استمرارا للمشهد الذي تعانيه مدينة الموصل من سيطرة عناصر “داعش” عليها ومعاناة ابنائها التي بلغت مستويات عالية من سلوك متطرف ونهج منظم في ايقاع الاذى باهلها وتراثها وحضارتها ومبانيها بكل شيء يخص سكانها, كل هذا كان استكمالا لما كانت تعانيه قبل 9 حزيران لعام 2014, من نهج حكومي متعمد يعتمد على سياسات طائفية مستفزة تقوم على الاذلال والايذاء.
في ما يلي ايجاز لما تشهده المدينة من اوضاع بعد مضي 6 اشهر على دخول تنظيم “داعش” وسيطرته عليها:
1- استمرار المضايقات واساليب العنف التي يتبعها المقاتلين في علاقتهم مع سكان المدينة، وقد بلغت حدتها في تفجير وغلق عدد من المساجد والجوامع في المدينة بحجة وجود قبور فيها، او ان القائمين عليها لا يوافقون رأي و توجيه تنظيم “داعش”.
2- تفجير وتفخيخ المباني الحكومية والمؤسسات الرسمية التي اتخذها التنظيم مقرا له منذ بداية دخوله، وكان اخرها تفجير بناية محافظة نينوى وبلدية الموصل وقائمقامية المدينة.
3- قطع الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي في المدينة، مما ادى الى خلق حالة من التوتر بين السكان، جراء انقطاعهم عن العالم الخارجي.
4- القيام بتفكيك جميع المعامل التابعة للقطاعين العام والخاص، والاستيلاء على المكائن والمعدات الفنية فيها، ونقلها بشاحنات خاصة الى مدينتي الرقة و دير الزور.
5- احكام السيطرة الامنية وزرع الخوف والفزع بين اهالي المدينة، واستمرار عمليات المداهمة والقاء القبض على المخالفين لهم وغير المتعاونين معهم.
6- استمرار جمع الاتاوات وجباية الأموال من الاهالي والمحلات والمكاتب التجارية والاسواق المحلية، بحجة دعم مقاتليهم واستحقاق دفع الزكاة و المخالفين يعرضون انفسهم للاعتقال.
7- احكام غلق المنافذ حول المدينة ومنع مغادرة الاهالي، الا بإذن خاص من المحاكم الشرعية مع وجود كفيل ضامن لمن يريد المغادرة .
8- تعاني المدينة من قلة في المواد الغذائية وارتفاع اسعار الوقود والمحروقات وانقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه.
9- استمرار حالة الكساد والبطالة وانعدام التبادل التجاري، بسب توقف وشلل نشاط القطاع الخاص.
10- التوقف شبه التام وتغيب الموظفين عن الدوام واستمرار تعطل الدراسة في المؤسسات التربوية والجامعات وعدم انتظام دوام الطلبة فيها.
11- اغفال واضح ومتعمد لدور جميع الفئات الاجتماعية وشرائح المجتمع وعناصر المجتمع المدني، مقابل سيطرة كاملة لتنظيم “داعش” وعناصره وتحكمهم بمجريات الامور.
12- اعتقال عدد من علماء الدين وملاحقة بعض منهم ومنعهم من اقامة خطبة الجمعة، بحجة انهم مخالفون لهم بالعقيدة ولا ينفذون اوامرهم.
13- امتناع ابناء المدينة وشبابها من الانتماء والالتحاق بصفوف تنظيم داعش” بعد ان تفاجئوا بأساليب العنف القصوى والفكر الجامد المتشدد، بالرغم من محاولات عناصر “داعش” عرض اللقاءات واستخدام المساجد لتوعية وتسويق افكارهم.
14- تشكيل مجاميع من تنظيم “داعش” مهمتها توزيع المنشورات و المطبوعات والاشرطة الخاصة بنشاطات التنظيم وعملياتهم، لأثبات وجودهم وزيادة معنويات مقاتليهم.
15- يعاني التنظيم حاليا من مشكلة رئيسية تؤثر على فاعليته العسكرية بافتقاده للحواضن القتالية، التي كانت تدعمه بسب قيامه بإضعاف دور رموز ومشايخ وعلماء السنة.
يتسم الجانب الامني في المدينة بعدد من المتغيرات اهمها:
1- قيام عناصر التنظيم باستبدال مقراتهم ومواقعهم التي استخدموها في بداية دخولهم تحسبا من الضربات الجوية.
2- قطع الاتصالات الهاتفية وعدم استخدام اجهزة الهواتف الجوالة من قبل مقاتليهم، خوفا من اختراقهم ومعرفة توجهاتهم.
