بتصدير واستيراد المعدات والمواد والأدوات الداخلة في صناعة وتطوير الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة والمعدات المتطورة، وهي تستعد الآن لولوج سوق السلاح الدولي بعد التطور الحاصل في صناعتها الحربية ومنافستها لدول إقليمية خاصة في برنامج الطائرات المسيرة والصواريخ فرط صوت والبرنامج الفضائي لإطلاق الأقمار الاصطناعية.
أعلنت إيران في نهاية كانون ثاني 2024 وللمرة الأولى إطلاق 3 أقمار صناعية بشكل متزامن، على متن صاروخ (سيمرغ) ووضعها بنجاح في مدار يبعد نحو 450 كيلومترا عن سطح الأرض.
وأوضحت الجهات المعنية في طهران إن قمر مهداة الذي يزن 32 كيلوغراما مخصص لاختبار دقة صاروخ (سيمرغ) الحامل للأقمار الصناعية في إيصال شحنات متعددة للفضاء، في حين يبلغ وزن قمري (كيهان 2) و(هاتف 1) نحو 10 كيلوغرامات، وهما موجهان لاختبار الاتصالات ضيقة النطاق وتكنولوجيا تحديد المواقع الجغرافية.
وهذا التطور أثار حفيظة الدول الأوربية التي رأت أن هذا القمر يستخدم التكنولوجيا الأساسية لتطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى، وهو ما رفضته طهران وقالت (إن تطوير التكنولوجيا السلمية في مجال الفضاء حق مشروع لها) .
وكانت إيران قد وضعت في العشرين من كانون ثاني 2024 القمر (ثريا) الذي يزن 50 كيلوغراما في مدار على ارتفاع نحو 750 كيلومترا من سطح الأرض، وتقول طهران إن هذه هي (المرة الأولى التي تنجح فيها إيران في وضع قمر اصطناعي في مدارات أعلى من 500 كيلومتر) .
وأعلن المتحدث الرسمي بأسم الإدارة الفضائية بوزارة الدفاع الإيرانية أن تصنيع الصاروخ الإيراني القادر على إيصال قمر صناعي إلى مدار الأرض الثابت يمر بالمرحلة الختامية،
ونقلت وكالة فارس الإيرانية عن رئيس الإدارة الفضائية الإيرانية سيد أحمد حسيني قوله إن صاروخ Sarir بوزن 1.5 طن الذي تقوم وزارة الدفاع الإيرانية بتصنيعه سيكون بمقدوره إطلاق قمر صناعي إلى ارتفاع 36000 كيلومتر ما يناسب المدار الثابت المتزامن مع دوران الأرض، كما سيكون بمقدوره إطلاق 5 أو 6 أقمار صناعية إلى مدار الأرض المنخفض.
تمكن النظام الإيراني وفق هذه المعطيات والتطورات من استخدام سياسة التحايل على العقوبات الدولية والتي منعتهم من اقتناء قدرات عسكرية متطورة بعد أن تهالكت قوته العسكرية وقدراته التقنية في حربه مع العراق في ثمانينات القرن الماضي، وعمل على تدراك هذه الحالة بتوسيع الصناعات المحلية العسكرية وتطوير القدرات العلمية الإيرانية وهذا ما حصل من قبل العلماء الاختصاصين في البرنامج النووي وتصاعد عملية تخصيب اليورانيوم وتوسيع الخزين من الطرود المركزية، وكان الحل الواقعي الذي اعتمد التصنيع المحلي اساس في تطوير وتعديل الأسلحة التي حصلت عليها إيران من روسيا والصين.
تمكنت إيران من التقدم في صناعة وإنتاج الطائرات المسيرة وتنويع إنتاجها وفق مواصفات متقدمة اثبتت وجودها في الميدان الروسي الأوكراني وتعزيز مخزونها من الصواريخ البالستية مع امتناع إيران عن التوقيع على معاهدة تجارة الأسلحة التي تهدف إلى تنظيم وتقليص تجارة الأسلحة غير المشروعة، وهذا الأمر كان من أولويات السياسة الإيرانية التي استعدت لمواجهات قادمة ثم عملت على تزويد وكلائها وفصائلها المسلحة المرتبطة بها بالعديد من انتاجها التسليحي في جميع المجالات من المعدات والصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة والتي استخدمت في حروب أهلية أوعبر مشاريع طائفية أو لتحقيق أهداف إقليمية تخدم إيران في ساحات المواجهة بعواصم بعض الأقطار العربية في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وسبق لإيران وأن زودت
في عام 2017 الحوثيين في اليمن بعشرة صواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز (قيام-1) ومنذ عام 2018 تلقت الفصائل المسلحة في العراق صواريخ باليستية قصيرة المدى من طهران، بما في ذلك صواريخ (فاتح 110) و(ذو الفقار) ، واستخدام الطائرات من دون طيار في الهجمات على القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا.
وجاء تقرير (تقييم التهديدات لعام 2023) الذي يصدر من مديرية الاستخبارات الوطنية الأمريكية سنوياً والذي تم مناقشته خلال جلسات الاستماع العامة للجان الإشراف على لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ومجلس النواب والذي تضمن تقييم إدارة الاستخبارات للتهديدات الحالية للأمن القومي الأميركي بما في ذلك التهديدات السيبرانية والتكنولوجية والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والجريمة وقضايا البيئة والموارد الطبيعية والقضايا الاقتصادية، فأشار التقرير إلى أن إيران تمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية الأكبر والأكثر تنوعًا في الشرق الأوسط، ولا تزال برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية تشكل تهديدًا للدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كما طورت إيران الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل ولديها منطومة صواريخ (فاتح-110) الأصلية الإيرانية التي تعمل بالوقود الصلب وتتمتع بالدقة اللازمة لتدمير الأهداف العسكرية وأهداف البنية التحتية الحيوية.
و تثار التخوفات الغربية من محاولة إيران الحصول على صواريخ باليستية عابرة للقارات وأنظمة متوسطة المدى يتراوح مداها بين 3 آلاف و5500 كيلومتر، وحتى لو لم تقم إيران بتطوير صواريخ عابرة للقارات فإن وجود برنامج فضائي يوفر للمهندسين خبرة مهمة في تطوير صواريخ معززة، ومعرفة يمكن استخدامها في تطوير صواريخ طويلة المدى.
وتبقى الخطوط العريضة والأهداف التي تسعى إليها إيران من تطوير فعالية الصواريخ ذات البعد الفضائي أنها تسهم في تعزيز البعد الأمني الاستخباري لجمع المعلومات والاستفادة من الجوانب الفعلية لأخذ التحوطات الاستراتيجية في مواجهة أي احتمالات تتعرض إليها منطقة الشرق الأوسط، كما وأنها تعتبر رسائل موجهة وعرض لسياسة المواجهة واستخدام القوة لابعاد الأخطار المحدقة بها ولحلفائها والإشارة إلى أن الصواريخ الحاملة لتلك الأقمار التي لا تتجاوز مهمتها الرصد وجمع المعلومات الاستخبارية، وتأكيد التنسيق التام في الأهداف الإيرانية لجميع المؤسسات العلمية والأمنية من وزارتي الدفاع والاتصالات وكالات الفضاء والحرس الثوري والمراكز البحثية التي تعمل على إدخال تقنيات علمية جديدة لحاملات الأقمار الاصطناعية .
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة