طهران – تسير روسيا وإيران بقوة في نفس الاتجاه في ما يتعلق بالسياسة الخارجية وهو ما لخصه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 7 ديسمبر الماضي حين قال إن “ما تسبب في معاناة الإنسانية هو الأحادية والنظام العالمي غير العادل، والذي يمكن رؤية أحد مظاهره في غزة اليوم”.
ويقول الدكتور حميد رضا عزيزي، وهو زميل زائر في قسم أفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، في تقرير نشرته خدمة إنتر برس إن تصريحات رئيسي تلخّص بإيجاز كيف حولت الحرب في غزة وجهة نظر إيران تجاه روسيا كشريك ثابت في موقفها ضد إسرائيل وحول الحرب، مدعومًا بوجهات النظر المشتركة حول المواضيع الدولية الكبرى.
وعلى الرغم من أن بوتين لم يؤيد صراحة تعليقات رئيسي، إلا أنه لم يخيب أمل زائره أيضًا، حيث أشار إلى التفاهم المتبادل بين الدولتين بشأن القضايا الإقليمية، بما في ذلك الصراع في غزة، كأحد موضوعات المفاوضات الثنائية.
ولم يكن اللقاء بين رئيسي وبوتين، الذي يمثل أهم مشاركة دبلوماسية بين إيران وروسيا في ما يتعلق بغزة منذ بداية الحرب، حدثا معزولا. ومنذ وقت قصير بعد بداية الحرب، ظهرت هذه القضية باستمرار في المناقشات الهاتفية والاجتماعات الشخصية بين المسؤولين في البلدين.
إستراتيجية إيران البديلة أو ربما التكميلية قد تكون تشكيل تحالف عسكري مع قوى دولية صديقة مثل روسيا والصين
وبعيدًا عن هذا الإطار الثنائي، فقد تمّ أيضًا توضيح الموقف المشترك بشأن قضية غزة في سياقات متعددة الأطراف حيث توجد إيران وروسيا. وكان أبرز مثال على ذلك هو اجتماع “صيغة أستانا” الثلاثي بين إيران وروسيا وتركيا.
وبينما يركز المنتدى بشكل أساسي على سوريا، أكدت الأطراف الثلاثة على أهمية منع توسيع المواجهة المسلحة في غزة وإشراك دول إقليمية أخرى في الصراع. كما أعربوا عن قلقهم العميق إزاء الكارثة الإنسانية في غزة وشددوا على ضرورة إنهاء الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ويتجلّى التقارب المتزايد بين إيران وروسيا بشأن قضية غزة أيضًا في الروايات الرسمية التي تروّج لها كل دولة على حدة؛ وهو التقارب الذي ظهر منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا والدعم الإيراني له، عازياً المشاكل والأزمات الدولية إلى الدور الضار الذي يلعبه الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة.
وقد وصفت إيران وروسيا ردود الفعل الغربية على الصراع في غزة بأنها منافقة، ووضعتاها جنباً إلى جنب مع التصرفات الغربية في صراعات عالمية أخرى، وخاصة في أوكرانيا.
وتهدف هذه الرواية إلى تسليط الضوء على التناقضات والتحيزات الملحوظة في السياسات الخارجية الغربية.
وتدعو الحكومتان أيضاً إلى إيجاد حلول للمشاكل الإقليمية، وتحدي التدخلات الغربية في الشرق الأوسط.
وفي الواقع، فإن التوافق في الروايات والتصورات بين إيران وروسيا يتجاوز السياق المباشر للحرب في غزة بل هو جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل النظام العالمي إلى هيكل متعدد الأقطاب، حيث يتم التنافس على الهيمنة الغربية وتتولى مراكز القوى البديلة، مثل إيران وروسيا، دوراً أكثر وضوحاً.
وفي الوقت نفسه، يُلقى باللوم على التأثير السلبي للنفوذ الغربي في عدم فعالية المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، في إنهاء الحرب في غزة. ويبدو أن هذا الجانب له أيضًا آثار أوسع نطاقًا.
وتُظهِر محادثات أستانا بشأن سوريا التزام إيران وروسيا، جنباً إلى جنب مع تركيا، التي انتقدت بنفس القدر الاستجابة الغربية للحرب في غزة، بإنشاء منصات بديلة لحل الصراع والتعاون الدولي.
وفي جوهر الأمر، يشير التركيز على غزة في البيان الختامي لاجتماع أستانا إلى أن إيران وروسيا وتركيا تعتزم توسيع تعاونها الثلاثي في سوريا، وهو ما تم تكراره جزئيًا أيضًا في جنوب القوقاز بعد الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا.
وبعد سوريا وجنوب القوقاز، قد تبرز غزة أيضًا كمكان لظهور التعاون الثلاثي بين طهران وموسكو وأنقرة، على الرغم من اختلاف المواقف.
وكما توقع العديد من المحللين منذ بداية حرب غزة، سعت روسيا إلى الاستفادة من الصراع كفرصة لتوسيع نطاق تواصلها مع الجنوب العالمي، وخاصة الدول الإسلامية التي تنتقد تصرفات إسرائيل في غزة.
