غذى حديث الرئيس السوري بشار الأسد عن لقاءات تجري “بين الحين والآخر” مع الولايات المتحدة التكهنات بأن تكون واشنطن قد فتحت قنوات التواصل مع الأسد لإخراجه من الفلك الإيراني، وأن ذلك مقدمة ضرورية لإعادة تأهيل نظامه إقليميا ودوليا بعد أكثر من عقد من العزلة الدبلوماسية.
وما كان الأسد ليتحدث عن اللقاءات مع الأميركيين، في ظل التصعيد بين إيران وإسرائيل، لو لم يكن يبتغي بعث رسالة مفادها أنه مستعد للابتعاد عن إيران ومسايرة المزاج الأميركي والإسرائيلي المناهض لها، والنأي بنظامه عنها.
ويجد نظام الرئيس السوري في الضغط الإسرائيلي على إيران واستهداف تمركز قيادات الحرس الثوري ومواقع حزب الله فرصة مهمة للتخلص من العبء الإيراني.
ويعترف الأسد بأن إيران وحزب الله ساعدا على بقاء نظامه، لكنه كان يأمل في انسحابهما بعد استقرار الوضع لصالحه، وألّا يتحول تدخلهما إلى وجود دائم وجدت فيه إسرائيل مبررا للاستمرار في القصف واستهداف منشآت حكومية مدنية وعسكرية حكومية يتخذها الحرس الثوري مقار له وللميليشيات الحليفة.
الأسد ما كان ليتحدث عن لقاءات مع الأميركيين لو لم يكن يبتغي بعث رسالة مفادها أنه مستعد للابتعاد عن إيران
ويعطي الوجود الإيراني لإسرائيل صورة معاكسة لما يَنْويه الأسد الذي يريد أن ينأى ببلاده عن الحرب ولا يريد استعداء إسرائيل لحساب مصالح إيران أو حزب الله، ويبحث عن كسر البرود مع واشنطن حتى لا تعارض إعادة تأهيله إقليميا ودوليا.
ويُعتقد أن تكثيف الوجود العسكري والاستخباري الإيراني لا يتم برضا الأسد، ولا يصب في صالح خطط الدولة السورية التي تريد إنهاء معالم الحرب بشكل نهائي من خلال القضاء على المجموعات المتشددة في الشمال، وكذلك انسحاب المجموعات الموالية لإيران والتي دخلت سوريا تحت عنوان مساعدة الأسد على فرض الأمن وهزْم المتشددين، لكن تبين لاحقا أن الهدف هو تأمين بقاء دائم في سوريا.
وسيضرّ التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، إنْ اتخذ أبعادا أوسع، بخطط الأسد لإظهار أن بلاده تتعافى والبحث عن إعادة تأهيل نظامه إقليميا ودوليا والقطع مع مرحلة الحرب الأهلية.
وليس مستبعدا أن يكون هذا التوجه السوري مدعوما من روسيا التي من مصلحتها التخلص من منافس قوي لها في سوريا.
وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة له عام 2011، وما لبثت أن تبعتها عواصم عربية وغربية، كما فرضت عليه عقوبات قاسية.
وقال الأسد في مقابلة متلفزة، أجراها وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا في القصر الرئاسي ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية مقتطفات منها، إن “أميركا حاليا بشكل غير شرعي تحتل جزءا من أراضينا وتمول الإرهاب وتدعم إسرائيل التي أيضا تحتل أراضينا”. وأضاف “لكن نلتقي معهم بين الحين والآخر مع أن هذه اللقاءات لا توصلنا إلى أي شيء، ولكن كل شيء سيتغير”.
ولم يحدد الأسد مضمون هذه اللقاءات أو على أي مستوى تجري أو من يشارك فيها.
عع
وأشار الرئيس السوري في لقائه عندما سئل عن إعادة الحوار مع الغرب إلى أن “الأمل موجود دوما، حتى عندما نعرف أنه لن تكون هناك نتيجة علينا أن نحاول”. وأضاف “علينا أن نعمل معهم بغض النظر عن رأينا السيء بهم ونشرح لهم أننا لن نتنازل عن حقوقنا، وسنتعاون معهم فقط على أسس المساواة”.
ومنذ بداية النزاع فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على الحكومة السورية وعلى الرئيس السوري وعدد من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية في البلاد.
وفي عام 2020 دخلت مجموعة جديدة من العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون “قيصر” استهدفت العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بمن فيهم زوجته أسماء الأسد. وبمقتضى القانون فُرضت عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة يتعاملان مع النظام السوري.
وخلال سنوات النزاع شكلت الولايات المتحدة داعما رئيسيا للإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال شرق وشرق سوريا. وقدمت واشنطن إلى المقاتلين الأكراد دعما بارزا خلال تصدّيهم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، إنْ اتخذ أبعادا أوسع، سيضرّ بخطط الأسد لإظهار أن بلاده تتعافى والبحث عن إعادة تأهيل نظامه إقليميا ودوليا
ودائما ما تتهم دمشق الولايات المتحدة باحتلال جزء من أراضيها مع سيطرة الأكراد على أبرز حقول النفط والغاز في البلاد. كما تحمل على الأكراد نزعتهم الانفصالية وتتهمهم بالخيانة، في إشارة إلى الدعم الأميركي الذي يحظون به.
وتنشر الولايات المتحدة المئات من مقاتليها ضمن قواعد داخل مناطق سيطرة القوات الكردية وحلفائها. وتشكل قضية الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي فُقد الاتصال به بعد توقيفه عند حاجز تابع لقوات النظام قرب دمشق في أغسطس 2012، أحد أبرز الملفات العالقة بين واشنطن ودمشق.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد اتهم دمشق باحتجاز تايس عام 2022 ودعا الحكومة السورية إلى المساعدة في تأمين إطلاق سراحه. لكن الخارجية السورية نفت آنذاك احتجاز أي مواطن أميركي، بمن في ذلك تايس.
ويأتي إعلان الأسد الأحد في الوقت الذي تحاول فيه دمشق فك عزلتها الدبلوماسية وإطلاق مرحلة إعادة الإعمار بعد أكثر من 13 عاما من النزاع المدمّر، الذي تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد وهجرة أكثر من نصف سكان البلاد.
وشهد العام الماضي تغيرات متسارعة تمثلت في استئناف دمشق علاقاتها مع دول عربية على رأسها الإمارات والسعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، ثم مشاركة الأسد في القمة العربية في جدّة خلال مايو للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما. إلا أن واشنطن لا تزال تشكل طليعة القوى الغربية المناهضة لأي “تطبيع” مع الأسد وأركان حكمه.