3- استحكام المتابعات الامنية وتشخيص العناصر التي يعتقد بعلاقتها مع اجهزة المخابرات الاجنبية او مع الدوائر الامنية في بغداد وتقويضها وانزال القصاص بها.
4- الابتعاد عن تواجد في الاماكن العامة واتباع سياسة الاختفاء عن الانظار وتجنب اللقاء بالأخرين .
5- استمرار حالات المتابعة للأهالي والقاء القبض على من يخالفون التنظيم و سجنهم بالمعتقلات، وتم تسفيرهم الى مديني دير الزور والرقة السورية وهدم سجن بادوش المركزي الذي كان معتقلا للمساجين.
6- قيام قيادات التنظيم باتباع اساليب امنية جديدة في الحفاظ على عناصرهم ومقاتليهم بعد عدة عمليات استهدفت كوادرهم في المدينة، تم خلالها قتل والي الموصل والمستشار العسكري لابو بكر البغدادي ووال البعاج واخرها مسؤول ديوان التعليم بالمدينة.
7- استخدام السرية المطلقة في تعيين مقرات لتدريب عناصرهم بعد ان تم استهداف معسكرات في جنوب الموصل وضواحيها من قبل طيران الحشد الدولي.
8- قيام قيادة التنظيم باستبدال جميع المسؤولين العراقيين واسناد مسؤولية المحافظات والمراكز المهمة لعناصر عربية لقيادة عملياتهم في الداخل, لقد انعكس هذا القرار سلبيا على ابتعاد بعض مقاتلين للعمل معهم بعض ان شعروا بعدم الثقة بهم.
المنهج العسكري لـ”داعش”
بعد سيطرة “داعش” على مدينة الموصل اتبعت اساليب قتالية واستحكامات عسكرية ومفاهيم تعبويه، بغية احكام سيطرته على المدينة ولكن بعد مرور هذه الفترة وما تعرضت له مقراته وقياداته من استهداف من قبل طيارات التحالف الدولي وايقاع الخسائر به ونزيف الدم المستمر بين عناصره، جعله يعمل على تغيير مسار نهجه العسكري متبعا اساليب جديدة يمكن ان نوجزها بالاتي:
1- توسيع دائرة التنظيم وامتداداتها من خلال زرع الخوف في نفوس المواطنين من سيطرة الدولة على المناطق، التي استحوذ عليها التنظيم وبث حالات الرعب من الاساليب التي قد تتبع بعد دخول المليشيات او الحشد الشعبي للمناطق التي يتم طرد “داعش” منها.
2- اتباع اسلوب فتح جبهات عديدة وفي مناطق مهمة لإشغال القطاعات العسكرية العراقية والقوات الموالية لها، وبالتالي اضعاف حالة المواجهة و استنزاف القدرة المواجهة له.
3- العمل على محاولة البقاء والسيطرة على المنافذ الحدودية لتوسيع دائرة اتصالاته وتسويق مواردهم من النفط المستخرج عبر الحقول النفطية المسيطر عليها في جنوب الموصل.
4- تعدد مصادر التمويل للتنظيم من خلال استمرار عمليات الخطف واطلاق سراح المخطوفين بفديات مالية كبيرة.
5- وفرة وكبر حجم السيول النقدية لدى عناصر قيادات التنظيم، حيث يجري توزيعها بين مقاتلين لضمان استمرار عملياتهم العسكرية.
6- لا زال التنظيم يحقق ايرادا يوميا يقدر بأكثر من مليوني دولار من مبيعات النفط في الحقول، التي تسيطر عليها و التي يستخدمها في زيادة رواتب مقاتليه وتشجيعهم للاستمرار معهم واغرائهم بالمنح المالية للتطوع في صفوفهم.
7- السعي للحصول على وسائل تنصت جيدة لتعزيز امكانية استمراراهم في استراق المكالمات الهاتفية ضمن مناطق عملهم.
8- استخدام وسائل التفجير المتقدمة بشكل واسع واعتماد اساليب مبتكرة في زرع المتفجرات، ولغم الطرق والجسور في حالة انسحابهم.
9- انحصار تواجد التنظيم وتأثيره في مناطق التي سيطر عليها بسب ديموية و استمرار تلقي الصدمات من قوات التحالف الدولي.
ومن هنا فان التساؤل الجدير بالطرح هل سيتمكن تنظيم “داعش” من تعزيز قدراتها القتالية في الايام القادمة لمواجهة طيران الحشد الدولي وتقدم القطاعات العسكرية العراقية واجهزتها الامنية وعناصر الحشد الشعبي ام سنرى تغيرا اقليميا ودوليا جديدا للملف العراقي؟!
مركز الروابط للدراسات الاستراتيجية