وفي هذا السياق، تأثرت علاقات روسيا مع الجمهورية الإسلامية بشكل ملحوظ.
فمن ناحية، تغتنم الجمهورية الإسلامية، باعتبارها الداعم الرئيسي لحماس وأبرز خصم لإسرائيل، أيّ فرصة لتوسيع الدعم الدولي لحليفتها وإضعاف موقف إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، بالنسبة إلى قادة الجمهورية الإسلامية، فإن موقف روسيا هو تأكيد على أن قرارهم بدعم موسكو في الصراع الأوكراني كان حكيما.
وأدخل امتداد حرب غزة إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط وانخراط وكلاء إيران وحلفائها من غير الدول في “محور المقاومة”، من الحوثيين في اليمن إلى الميليشيات العراقية، طبقة إضافية إلى الصراع المعقد بالفعل.
وتنسب القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، بشكل متزايد المسؤولية إلى إيران عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وعمليات الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
وفي الواقع، فإنه في أعقاب توسع البرنامج النووي الإيراني، ودعم طهران لموسكو في حرب أوكرانيا، وقمع الاحتجاجات الشعبية في إيران عام 2022، أضافت حرب غزة الآن مشكلة جديدة إلى علاقات إيران مع الغرب.
وفي الوقت نفسه، أضعفت هذه التطورات احتمالات إحياء الاتفاق النووي الإيراني أو التوصل إلى اتفاق جديد بين إيران والولايات المتحدة. وفي ظل هذه الظروف، من المتوقع أن تنجذب إيران أكثر نحو شركائها الشرقيين، أي روسيا والصين.
وكشفت الحرب في غزة أيضًا عن القيود المفروضة على إستراتيجية الحرب غير المتكافئة التي تتبعها إيران باستخدام الوكلاء والشركاء من غير الدول.
وقد كشفت الضربات الأميركية في اليمن من جهة وفي العراق وسوريا من جهة أخرى، على الرغم من عدم إعادة الردع كما كانت تأمل واشنطن، أن شبكة إيران من الحلفاء والوكلاء غير الحكوميين ضعيفة للغاية.
وفي الوقت نفسه، أدى استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس إلى إضعاف القدرات العسكرية لهذه الحركة الفلسطينية بشكل كبير. ويتكهن بعض المحللين بأن هذا قد يدفع إيران نحو تطوير أسلحة نووية باعتبارها الرادع النهائي.
وقد تكون الإستراتيجية البديلة، أو ربما التكميلية، هي تشكيل تحالف عسكري مع قوى صديقة مثل روسيا والصين.
وينبغي النظر في هذا السياق إلى زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان إلى موسكو والتركيز المتزايد من الجانبين على وضع اللمسات النهائية على اتفاقية تعاون إستراتيجي طويلة الأجل.
وفي الوقت نفسه، ظهرت تقارير تشير إلى أن إيران قررت أخيرًا تزويد روسيا بصواريخ باليستية. كما حصلت روسيا على نموذج جديد من الطائرات الإيرانية دون طيار هو “شاهد 238”.
وتشير كل هذه المؤشرات إلى أن الجانبين، مدفوعين باحتياجاتهما العملية فضلا عن توقعاتهما الإستراتيجية طويلة الأجل، يميلان بشكل متزايد إلى إقامة شراكة عسكرية قوية.
وحتى لو قررت إيران السعي للحصول على الأسلحة النووية، فإنها تحتاج إلى الحصول على دعم روسيا. وبالتالي فإن تعزيز العلاقات مع روسيا يظل أمراً بالغ الأهمية.
وفي الوقت الحالي، لا يوجد دليل ملموس يشير إلى أن روسيا ستؤيد حصول إيران على أسلحة نووية. ومع ذلك، فإن الأمر ليس غير قابل للتصديق تمامًا، اعتمادًا على العلاقات المستقبلية بين روسيا والغرب.
وقد عززت العوامل المذكورة أعلاه اعتماد إيران على روسيا كشريك إستراتيجي. في الوقت نفسه، يبدو أن العلاقات الروسية – الإسرائيلية تقترب من نقطة اللاعودة. وفي الواقع، يظل من الأهمية بمكان بالنسبة إلى روسيا ألاّ تدعم إسرائيل أوكرانيا.
ولكن، على الأقل على المدى القصير، يجب على إسرائيل أن تعطي الأولوية لاحتياجاتها الأمنية الخاصة وسط الحرب في غزة، ويبدو أنها غير قادرة على تقديم مساعدة أمنية كبيرة في الخارج.
وعلاوة على ذلك، أصبحت روسيا الآن واثقة نسبياً من إنجازاتها في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن روسيا ترغب في إصلاح شامل لعلاقاتها مع إسرائيل؛ بل إنها ببساطة ترى ضرورة أقل بالنسبة إلى إسرائيل وتعتقد أن لها اليد العليا الآن في هذه العلاقة.
العرب